كتاب عربي 21

المخدوع علاء الأسواني!

1300x600
يوجهون اللوم للرئيس محمد مرسي، لأن عبد الفتاح السيسي خدعه، ثم غدر به بعد أن وثق فيه، وقاد انقلابا عسكريا ضده، وقام باختطافه، وكان الجنرال إلى وقت قريب يتقرب إلى رئيسه زُلفى!
وهذا اللوم مع أن الدكتور مرسي لم يكن ضحيته الوحيدة، فقد خدع من قبل المشير محمد حسين طنطاوي، عندما صور له أنه ابنه، فلما أطاح الرئيس بالمشير، لم ينشغل بالدفاع عنه، وإنما احتشد ليكون هو خليفته!

وخدع السيسي المجلس العسكري، عندما أوحى لأعضائه وهو يخطط للانقلاب العسكري بأنه زاهد في السلطة، وأنه يقترح اسم الفريق سامي عنان ليكون رئيسا في المرحلة الانتقالية، وقد عومل عنان بعد ذلك معاملة قاسية لمجرد أن تجرأ وفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية!

وفي اللحظة التي كان السيسي يخدع المجلس العسكري بعنان، كان يخدع الدكتور محمد البرادعي، الذي كان يظن أنه ولعلاقاته الدولية هو المؤهل ليكون رئيسا في حماية الجيش، فإذا بقائد الجيش يضن عليه بمنصب رئيس الوزراء، ويحرض حزب "النور" على الاعتراض، وكأن الحزب له رأي، ومن عجب أن "النور" اعترض على أن يتولى "علماني" رئاسة الحكومة، ولم يعترض على أن يكون هذا "العلماني" نائبا للرئيس!

وفي هذه اللحظة التي كان يظن فيها البرادعي أنه الرئيس المنتظر، كان السيسي يطلب من شباب تمرد في حضوره، أن يقترحوا اسم الرئيس القادم بعد المرحلة الانتقالية فقالوا: "حمدين صباحي". وربما بعد أن انصرفوا قال السيسي للبرادعي: لا تشغل بالك بما قالوا، إنهم عيال نعاملهم على قدر عقولهم.

وفي الوقت الذي كان المجلس العسكري يعتقد أن القادم هو عنان، ويعتقد البرادعي أنه هو، ويحلم حمدين صباحي باللحظة التي يقف فيها أمام الكاميرات ليقسم اليمين الدستوري، كان هناك شخص آخر، يحزم حقائبه في انتظار دعوته للعودة من دبي للقاهرة، ليصبح هو الرئيس بمقتضى حكم قضائي، يعلنه قاض التحقيق الذي يبحث بلاغه بتزوير الانتخابات الرئاسية، وهو الفريق أحمد شفيق!

ولم يكن كل هؤلاء فقط هم ضحاياه، فبعض شباب الثورة، كانوا يلتقون به ويجلسون في حضرته، بعد تنحي مبارك، وهناك كانوا يجدون "الحنان الأبوي"، ويخرجون من عنده ليروجوا لأكذوبة الجيش الذي حمى الثورة، وأجبر مبارك على التنحي، مع أنهم يعلمون أن كل هذا يندرج تحت بند "أساطير الأولين"، وإن خدع السيسي الجميع فليس له أن يخدعهم، فقد كانوا يعلمون دوره في العمل على إخلاء ميدان التحرير، وكيف تولى تعذيب الثوار الذين تم القبض عليهم في أيام الثورة!

ساحر عبد الفتاح السيسي هذا، ولم أكن اعتقد أن سحره يمكن أن يصل إلى درجة أن يخدع الدكتور علاء الأسواني، فيضحك الثكالى عندما يعلن الآن: "لم نطلب الجيش بعد 30 يونيو للسيطرة على الحكم"!

