بعد ما يقرب من أسبوع على شراء رجل الأعمال
المصري، أحمد أبوهشيمة، لأسهم الملياردير نجيب ساويرس في قناة "أون تي في"، أعلن رجلا الأعمال محمد الأمين وعلاء الكحكي، الثلاثاء، اندماج شبكتي "سي بي سي" و"النهار"، المؤيدتين لنظام عبد الفتاح السيسي، ما يثير تساؤلات عدة حول أهداف هذا الاندماج، وهل تم بـ"أوامر عليا"، أم لخدمة مصالح رجال الأعمال.
ويقترب رأس مال الشركة الجديدة من المليار جنيه، حيث تضم رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة الذي بات يملك قناة "أون تي في" وجزءا من صحيفة "اليوم السابع" وقناة النهار اللتين يملك الكحكي فيهما حصة كبيرة، إلى جانب رجال أعمال إماراتيين وكويتيين يمتلكون حصصا في قنوات "سي بي سي" بالشراكة مع الأمين الذي يملك صحيفة "الوطن" أيضا.
يذكر أن هذا الاندماج يتزامن مع ذكرى صدور قانون تأميم
الصحافة وانتقال ملكية الصحف إلى الحكومة المصرية، والذي أصدره الرئيس جمال عبد الناصر في 24 آيار/ مايو 1960.
اندماج سياسي
ويرى محللون أن هذا الاندماج سياسي بالدرجة الأولى، ويعبر عن رغبة نظام السيسي في تقوية آلته
الإعلامية ودعم وسائل الإعلام المقربة منه، وخاصة في ظل تراجع أداء التلفزيون الحكومي والصحف القومية، وتعثرها الإداري والمالي.
الصحفي المصري المعارض، محمد منير، قال لـ"
عربي21" إن هذا الاندماج يعد نوعا من أنواع الاحتكار في مجال الإعلام، لـ"حساب تحالف الرأسمالية الفاسدة، والدولة الأفسد"، بحسب وصفه.
واستبعد منير أن يكون الأمر مستندا لتوجيهات عليا من النظام، معتبرا أن "مصالح رجال المال والأعمال أقوى من التعليمات".
أوامر وجب تنفيذها
أما الكاتب الصحفي حازم غراب؛ فيرى أن عملية الدمج تلك، لمجموعة من أهم القنوات والصحف المصرية المؤيدة للانقلاب، "جاءت بعد سيناريو عجز إداراتها عن الصرف واقتراب بعضها من الإغلاق"، مضيفا لـ"
عربي21" أن ذلك لم يرض سلطات الانقلاب العاجزة ماليا هي الأخرى؛ عن دعم مؤيديها، والتي لم تجد حلا إلا في هذا الاندماج. وقال إن الخلاصة هي أنها "أوامر وجب تنفيذها".
ويقول الصحفي المصري عمرو توفيق، المقيم في تركيا، إن هذا الاندماج يأتي استكمالا لمساعي السيسي في بناء ما وصفه بـ"الأذرع الإعلامية".
ورأى أن السيسي نجح بشكل كبير في تكوين هذه الشبكة، "سواء بالترغيب أو الترهيب، فضلا عن الدوافع الذاتية لبعض وسائل الإعلام في خدمة نظام السيسي، سواء كانت هذه الدوافع رغبة في المصالح المترتبة على القرب من السلطة، أو رغبة في المساهمة في الحرب على كل من التيار الثوري والتيار الإسلامي"، كما قال.
معادلة مبارك
ويضيف توفيق، في حديثه لـ"
عربي21": "باختصار، السيسي يرغب في العودة إلى معادلة مبارك في الإعلام"، مشيرا إلى برنامج "مؤيد للسلطة مثل "البيت بيتك" يعبر عن السلطة ويهاجم خصومها. وبرنامج معارض للسلطة لكن لا يتجاوز الخطوط الحمراء مثل "العاشرة مساء". وهو ما يمثل تنفيسا للمعارضة وإضفاء الوجه الديمقراطي على النظام"، وفق قوله.
