نشرت "بي بي سي" فيلما تسجيليا عام 2013، يكشف القلق الغربي من النمو الإسلامي في
أوروبا، بما جعل البعض يتحدث عن أوروبا مسلمة في العقود المقبلة، وتضمن التقرير معلومات بالغة الأهمية.
وصل معدل المواليد في دول الاتحاد الأوروبي بحسب التقرير إلى 1.38 مولود لكل أسرة، وهي نسبة يرى الخبراء أنه من الصعب جدا أن تبقى معها أوروبا في الوجود، وذلك اعتمادا على إحصاءات ودراسات أثبتت أنه لا يمكن لحضارة أو ثقافة أن تحافظ على وجودها إذا وصلت نسبة المواليد لديها إلى 1.9 مولود لكل أسرة.
وأشار التقرير إلى أن نسبة المواليد في الأسر غير المسلمة بفرنسا تمثل 1.8 طفلا لكل أسرة، بينما تصل النسبة في الأُسر المسلمة إلى 8.1 طفلا لكل أسرة، وأنه من المتوقع أن يمثل المسلمون فيها 20% من السكان بحلول 2027، وأنه في غضون 39 عاما ستصبح فرنسا دولة إسلامية.
وذكر أن المسلمين في
بريطانيا كان عددهم 80 ألفا منذ ثلاثين عاما، وبلغوا اليوم (وقت التقرير) 2.5 مليون مسلم، وأضاف أن عدد المسلمين في أوروبا وصل إلى 52 مليون مسلم، فيما أكدت الحكومة الألمانية على أن هذه النسبة سوف تتضاعف، لتصل إلى 104 مليون مسلم خلال العقدين القادمين.
وتُضاعف الهجرة الإسلامية مخاوف أوروبا من تزايد الكثافة السكانية للمسلمين، حيث تمثل 90% من الهجرة العامة إلى أوروبا، بما يهدد بتغيير وجه القارة العجوز في بضعة عقود.
مما يلفت الانتباه في التقرير، إشارته لتقرير صادر عن الكنائس الكاثوليكية يدعو العالم للانتباه والاتحاد ضد النمو الإسلامي، والاستعداد لمواجهة المشاريع الإسلامية الكبرى.
استدعيتُ مضمون هذا التقرير لما أرى من تعلُّقِه بالحدث الجَلل الذي هز أوروبا، وهو تصويت أغلبية البريطانيين على انفصال بلدهم عن الاتحاد الأوروبي.
قرار التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دليل دامغ على سيطرة اليمين المتطرف الذي أثار المخاوف لدى الشعب البريطاني من المد الإسلامي وتنامي الهجرة الإسلامية إلى أوروبا، والتحذير من انضمام تركيا المسلمة إلى الاتحاد.
وما إن تم التصويت لصالح مفارقة الاتحاد الأوروبي، حتى سارع اليمين المتطرف في دول أوروبية أبرزها فرنسا بالدعوة إلى استفتاء مماثل للخروج من الاتحاد الأوروبي، مُراهِنة على تنامي الشعور القومي.
فيبدو أننا بصدد ثورة لليمين المتطرف في أوروبا، لمنع "الأسلمة" المزعومة لأوروبا، تنذر بسيناريوهات مظلمة فيما يتعلق بأثرها على العالم العربي والإسلامي.
هيمنة اليمين على أوروبا سيؤدي إلى تراجع نفوذ أي شخصيات أو هيئات تساند القضايا العربية، وسيعرِّضُ الجاليات الإسلامية إلى مقصلة القرارات المتطرفة، ويؤثر على حرية التنقل والتحرك داخل أوروبا.
وعلى صعيد آخر، ستكون دول أوروبا أكثر تناغما مع الموقف الأمريكي تجاه دعم إسرائيل، الأمر الذي سينعكس حتما على الصراع العربي الإسرائيلي.
ويقوي من هذا الاحتمال، أن الدول الأوربية في الأصل تميل إلى اليمين، فهي تعتبر نفسها في حالة صراع حضاري مع المسلمين، ولها مشروعها الاستعماري (الشراكة الأوروبية المتوسطية)، والذي يلتقي مع المشروع الأمريكي (الشرق الأوسط الكبير) في توصيف المشكلة مع العالم العربي الإسلامي، ويختلف عنه في المعالجة.
من المتوقع أن تتحول أوروبا عن الصراع المقنع مع العالم الإسلامي والعربي، وتكون أكثر نأيا عن مواقف الاعتدال معه، فأطروحة هانتنغتون (صدام الحضارات) ماثلة أمام الغرب وفي حسه، حيث يعتبر أن الإسلام أحد أبرز الحضارات التي تتحدى الحضارة الغربية.
وفي الوقت نفسه يعتبر هانتنغتون أن ما أسماه "الغزو الديموغرافي" يمثل خطرا قائما على الحضارة الغربية، نظرا لعدم اندماج المهاجرين المسلمين في ثقافات الدول الأوروبية، وحتما هو يعني الاندماج الذي يترجم ذوبان الهوية والانتماء الديني، وإلا فإن المهاجرين المسلمين والعرب إلى دول أوروبا في المجمل يندمجون بصورة واضحة في المجتمعات الغربية الجديدة.
عندما تكوّن الاتحاد الأوروبي كان إيذانا بولادة مشروع غربي حقق نجاحا كبيرا، وفي حال تفتت الاتحاد الأوروبي (وهو احتمال وارد)، سيتمخض كذلك عن مشروع جديد تسود فيه النظرة القومية والشعوبية، لكننا نتساءل بدورنا: أين مشروعنا؟ أين المشروع العربي الإسلامي؟