كتاب عربي 21

عن الأحلام التي لا تموت

1300x600
لا أحد من المصريين ينسى لحظات الفرح والسعادة التي غمرتهم أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعقب تنحي مبارك، تضاعفت أحلام الناس وشعروا بالقدرة على إنجاز كل شيء وتخطي كل صعاب، كل الناس باتت تحلم وتتمنى المشاركة في بناء وطنها الذي استعادوه عقب عقود من القهر، عاد للناس إحساس ملكية الوطن من جديد بعد أن ظلوا كثيرا يتعاملون معه كغرباء عنه يستعبدهم الطغاة ويستنزفون مواردهم، كل مصري في هذه اللحظات كان يحدثك عن حلم يتمناه، كانت الفرحة والأمل هي الشعور الجمعي الذي نشر راياته في مصر وامتلأت به أرضها. 

عادت كثير من العقول المهاجرة  وهي تحمل الأمل بأن تبدأ مسيرة البناء ورفع الأنقاض وتمهيد المناخ لتلحق مصر بركب الإنسانية والتحضر والتقدم، فيض من المبادرات لا يتوقف في كل شارع في مصر، نشاط مشتعل بالهمة والعزيمة والإبداع، زهور تتفتح في كل مجالات الحياة في السياسة والإدارة والفن والثقافة والإعلام، بدا الوطن كأنه ينفض التراب عن كنوزه وجواهره لتلمع في الأفق وتبشر بالفجر الوليد. 

سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس، وبقدر هذه السعادة السابقة بقدر ما تضاعف الألم الذي يوجع النفوس الآن، لا يمكن تجاهل المأساة التي يعيشها المصريون الآن، خاصة شباب مصر الذين أُجهضت أحلامهم وصارت السجون والزنازين تحتويهم أكثر ما يحتويهم الوطن وصاروا في نظر السلطة أعداء للوطن طالما أنهم لا يطبلون لها ولا يدخلون بيت الطاعة الذي صار محل الرضا والإشادة لمن يدخله. 

تابع أحاديث الشباب في منتدياتهم ونقاشاتهم ستجد أن الهجرة هي الموضوع الأكثر أولوية في اهتماماتهم، الغالبية فقدت الأمل في أن يتغير الوضع في مصر وأن تهب رياح الإصلاح حتى لو من داخل السلطة، الشباب يشعرون أن هناك فجوة شاسعة بينهم وبين الأجيال الأكبر، لا أحد يفهمهم ويقدر اختلاف الأفكار واستحالة أن يعيش هؤلاء الشباب بالطريقة التي ارتضاها آباؤهم وأجدادهم، فقدان الأمل حالة شبه عامة وكل يوم يمر تسمع عن صديق أو جار شد الرحال لبلاد أخرى يأسا من حال بلاده. 

عشرات الآلاف خرجوا من مصر خلال الفترة الماضية فيما يشبه النزوح الاختياري، لا يعتبر العالم هؤلاء لاجئين لكنهم في الحقيقة لا يختلفون عن اللاجئين الذين خرجوا من ديارهم بحثا عن حياة أخرى، هؤلاء لا تقصفهم طائرات ولا براميل بارود، لكن هناك ما يقتلهم أكثر من الرصاص وهو الشعور بالعجز وفقد الأمل! 

هؤلاء الحالمون الذين تكسرت أحلامهم ضاقت بهم الأرض بما رحبت، ثروة من الشباب لا يمكن وصف قيمتها تخسرها مصر، كل شاب يخرج من مصر هو استنفاذ من ثروتها الحية وانتقاص من قدرتها على الولوج للمستقبل والخروج من كبوتها.

لا تستطيع إلا أن تعذر هؤلاء وتتفهم ما بهم من أسى بعد الأهوال التي عاشوها خلال السنوات الماضية، لكن الصورة العامة تنذر بالخطر فالشباب بين مهاجر وراغب في الهجرة، وبين يائس محبط قد ينساق لأفكار متطرفة تغذي روح الثأر التي تملأ صدره بسبب مشاعر الإحباط واليأس التي تحاصره من كل مكان، وبين هؤلاء من آثر الانعزال عن الشأن العام والعودة لاهتمامات أخرى ككرة القدم وغيرها!

هذا المقال ليس دعوة لليأس والتعايش مع الإحباط لكنه دعوة لبث الأمل ووقف الرسائل السلبية التي تحاصرنا من كل الاتجاهات، نحتاج لإعادة برمجة نفسياتنا لتستطيع التفاعل مع ما يحدث حولنا وامتصاص آثار الإحباط والتفكير بشكل إيجابي. 

الهزيمة النفسية هي بداية الخطر الحقيقي الذي يتهدد المستقبل، المهزومون نفسيا لا يستطيعون بناء الأوطان ولا انتشالها من هاوية الضياع، أشيعوا الأمل وانثروا بذوره في كل ما تكتبون وتنطقون، حين يستعيد الأمل عافيته يرسم مسارا للمستقبل لا يستطيع أحد محوه ولا إعاقته، حاربوا اليأس بالأمل واجعلوا الماضي أخطاء وتجارب للعبرة والعظة والنضج، اجعلوا الأحلام كائنات أبدية لا تموت، بالأمل نستعيد الحياة ونعود للمستقبل..