مقالات مختارة

النظام الاقتصادي مات.. وينتظر الدفن

1300x600
قبل أيام، تحادثت مع أستاذ اقتصاد متميز. في نهاية الاتصال -الذي دام أكثر من نصف ساعة- شعرت بأنه إذا لم تحدث معجزة فإن المستقبل شديد الصعوبة.

الرجل أكاديمي يتابع التطورات عن قرب، هو مستثمر بارز، ويعرف أوضاع السوق في مصر والمنطقة والعالم.

قال لي: «اطلعت على بعض البيانات والأرقام والمعلومات الحديثة للاقتصاد المصري في الأيام الأخيرة.. ومن غير عبارات تجميلية، فقد تأكدت أن الوضع كارثي، ومصر تعيش مأزقا وجوديا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ليس فقط على مستوى عجز الموازنة، وانخفاض قيمة الجنيه، وقلة الإنتاج، وزيادة الديون، وارتفاع مستوى التضخم والبطالة، وتراجع السياحة، بل على مستوى الكفاءات التي تدير المؤسسات الاقتصادية، ومنها مؤسسات على أعلى درجة من الحساسية، في المجال الاقتصادي، وبالتالي فإن مصر تحتاج إلى كفاءات استثنائية لإدارة هذه الهيئات والمؤسسات التي وصلت إلى درجة من العجز والترهل تنذر بكوارث لا حصر لها.

كما هو معلوم، تعاني مصر مشكلة كبرى في معظم مرافق الخدمات، خصوصا الغاز والكهرباء والمياه، وكل ما هو مرتبط بالطاقة. المشكلة أنه لا توجد كفاءات تكفي لإدارة كل هذه المرافق معا، بحيث تخرجها من أزمتها الراهنة. هناك بعض القيادات الأكفاء، لكن عددهم لا يكفي.. قد يكون لديك وزير جيد جدا أو رئيس قطاع، لكن لا يوجد معه فريق كامل من القيادات والكوادر يستطيع أن يقوم بقيادة بقية القطاعات المختلفة بصورة مهنية، والأهم أن يكون مؤهلا للقيادة في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري.

الحل من وجهة نظر هذا الخبير ليس فقط في الكفاءات القليلة، ولكن في الفلسفة التي تتم بها إدارة الأمور. هو يعتقد أن النظام الاقتصادي المصري بشكله القديم والمستمر حتى الآن فشل وأخفق وتعثر، ومات موتا كاملا، وإكرام الميت دفنه!!!

المصدر يفرق تماما بين النظام الاقتصادي الذي مات، والاقتصاد المصري الذي يعاني من صعوبات كثيرة، لكنه لا يزال لديه فرص واعدة حقيقية، ويمكنه النهوض إذا تمت إدارته بصورة جيدة بديلا لمنطق الفهلوة.

يقول رجل الاقتصاد إن هذا النظام الميت فعليا، كان يقوم -في أحد جوانبه- على دعم كل سلعة وخدمة بصورة عينية، وثبت للجميع أن ذلك لم يكن جيدا، حتى لو كانت النوايا طيبة.

الحل البسيط والسهل أن تؤمن الحكومة بأن يتم فتح أبواب العمل للجميع والمنافسة على أسس اقتصادية بحتة نزيهة وشفافة وعادلة، مع قيام الدولة والحكومة بدورها في دعم المواطنين نقدا، أو في نهاية العملية، وليس قبلها أو في أثنائها؛ لأنه في هذا النظام الميت فإن الذي استفاد فعلا من الدعم هم الأغنياء فقط والقليل من الفقراء.

من وجهة نظره، فإن المطلوب هو إعادة تنظيم الأسواق والهيئات، وأن نكون متأكدين من أن الإدارة صحيحة وجيدة، والمنافسة مضمونة بشروط عادلة، مع مواجهة حقيقية للفساد والإهمال والتواطؤ.

يقول هذا الخبير إن وزارة الكهرباء والمالية لم تدفعا لهيئة البترول أكثر من 200 مليار جنيه مستحقات. هو يعتقد أن الدولة ينبغي أن تعيد النظر في كل «السيستم» الموجود.

لم يعد مقبولا أن يتم إدارة مصر للطيران والسكة الحديدية وهيئة البترول وهيئات أخرى مماثلة بالطريقة القديمة ذاتها.. ينبغي فك التشابكات المالية بينها والعمل بأسلوب جديد.

الرجل يختم كلامه الصريح بقوله: "الأشقاء في الخليج قدموا لنا الكثير منحا ومساعدات وودائع وتسهيلات، وينبغي أن نشكرهم، وندرك أن هذا لن يستمر إلى الأبد. علينا -كما يقول- أن نبدأ في مواجهة الحقيقة، ونقيم نظاما اقتصاديا عادلا وقابلا للحياة والتطور".

الشروق المصرية