نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا تحليليا حول
اقتصاد الخليج في ظل انخفاض أسعار
النفط، مشيرة إلى أن
دول الخليج قد تتحمل رخص أسعار النفط لفترة قصيرة، لكن عليها القيام بتغييرات كبيرة لمواجهة المستقبل.
وتقول المجلة إنه بالرغم من مظاهر الترف التي لا تزال سائدة في دول الخليج، فإن الشخص لا يحتاج لأن يبحث عميقا حتى يرى مدى معاناة هذه الدول من انخفاض أسعار النفط، الذي وصل الآن إلى 40 دولارا للبرميل، حيث أبطأ ذلك النمو، وزاد معدل البطالة، ووصل الأثر إلى درجة أن بعض صانعي القرار بدأ يتلفظ باللفظ الذي كان يعد محرما في السابق، ألا وهو "الضرائب".
ويشير التقرير إلى أن النفط يعد أساسيا لاقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي الست، التي أنفقت بسخاء على مدى السنوات الماضية، وعلى خلاف غيرها من مصدري النفط مثل نيجيريا وفنزويلا، فإنها تمتلك احتياطيا عاليا من العملات الأجنبية ومديونية متدنية لتغطي ثغرات قصيرة الأمد، مستدركا بأن "الإنفاق العام كبير، ويعتمد القطاع الخاص على النفط، ويجب على الحكام الآن وفي عصر انخفاض أسعار النفط إعادة هيكلة اقتصادات بلدانهم لتحقيق الاستدامة".
وتلفت المجلة إلى أن صندوق النقد الدولي قدر الخسارة الناتجة عن هبوط أسعار النفط لدول تصدير النفط العربية بمبلغ 340 مليار دولار، مشيرة إلى أن الأمر يبدو أسوأ هذا العام، حيث خفضت وكالة التصنيف "موديز" مكانة البحرين وعمان هذا الشهر، ووضعت بقية دول مجلس التعاون:
السعودية والإمارات وقطر تحت المراقبة، وتقول رزان ناصر من بنك "أتش أس بي سي"، في دبي: "إنها نهاية عهد في الخليج.. وقد بدأنا رؤية الآثار".
ويذكر التقرير أن دخل النفط يشكل حوالي 80% من دخل حكومات مجلس التعاون، ويصل في السعودية إلى 90% من الميزانية قبل الأزمة، أما دبي فإنها تعد استثناء، حيث لا يشكل النفط سوى 5% من دخلها؛ وذلك لأنها نجحت في تنويع مواردها، وتشكل السياحة والخدمات معظم دخل الحكومة.
وتبين المجلة أن الحكومات عالجت الضغط الناتج عن تدني الأسعار باستراتيجيات مختلفة، كالسحب من الاحتياطي، والاستدانة وفرض التخفيضات على النفقات، حيث قامت خلال العام الماضي ببعض التعديلات، مثل الحد من المميزات التي يحصل عليها موظفو الدولة، مشيرة إلى أن هذا العام سيكون أكثر قسوة، أما في عمان فأخبرت المؤسسات الحكومية كلها بإلغاء المميزات الإضافية للموظفين، مثل السيارات، كما أن الشركات القطرية، بما في ذلك قناة "الجزيرة" ومؤسسة قطر، وهي مؤسسة ثقافية، قامت بتسريح موظفين، مبينة أنه بهذه التعديلات البسيطة تستطيع الكويت والإمارات وقطر، وكلها ذات عدد سكان منخفض واحتياطي عملات أجنبية كبير، تدبير نفسها لعقد آخر.
وينوه التقرير إلى أن وضع الدول الثلاث الأخرى أكثر صعوبة، حيث إن احتياطي عمان والبحرين قليل نسبيا، وحققت عمان عجزا أكبر من المتوقع في ميزانيتها عام 2015، شكل ما يقارب 16% من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي يتوقع فيه أن تصل ديون البحرين مع نهاية عام 2017 إلى ما معدله 65% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تحتاج إلى أن يصل سعر النفط إلى 120 دولارا للبرميل لتحقيق استقرار في الموازنة.
وتكشف المجلة عن أن هناك مشكلات أخرى بالنسبة لهذين البلدين، فالبحرين لديها أكثرية شيعية حانقة بسبب حكم السنة، أما عُمان فإنها تعاني من غياب القيادة، حيث عاد السلطان قابوس للعلاج في ألمانيا مما يظن بأنه سرطان.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن السعودية، التي سيزورها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليلتقي بزعماء الخليج الشهر القادم، تثير قلق المراقبين، حيث سحبت خلال 2015 مبلغ 115 مليارا من احتياطيها الذي كان قد وصل في نهاية عام 2014 إلى ما يقارب 740 مليار دولار، مشيرا إلى أن عدد سكانها، الذي يصل إلى 30 مليون شخص، هو الأكبر في دول الخليج.