ويرى توفيق أن السيسي لا يرغب في كثرة البرامج السياسية، حتى وإن كانت مؤيدة وممالئة للسلطة. ويقول: "السيسي لا يرغب في كثرة الحديث في الشأن العام، حتى لو كان الحديث مؤيدا لتوجهاته. وهو يرغب أن ينصرف الناس مثل أيام مبارك؛ إلى الهموم اليومية والترفيه والرياضة والبرامج الدينية الوعظية". مضفيا: "بالتعبير المصري مش عاوز دوشة حتى لو كانت دوشة مؤيدة".
ويؤكد عمرو فكرته بقوله: "هذه المعادلة مبنية على فرضية أن كثرة الحديث في الشأن العام حتى لو كان نفاقًا للسلطة تؤدي مع مرور الوقت إلى معارضة مستأنسة ثم معارضة شرسة. وترفع خلال ذلك من الوعي العام. وهو ما لا يريده السيسي ونظامه. مثله مثل أي نظام عسكري شمولي".
نموذج ناصر يؤثر السيسي
من جانبه، يقول قطب العربي، الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة في مصر، إن "هناك تحركات سريعة في الساحة الإعلامية لإعادة ضبط وترسيم الحدود بين الصحافة والسلطة، بحيث تعود لصيغة الخمسينيات والستينيات أيام الرئيس عبد الناصر حيث إعلام الصوت".
ويرى العربي، في حديث لـ"
عربي21"، أن هذه هي الصيغة التي أبدى السيسي إعجابه بها حين عبّر في أحد لقاءاته مع الإعلاميين أن عبد الناصر كان محظوظا بإعلامه.
وقال إن هذا الإعجاب بإعلام الستينيات "بدأ يتحول إلى خطة عملية لفرض المزيد من الهيمنة على وسائل الإعلام الخاص التي ساهمت بقدر كبير في الحشد والتعبئة لمظاهرات 30 حزيران/يونيو، وأيدت انقلاب الثالث من تموز/ يوليو، ودعمت سلطة السيسي طيلة الفترة الماضية، لكنها بدأت الآن تتبنى بعض المواقف النقدية لبعض سياسات وقرارات السيسي، وهو ما لم يحتمله السيسي، فقرر التخلص من هذه الأصوات المزعجة"، وفق تقديره.
الضغط على رجال الأعمال
ويؤكد العربي أنه "إذا كان السيسي قد تخلص مبكرا من المنابر الإعلامية الرافضة للانقلاب، من صحف وقنوات ومواقع، ولا يزال 25 منها مغلقا حتى الآن، فإنه شرع في التخلص من الأصوات الناقدة التي كانت جزءا من نظامه، وبدأت أجهزة السلطة تمارس ضغوطا على رجال الأعمال الذين يمتلكون تلك الصحف والقنوات".
ويدلل العربي على كلامه برصد ما فعلته السلطات مع بعض رجال الأعمال، "من اعتقال مهين لصلاح دياب، مالك (صحيفة) المصري اليوم، وكما حدث من ضغوط على نجيب ساويرس دفعته للتخلص من قناة "أون تي في"، ببيعها لأحمد أبو هشيمة، والذي يبدو أنه مجرد قناع أو غطاء لجهات أخرى تبدو وراءها الأصابع الأمنية بقوة".
وأشار إلى ظهور "اسم رجل المخابرات ياسر سليم الذي أصبح رجل أعمال يمتلك إحدى شركات الإعلانات (بلاك أند وايت)، والتي ستصبح الوكيل الإعلاني للقناة في ثوبها الجديد، وكان هناك حديث عن ترتيبات لبيع قنوات "سي بي سي" لمجموعة "إم بي سي"، وربما يأتي اندمجها مع النهار كتمهيد لصفقة بيع كبرى"، كما قال.
ويرى العربي أن الضغوط السياسية تجمعت على ملاك القنوات، إلى جانب زيادة القمع والملاحقة مع الضغوط الاقتصادية الناتجة عن تراجع نسب المشاهدة والإعلانات، لتدفع ملاك بعض القنوات لبيعها، وفي الوقت نفسه دفعت السلطة بعض واجهاتها المالية لشراء تلك القنوات لإعادة ضبط سياساتها، لتصبح أصواتا خالصة للسلطة لا تسمح تماما لأي أصوات معارضة حقيقية"، وفق قوله.