على الرغم من أن الاتفاق الذي حصل مؤخرا بين
تركيا وإسرائيل قد لا يعيد البلديْن فجأة إلى العصر الذهبي لعلاقاتهما في التسعينات، "إلا أنه يشكل، بسبب مجموعة من المصالح المشتركة، شرطا لا غنى عنه لتحقيق منافع سياسية وأمنية واقتصادية مغرية أخرى في الشرق الأوسط المضطرب"، بحسب رؤية الباحث في معهد واشنطن ديفيد ماكوفسكي.
ويشرح ماكوفسكي في ورقة بحثية له حسابات
إسرائيل للتصالح مع تركيا، التي أهمها المخاوف الأمنية.
ويقول: "أصبحت إسرائيل تعتقد أنها بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء للتعامل مع الفوضى العارمة في المنطقة؛ لذلك، عندما أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق من هذا العام عن الحاجة إلى نسج علاقات أقرب مع تل أبيب، لاقت تعليقاته اهتماما واسعا في وسائل الإعلام والدوائر السياسية الإسرائيلية".
ويوضح أن "أحد الانعكاسات الأكثر أهمية للاتفاق هي إمكانية منعه جولات أخرى من القتال في
غزة، خاصة من خلال تخفيفه من حدة الظروف الإنسانية المتفاقمة في المنطقة. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن تحسين نوعية الحياة في غزة هو أفضل أمل لتجنب الحروب المستقبلية ضد «حماس»، كما أن الاتفاق مع أنقرة سيسهل مثل هذه الجهود".
ويشير الاتفاق، كما يقول ماكوفسكي، إلى أن الإسرائيليين يتواءمون مع قلة الاهتمام التي تبديها السلطة الفلسطينية لاستئناف السيطرة على غزة كما يبدو؛ لذلك شعرت إسرائيل أنها ملزمة بإبرام اتفاق مع تركيا، وإن كان ذلك سيسمح لـ«حماس» بالمطالبة بالاعتراف بمساهمتها في التحسينات في غزة.
ويضيف أنه "من الأبعاد الفلسطينية الأخرى للاتفاق عدم سماح أنقرة بعد الآن للعناصر العسكرية لحركة «حماس» باستخدام تركيا، كقاعدة عمليات لشن هجمات في الضفة الغربية، وإن كان بإمكان حماس الاحتفاظ بمكتب هناك لأغراض أخرى"، على حد قوله.
وفي الجانب الاقتصادي، يقول الباحث الأمريكي: "ينبغي أن يسهّل اتفاق أنقرة المحادثات الجادة حول تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا. وحيث قد تكون تركيا بمثابة بوابة عبور لإسرائيل إلى أسواق الغاز الأوروبية، فقد ترحب أنقرة أيضا بمورّد زهيد الثمن؛ لتخفيف اعتمادها الخاص على روسيا في مجال الطاقة، لاسيما في ضوء التوترات الحادة مع موسكو، التي برزت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أن أسقطت تركيا طائرة عسكرية روسية.
ويختم بقوله إنه "لا يبدو أن الاتفاق الإسرائيلي التركي يعني "إعادة العلاقات إلى وضعها الأصلي" بين القادة الذين يحتفظون بآراء دولية متباينة جدا حول الإسلام السياسي وغيره من القضايا. لكن من خلال وضع حد لسنوات من التدهور السياسي والاتهامات المضادة الصاخبة بين الحكومتين، يمكن أن يكون الاتفاق الحافز الذي يمكّنهما استغنام الفرص الثنائية والإقليمية عندما تلتقي مصالحهما الاستراتيجية".
وكان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أعلن قبل أيام من أنقرة عن بدء المرحلة الأولى من اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، الذي بموجبه سيتم تبادل السفراء بين البلدين، وإدخال مساعدات إلى قطاع غزة المحاصر.
وينهي الاتفاق ست سنوات من الخلاف بعد الهجوم على سفينة "مافي مرمرة" الذي وقع في 31 أيار/ مايو 2010، وكان أهم الأحداث التي أضعفت العلاقة بين البلدين. حيث هاجمت القوات الإسرائيلية أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية لكسر الحصار المفروض على غزة.
وتعهدت إسرائيل، بحسب الاتفاق، بتعويضات تقدر بعشرين مليون دولار لأقارب ضحايا سفينة مافي مرمرة.
فيما سيتم إيصال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، وستستكمل مؤسسة الإسكان التركية مشاريعها في غزة، وستسرع إنشاء المنطقة الصناعية في منطقة جنين.
إضافة إلى ذلك تفعيل السفارات وتعيين سفراء لدى كلتا الدولتين.