كنت أستعد للكتابة عن جريمة عبد الفتاح السيسي في حق الأمن القومي المصري، بتوقيعه على اتفاق المبادئ لسد النهضة، الذي مثل اعترافا بالسد، ولم يتم تحديد سعته، أو ضمان حصة مصر التاريخية من مياه النيل، عندما طالعت هذا العنوان الزاعق لصاحب رواية "يعقوبيان"، فرأيت أن له الأولوية في الكتابة، ذلك بأن ما فعله السيسي يطلق عليه في القانون الإداري، القرار المستمر، الذي لا يتم تحصينه في مدة زمنية معينة، ومن هنا فيجوز تأجيل الكتابة عنه، فلن يؤثر مرور الوقت على أهمية الكتابة عن المؤامرة على نهر النيل، وذلك على العكس مما قاله علاء الأسواني!

بحثت عن مصدر كلام الأديب الكبير، فوجدته أحد عناوين حوار أجراه معه "عمرو بدر"، ونشره موقع "بوابة يناير"، وكالعادة بدأ الحديث بموقف الكاتب الكبير من الدكتور محمد مرسي، تماشيا مع سلوك المعارضين هذه الأيام، فقد صار هجومهم على الرئيس المختطف، لتمرير عبارة ضد النظام الحالي، هو من "أصول الصنعة"، ومقتضيات الحال، ومن مستلزمات المرحلة، حتى كاد الأمر يصبح وثيق الشبه بما كان يفعله الشعراء الأقدمين، من غزل في بداية قصائدهم، قبل الدخول في الموضوع، فالشاعر المرتجف من الرسول صلى الله عليه وسلم، "كعب بن زهير" والخائف من انتقامه، والمتقرب إليه بالمديح، لم ينس أن يبدأ قصيدته بمدح "سعاد"، التي بانت فصار في يوم بيانها قلبه "متبول"!

وإن كان قومنا استبدلوا الهجاء بالمديح، ولم يعد هجاء مرسي في أول قصائدهم فقط، فعلاء الأسواني هاجم مرسي في بداية الحوار، ووسطه، وفي نهايته، ولم يذكر اسم السيسي على طرف لسانه، سوى مرة واحدة، وهو يذكر أن حملة الماجستير والدكتوراه المتعطلين، لم يعاقبوا بمقتضى قانون التظاهر، لأنهم كانوا يرفعون "صور السيسي".

ولم يذكر الأسواني اسم السيسي في نقده للأحوال الجارية، فهو يتحدث في العموم، عندما يصبح ذكر اسمه ضروريا، فيتحدث عن خديعته فيقول: "الجيش". وللروائي الكبير مقالا كتبه على طريقة "كليلة ودمنة"، وعلقت عليه: غدا تكتبون بلغة الطير!

الأسواني قال في حواره مع "بوابة يناير"، أنه ممنوع من الكتابة في الصحف ومن الظهور في التلفزيون. وأن إحدى الصحف اتصلت لتحصل على إذن له بالكتابة فُرفض الطلب!

لا نعرف ما هي الجهة التي تعطي الإذن بالكتابة!.. ولم يقل لنا الأديب الكبير ما هي هذه الجهة.. وقد كان يكتب المقالات في عهد مبارك ولم يُمنع، وكان يقول في الرئيس مرسي ما قال مالك في الخمر، ولم تتدخل أي جهة لتمنعه، وعندما يصل الحال بمصر إلى هذا الحد، فلا يستغفر علاء الأسواني لذنبه فما فعلوه في 30 يونيو هو الذي جعل هذا مصيره، لكنه لا يقف أمام هذا وإنما يهاجم محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين.

ليس في كتابات الأسواني، ما يمثل معارضة للسلطة القائمة بشكل يجعلها تتدخل وتمنعه من الكتابة، فقد كان يكتب قبل توقفه في "الشروق"، ولم توجد في مقالاته عبارة خشنة كتلك التي كان يكتبها ضد حكم المخلوع. ولم يشفع له أنه مؤيد للسلطة الحالية في مصر، ووصف رأسها بأنه أعظم قائد عسكري بعد آيزنهاور. وليس في غضب النظام الحالي عليه، حد منعه من الكتابة والظهور التلفزيوني، إلا أن يكون السيسي نفسه لا يعرف من هو آيزنهاور، وربما ظن لتواضع قدرته على التحصيل الدراسي، أنه الجنرال الفرنسي "مينو"، أحد جنرالات الحملة الفرنسية على مصر، وهو الذي أشهر إسلامه ليتزوج فتاة مصرية، والذي درسنا قصته في رواية "غادة رشيد"، فتعاطفنا صغارا مع الفتاة وصار "مينو" بالنسبة لنا هو الشيطان. الرواية التي كتبها علي الجارم كانت مقررة علينا في الصف الثالث الإعدادي، ومؤكد أنها كانت مقررة على جيل السيسي أيضا، وكان ينبغي على الأسواني أن يوضح للسيسي من هو آيزنهاور؟!

