نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالا للكاتبة صوفيا أحمد، تصف فيه تجربتها بصفتها مسلمة في العيش في بريطانيا.
وتقول الكاتبة إنها "نشأت في مدينة مانشستر في ثمانينيات القرن الماضي، حيث تحول شتاء الاستياء إلى عقد من السخط، وأعلنت ثاتشر أن لا شيء هناك اسمه مجتمع، ولم يفهم معنى ذلك أحد أكثر من المهمشين، حيث كان شتم الباكستانيين لعبة التسلية القومية (يستخدم العنصريون كلمة باكي اختصارا لباكستاني، ويطلقونها على المهاجرين من أصول هندية وباكستانية، وأحيانا على العرب)، وكانت ما تسمى (ناشيونال فرونت) حركة رائجة، وكان على مجتمعات المهاجرين تحمل العبء الأكبر في بلد محطم".
وتضيف صوفيا: "تشكلت ذاكرتي الأولى في هذه الأجواء، وإحدى تلك الذكريات تركت ندبا نفسيا دائما، ففي يوم صيف مشمس كنت أنا وإخوتي وأمي وخالاتي نجري نزولا من تلة خضراء بعد حضور احتفال صيفي، وجدنا أنفسنا نركض هاربين من مجموعة من شباب (سكينهيدس)، وهم شباب وشابات عنصريون كانوا يميزون أنفسهم بحلق شعور رؤوسهم تماما، ويلبسون أحذية شبيهة ببساطير الجيش، وهم يركضون خلفنا ويصيحون (باكي ..)، ويرمون علينا علب البيرة الفارغة".
وتتابع الكاتبة قائلة: "كنت في الثالثة من عمري، بحسب أمي، عندما وقع ذلك الحدث، لكني أتذكره تماما، وربما كانت تلك المرة الأولى التي أشعر فيها بخوف شديد".
وتواصل صوفيا مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، بالقول: "استمرت الاعتداءات والتعليقات والشتائم في مراحل حياتي كلها، وتراجعت قليلا في التسعينيات، عندما تحسن وضع البلاد اقتصاديا، ولم يكن هناك شيء يلوم أحد أحدا عليه، فحصلت الأقليات في بريطانيا، التي هي في العادة كبش الفداء، على شيء من الراحة، وعندما اعتدنا على الشعور بالأمن وقعت أحداث 11 ايلول/ سبتمبر، وانقلبت حياتنا ثانية، وكنا قبلها ندعى (باكيز) أصبحنا ندعى مسلمين، وصار المسلمون هم العدو الجديد".
وتشير الكاتبة إلى أن "الخوف الآن هو أن العنصريين اكتسبوا جرأة جديدة، تحت شعار الوطنية والاستقلال، أي أن
العنصرية أصبحت من جديد مقبولة، بل إنها تعد التيار الرئيس، ومن لم يتعرض للعنصرية لن يفهم الفزع الذي ينتابنا أو الخوف الذي تعاني منه مجتمعاتنا عندما ترى عنصريين يرتدون البزات، وتضفي عليهم بعض وسائل الإعلام الشرعية، البلاد تعيش حالة تقشف، والناس يحتاجون ليوجهوا أصابع الاتهام إلى شخص أو مجموعة، والرواية المناسبة التي ظهرت هي أن الذنب هو ذنب المهاجرين مرة أخرى".
وتبين صوفيا أن "هذه أول مرة أذكرها في حياتي يخرج فيها الناس بالملايين ليعلنوا عن خوفهم من الغريب، وذهب الزمن الذي كان فيه التمييز موضوعا محرما مع كونه ظاهرة سائدة، وسيسجل التاريخ أن ما تبع هذا
الاستفتاء كان تحولا عظيما في العلاقات بين الأعراق المختلفة، لقد عبرنا خطا غير مرئي".
وتجد الكاتبة أنه "من الخطأ القول بأن كل من صوت لمغادرة
الاتحاد الأوروبي عنصري، لكن لا يمكن إنكار أن كثيرا من الناس اقتنعوا بالتصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي بسبب الدعاية المعادية للمهاجرين، التي بثتها الحملة الداعية لمغادرة الاتحاد الأوروبي".
وتلفت صوفيا إلى أن "المزعج هو أن بعض المجتمعات، التي عانت نفسها من العنصرية، تبنت طريقة التفكير تلك، ولم أكد أصدق أن الجيل الثاني أو الثالث من مهاجرين تلفظوا بحجج ضد المهاجرين من شرق أوروبا، شبيهة بتلك التي استخدمت ضدهم قبل سنوات قليلة".
وتورد الكاتبة أنه "لم يسبق للأقليات أن أبدت مثل هذه الكراهية ضد بعضها، بل فهمت هذه الأقليات أن الطريق إلى البقاء هو من خلال التعاون معا، لكن هذا التضامن بدأ يتشظى، حيث إن عنصرية أقلية ضد أقلية أمر حقيقي، وكثير منا يرى المفارقة، وكان يجب أن يكون موقف المهاجرين الأفارقة والجنوب آسيويين أفضل من ذلك، حيث إنه كانت لديهم تجربة قوية مع العنصرية".
وتفيد صوفيا بأن "السياسيين صامتون، منهمكون بالتركيز على تداعيات نتائج الاستفتاء في البرلمان، وليسوا متنبهين لمزاج الشارع، ولم يخرج سياسي واحد ليشجب الاعتداءات العنصرية، التي وقعت بعد التصويت على الاستفتاء، وهذا يخيفني ويخيف الكثير منا".
وتستدرك الكاتبة بأنه "مع أننا لا نعلم ماذا يحمل لنا المستقبل، إلا أنه يجب علينا نحن، البيض والسود والآسيويين والشرق أوروبيين، شعب بريطانيا، الوقوف معا لمواجهة هذا التهديد الجديد، لقد فعلنا ذلك من قبل ونجحنا".
وتوضح صوفيا قائلة: "لقد حاربنا أوسوولد موسلي (مؤسس الاتحاد الفاشي البريطاني) في كيبل ستريت، وحاربنا الخطابات العنصرية لأمثال أنوك باول (سياسي بريطاني وعضو برلمان سابق عن حزب ألستر الاتحادي)، وحاربنا (ناشيونال فرونت)، وحاربنا (بريتيش ناشيونال بارتي)، ووقفت إلى جانب المئات الذين حاربوا ضد اتحاد الدفاع الإنجليزي (آي دي أل)"
وتنوه الكاتبة إلى أن "مجموعات المهاجرين قدمت دماءها وعرقها ودموعها لهذه البلاد، وجعلناها تبدو على ما هي عليه اليوم، لقد قدمنا الكثير من التضحيات وسنخسر الكثير إن بقينا صامتين، يجب علينا أن نتصرف الآن".
وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى قول البرلمانية جو كوكس: "لدينا أمور مشتركة تجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا"، وتعلق قائلة: "اليوم يجب علينا إبراز هذه الوحدة: لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي، ونرى البلد تهوي في طريقها إلى الفاشية".