وتورد المجلة أن بعض المتخصصين يرون أن عدم توقع عودة أسعار النفط للصعود قريبا أمر جيد؛ لأنه ركز التفكير على أشكال الإصلاحات الهيكلية كلها، حيث يقول الخبير الاقتصادي الدكتور ناصر صعيدي: "هذا جيد بالنسبة لدول الخليج؛ ستكون فترة غنية لصناعة السياسات".
ويشير التقرير إلى أن الإمارات قامت العام الماضي بإلغاء دعم الوقود، وقامت البحرين بإلغاء الدعم عن المواد الغذائية، ورفعت السعودية من تكلفة الكهرباء والماء، وبدأت عمان بطباعة قيمة دعم الوقود على فواتير الكهرباء، لتهيئة السكان لدفع المبلغ كاملا.
وتستدرك المجلة بأن المبالغ التي قد توفرها الدول النفطية من رفع الدعم عن المحروقات كانت ستكون أكبر في السنوات التي كان فيها سعر النفط عاليا مما قد توفره الآن، ما يشير إلى أن المصاريف لا تزال مرتفعة، لافتة إلى أن الأمر ليس أن دول الخليج ملتزمة بمشاريع بنى تحتية ضخمة، مثل شبكات المترو والمراكز المالية والمطارات وشبكات القطار فقط، بل إنها تنفق المليارات على الرواتب والمساعدات للمواطنين الذين تزداد أعدادهم، وتحتاج هذه الدول الفتية للإنفاق على التعليم، عدا أنها متورطة في حروب مكلفة في المنطقة.
ويجد التقرير أن ما يجعل الأمور أكثر سوءا هو أن خفض الإنفاق يؤثر في القطاع الخاص الناشئ، الذي تعتمد معظم أنشطته، ما عدا في البحرين والإمارات، على النفط، مثل الشركات الخدمية لقطاع النفط، أو شركات مرتبطة بالنفقة العامة مثل شركات البناء، بالإضافة إلى أن النمو الاقتصادي يتباطأ، وتقول رزان ناصر إن "قلة الإجراءات لمواجهة التقلبات الدورية تزيد من صعوبة الوضع"، حيث أصبح الحصول على القروض البنكية أكثر صعوبة، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومات تشجيع الشركات الصغيرة، لافتا إلى أنه يقدر أن القطاع الخاص اليوم يقدم للناتج المحلي الإجمالي في الخليج أقل من العقود الماضية.
وتقترح المجلة على "دول التعاون الخليجي تفعيل المزيد إن هي أرادت الحفاظ على التوازن في المستقبل، فتنويع الاستثمار الذي تم الحديث عنه كثيرا يجب أن يحدث الآن، مع أن تطبيقه يصبح أكثر صعوبة في الظروف الاقتصادية الصعبة، وقد تبدو الخطط جيدة على الورق، تشجيع السياحة والخدمات اللوجستية مثلا، لكنها ليست أكيدة في الحياة العملية".
وبحسب التقرير، فإن هناك نية لفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة متواضعة حوالي 5% عام 2018 في دول الخليج، مشيرا إلى أن عمان رفعت ضريبة الشركات من 12% إلى 15%، وأن بعض الدول تفكر في فرض الضرائب على دخل المغتربين.
وتستدرك المجلة بأن الأهم هو أن يتوقف القطاع العام عن كونه الموظف الرئيس، حيث إن هذا بذاته سيشكل نقلة نوعية، فقد اعتاد سكان الخليج على كسب الرواتب دون القيام بالكثير، ولا توفر الشركات الخاصة العدد الكافي من الوظائف للمزيد من خريجي الجامعات، وتشكل قوة العمل الوافدة قوة منافسة، ويخشى حكام الخليج من أن تخفيض النفقات العامة قد يؤثر في ولاء الشعوب لهم.
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إنه "ليس هناك خيار، فإن هناك جيلا جديدا من القيادات الشابة، مثل الأمير محمد بن سلمان في السعودية والأمير محمد بن زايد في الإمارات، لديها الاستعداد للقيام بالتغيير، وقد عاشت دول مجلس التعاون الخليجي عددا من السنوات التي قامت خلالها بتعمير البنية التحتية والتوفير، لكنها فعلت القليل للتحضير لما بعد النفط وهو ما عليها أن تفعله الآن".