ما علينا، فمنع الأسواني من الكتابة هو خبر قديم، وليس فيه ما يثير الدهشة، فماذا ننتظر من حكم عسكري بزعامة من يعد الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك الذي اختاره لرئاسة جهاز حساس كالمخابرات الحربية، ولم يكن من أبناءه الذين تدرجوا في المواقع داخله، وإنما جلبه من سلاح المشاة قبل أن يتنحى بسنة فقط، وفي مرحلة كانت اختياراته كلها "على الفرازة"، من حيث ضمان الولاء التام، وأيضا من حيث الخواء السياسي والفكري؟!

الذي أزعجني حقا هو أن يكون صديقنا القديم من "أهل الغفلة"، فيظن أن "الحداية" يمكن أن تلقي كتاكيت، وأن الجيوش يمكن أن تحمي الديمقراطيات!

الأسواني "معرفة" قديمة، وقد جمعتنا مقاهي وسط القاهرة قبل ستة عشر عاما، كان وقتها في رحلة بحث عن مقهى يقيم فيه ندوته الأسبوعية، التي كانت مجرد فكرة في رأسه، إلى أن استقر بنا الحال في "مقهى ريش"، وثارت مشكلة بسب إعلان صاحبها بأنه يستقبل إسرائيليين، كان اسمه "مجدي"، وقد علمت انه مات مؤخرا، وقد نشرت جريدة "العربي" على لسانه: "نعم لقد طردت علاء الأسواني وسليم عزوز"، وكنت حينئذ أكتب زاوية يومية بجريدة "الأحرار" فكتبت عنه مرتين، وجعلته عبرة، حمل أحدها عنوان: "صاحب القهوة"، وقد ذكرت فيها أنني ضيف على ندوة الأسواني، ضمن آخرين ولا يجوز له أن يسميني عندما يتحدث عن الطرد، وهو عندي ليس إلا "صاحب القهوة"، وإن كانت أزمته تعود إلى أن بعض اليساريين في الحديث أو الكتابة عن ذكرياتهم يجعلون من مجرد مقاهي عادية معالم تاريخية، ومن صاحب مقهى هو رئيس المجلس الأعلى للثقافة.

هذه "المعرفة" القديمة بالأسواني، تجعلني أقول أنه أذكى من أن يكون من أهل الغفلة، فيتصور أن الجيش يمكن أن يخرج لحماية الديمقراطية، ولا يستولى على الحكم، وإن كان قد ضرب مثلا بالجيش الفرنسي في مرحلة تاريخية معينة، فهذا استثناء لا يقاس عليه، تماما كما لا يمكن القياس على شخص سوار الذهب في السودان، فمن أين جاء تصوره للمجلس العسكري المعين بقرار من مبارك، والذي هتف الثوار بسقوط حكمه بعد الثورة، أن يخرج منتصرا للديمقراطية ويزيح مرسي وينصب حمدين صباحي رئيسا، حتى يقول الأسواني لم نطلب الجيش بعد 30 يونيو بتولي الحكم؟!

تكمن الأزمة من وجهة نظري في التصورات المغلوطة، فصديقنا الأسواني يتصور أن 30 يونيو ثورة حماها الجيش، والجيش يتعامل على أن 30 يونيو هو غطاء مفتعل لانقلابه العسكري في 3 يوليو، فالجيش ليس مستدعى لمهمة من الثوار حتى يحددوا له حدود دوره، لكن هو الذي استدعاهم لتأمين دوره هو.. وللدقة دور السيسي.

عزيزي علاء، أسف لأني خرجت على النص بذكر اسم السيسي فما رأيك أن تكلمنا عن مرسى الذي قتل الثوار وشرب من دمائهم؟!