نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا للكاتب كيران كوك، حول مستقبل
المياه في
السعودية، قال فيه إن مراقبي شؤون الشرق الأوسط يدركون المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه السعودية؛ بسبب تدني أسعار
النفط على مدى الأشهر الماضية، ما زاد في عجز الميزانية، مستدركا بأن المسألة المغفول عنها تقريبا هي أزمة أكبر وتتعلق بقطاع الماء في المملكة الصحراوية.
ويشير التقرير إلى أن سياسة الحكومة الرامية إلى رفع الدعم الكبير عن استخدام المياه، للتخفيف من أعباء النفقة الحكومية، واجهت عاصفة من الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتكى الناس على نطاق واسع؛ بسبب تطبيق نظام قياس مصروف المياه بالعدادات التي استحدثت في بداية العام الحالي، خاصة موضوع الأخطاء الخطيرة في الفواتير، لافتا إلى أن بعض المواطنين يقولون إن فواتير الماء ارتفعت من عدة دولارات إلى عدة آلاف.
ويذكر الكاتب أنه تمت تنحية عبد الله الحسين، الذي شغل منصب وزير الماء والكهرباء لفترة طويلة، كجزء من أكبر عملية تغيير في متاهات البيروقراطية السعودية في السنوات الأخيرة، كما أنه تم حل الوزارة الخاصة به.
ويلفت الموقع إلى أن الجميع، بما في ذلك الحكومة، يتفقون على أن البلد، الذي يصل تعداد سكانه إلى 32 مليونا، بمن فيهم 9 ملايين وافد، يواجه تحدي نقص كبير في المياه، مع ازدياد الطلب، بواقع 5% كل عام على الماء، ويواجه البلد خطر الجفاف خلال العشرين سنة القادمة، مشيرا إلى أنه يتوقع أن يزيد الانخفاض المتوقع في هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية، في تفاقم المشكلة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن السعودية تعد جزءا من أكثر مناطق العالم جفافا وحرارة، حيث يصل معدل الأمطار فيها إلى حوالي 100 ملم سنويا فقط، لافتا إلى أن السعوديين، الذين يعيشون في بلد تغلب على تضاريسه الصحراء، ولا يوجد فيه بحيرات أو أنهار، اعتادوا بسبب الدعم الحكومي، ألا يدفعوا شيئا مقابل الماء، ولذلك فهم من أكثر سكان العالم استهلاكا للماء، حيث يستخدم الفرد ما معدله 350 لتر ماء في اليوم، في الوقت الذي يصل فيه الرقم في أوروبا إلى حوالي 130 لترا في اليوم، وفي المناطق الأكثر ثراء، مثل الرياض وجدة، يصل هذا الرقم إلى حوالي 500 لتر للشخص في اليوم.
وينوه كوك إلى أن قطاع الموارد المائية عانى من سوء الإدارة المزمن، حيث إنه قبل نصف قرن، كانت المملكة تعتمد على مخزون من المياه الجوفية، يقدر بـ500 كيلومتر مكعب من المياه، ويقول العلماء إنه تم استهلاك كميات كبيرة من المياه خلال حياة جيل واحد؛ بسبب اتباع سياسة زراعية خاطئة بشكل رئيس.
ويورد الموقع أن الزراعة تستخدم 80% من مصروف المياه في السعودية، حيث اتبعت المملكة في أواخر السبعينيات والثمانينيات برنامج اكتفاء ذاتي، فدعمت الحكومة المضخات والكهرباء؛ كي يستطيع المزارعون استخراج المياه الجوفية، وكانت أساليب الري بدائية، حيث تم سقي مساحات واسعة من الصحراء لزراعة الحبوب.
ويشير التقرير إلى أن "السعودية أصبحت واحدة من أكبر منتجي القمح في العالم، لكن إنتاج طن واحد من القمح يحتاج إلى ألف طن من الماء، وتمت تربية المواشي في زرائب مكيفة، وتم التخلي عن برنامج الاكتفاء الذاتي في السنوات الأخيرة، وتقول الحكومة بأنها ستتوقف هذا العام عن دعم وشراء القمح وغيره من الحبوب المنتجة محليا، وبدلا من ذلك تحث الحكومة السعوديين على الاستثمار في الأراضي الزراعية في الخارج، كجزء من مبادرة الملك عبدالله في الاستثمار الزراعي في الخارج".
وبحسب الكاتب، فإن أنشطة السعوديين في الخارج أدت إلى تهم "بالاستيلاء على أراض" في بلدان، مثل إثيوبيا والسودان، وتم انتقادها، مشيرا إلى أنه تم تعيين وزير الزراعة السابق عبد الرحمن الفضلي، وزيرا لوزارة البيئة والمياه والزراعة الجديدة، ضمن إعادة هيكلة البيروقراطية الحكومية حديثا.
ويجد الموقع أنه من المفارقات أنه ينظر إلى الفضلي، الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة المراعي، كبرى شركات الغذاء السعودية، على أنه مهندس سياسة الاكتفاء الغذائي الذاتي، الذي أدى إلى الاستغلال الجائر لمصادر المياه العذبة.
ويذكر التقرير أن اعتماد المملكة على إنتاج محطات تحلية المياه يزداد؛ كونه حلا لشح المياه فيها، حيث تعد المملكة أكبر دول العالم استخداما لتكنولوجيا التحلية في أكثر من 30 محطة تحلية على الساحل، لافتا إلى أنه يتم إنتاج ملايين الجالونات يوميا، التي تضخ لمئات الكيلومترات للرياض وغيرها من المراكز السكانية.
ويستدرك كوك بأن الاعتماد الزائد على التحلية له مشكلاته الخاصة به، إذ إنه في الوقت الذي يحاول فيه المسؤولون السعوديون تخفيض
النفقات، فإن تحلية المياه تعد من العمليات المكلفة جدا، مشيرا إلى أنه يقدر بأن على المملكة استثمار 29 مليار دولار في تحلية المياه على مدى الخمس عشرة سنة القادمة لتلبية الطلب على المياه.
ويذهب الموقع إلى أن "عملية التحلية تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة، وتستخدم السعودية حوالي 1.5 مليون برميل من النفط يوميا لتشغيل محطات التحلية، وهذا أكثر من استخدام بريطانيا للنفط يوميا، كما أن هناك قضايا بيئية تتعلق بعملية التحلية؛ فحرق النفط يولد ثاني أكسيد الكربون، الذي يساعد بدوره على التغيرات المناخية، وليس هذا فحسب، بل إنه ينتج عن عملية التحلية مياه عالية الملوحة، تصب ثانية في البحر، ما يزيد من نسبة الملوحة فيه، وتهدد الثروة السمكية".
ويورد التقرير أن السلطات السعودية حاولت تخفيض استهلاك المياه، حيث إنها قامت بحملات دعاية واسعة، ووزعت أدوات تخفف من استهلاك الماء، مثل رؤوس الدشات المائية الفعالة.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن البرنامج نجح في بعض المناطق، لكن الحكومة أدركت الأخطاء الناجمة عن نظام الدعم السخي للماء، فبسبب اعتياد الناس على خدمة شبه مجانية، فإنهم يجدون من الصعب دفع المال مقابل هذه الخدمة، حتى لو كانت المياه في تناقص حاد.