سياسة عربية

خبير مخاطبا السيسي: مشروعك للمليون فدان عبث يهدد مصر

شدد محمود عمارة على ضرورة وجود دراسات الجدوى - أ ف ب
طالب الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي محمود عمارة، رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بوقف مشروعه لاستصلاح المليون فدان فورا، واصفا إياه بأنه "فنكوش" (سراب)، وعبث، وبأنه بلا رؤية إستراتيجية، ولا دراسة جدوى اقتصادية، وأنه سيبدد ثروة البلاد من المياه الجوفية، وسيتسبب في عطش المصريين، وإهدار المال العام، دون مقابل يستحق ذلك.

جاء ذلك في مقال كتبه عمارة بجريدة "المصري اليوم"، الإثنين، تحت عنوان: "لو كنت رئيسا للحكومة".
واستهله قائلا: "لو كنت مكان المهندس شريف إسماعيل (رئيس الوزراء)، لأصدرت قرارا بوقف الإنفاق على مشروع المليون ونصف المليون فدان فورا، حتى لو أغضب الرئيس".

وتساءل عمارة: لماذا؟

وأجاب في نقاط أربع.

أولا: أين في العالم مشروع بهذا الحجم الهائل من التمويل، يبدأ بدون دراسات جدوى اقتصادية وفنية ومالية، وبلا رؤية إستراتيجية؟!.

وتابع: أين في العالم مشروع بهذا الحجم يعتمد أساسا على مياه جوفية، يُمكن أن تكون هي المصدر الرئيس لكوب المياه لملايين المصريين، بعد "سد جفاف النيل" (يقصد سد النهضة الإثيوبي)، وما سيليه من سدود؟!.

ومحذرا قال الكاتب: "أمامنا "بروفة" لإنقطاعات مياه الشرب، وصلت إلى قطع الطريق الدائري لمجرد أن منسوب النيل انخفض 10 سم، و"سد الخراب" (النهضة) لم يكتمل بعد (48%).. فما بالك عندما ينتهون من تركيب "المحابس" على عشرات السدود المخطط إنشاؤها أعلى النيل؟!.

ثانيا: "دراسات الجدوى" ستطرح البدائل.. فمثلا: يمكننا زراعة المليون فدان بالساحل الشمالي، على الأمطار المُستدامة، بتوسعة ترعة الحمام.. فالزراعة بهذه المنطقة لا تحتاج سوى "ريَّـة تكميلية واحدة".. فنحقق الهدف بأقل التكاليف"، وفق قوله.
 
وأكد أن الأهم هو: الاحتفاظ بمخزون المياه الجوفية للسنين "السوداء"، وقت انخفاض منسوب النيل 40 و50 سم، وذلك للحفاظ على أرواح الملايين قبل أن تموت عطشا.. عندما يصل تعداد المصريين إلى 321 مليون نسمة، بعد 70 سنة. (إحصائيات منظمة الفاو للأغذية والزراعة).. ساعتها ننقل هذه المياه في أنابيب من الوادى الجديد، على طريقة القذافى (النهر العظيم).

ثالثا: هناك بديل للتوسع الأفقي.. اسمه: "التوسع الرأسي".. عملوه في موزمبيق وجمهورية الموز.. لا يحتاج سوى إلى: "بحوث زراعية" تضاعف إنتاج الفدان (بدلا من 14 أردب قمح للفدان- تصل إلى 28، 30 أردبا.. والقطن من ستة قناطير إلى 15 قنطارا.. والفول من طن إلى ثلاثة أطنان، وبالتالى يُمكننا بكميات المياه المستخدمة نفسها، ونفس المساحات المزروعة حاليا مضاعفة الإنتاج، ونوفر: "الـ 150 مليار التي سنندفنها في الرمال، ولا نبدد مخزون المياه الجوفية، الذي ستحتاجه الأجيال القادمة للشرب والطهي والغسل والنظافة، وإلا سيخرج ملايين "العطاشى"، وسوف يعلقون المسؤول من رجليه، لتعم الفوضى مع الخراب"، وفق وصفه.

رابعا: مشروع الـ4 ملايين فدان الحالي هو نفسه، الذي كان مخططا له في عهد المخلوع.. وقتها كان مبنيا على أساس: ليس هناك سد سوف تبنيه إثيوبيا، (وإلا سيضرب قبل إكماله)، ولم يجرؤ الإثيوبيون على بنائه إلا بعد حالة الفوضى التي عمت البلاد، في ظل المجلس العسكري، وفى عهد الإخوان.. فكيف نستمر في هذا المشروع، برغم التغير الجذري بإقامة السد، وتركيب المحابس؟.. (هل حضراتكم مُعتمدون على "حسن النوايا" مع إثيوبيا؟!).

وتابع: "الأنكى أن وزير الري "بإسهالاته" في الجرائد، يعترف بأننا أنفقنا 2.3 مليار جنيه لحفر 600 بئر في الصحراء، وأنه سينفق 12 مليار جنيه لاستكمال حفر باقي الآبار للمشروع..12  مليار جنيه لحفر آبار، ودراسات الجدوى لم تنته بعد!.

وأردف: رئيس الحكومة الجديد (بحسن نية) في أول اجتماع له: "يبحث توزيع المليون فدان على الناس"، من غير دراسة جدوى!.

وجريدة حكومية تعرض -على صفحة كاملة- صورة فسائل نخيل في الفرافرة.. والمانشيت: "مصر تخضر".. كأن الموضوع هو "تلوين الصحراء" من الأصفر إلى الأخضر!
 
ثم عاد الخبير للتساؤل: أين دراسات الجدوى لنعرف مُقدّما: ماذا سنزرع؟ وتكلفته كم؟ وسنبيعه لمن، وبكم؟.. وهل وضعنا دورة زراعية ملزمة لزراعة محاصيل إستراتيجية نستوردها؟ "ولا رايحين عشوائي نبعزق فلوسنا، ونجفف المخزون الجوفي، ونغرز الشباب في الطين؟".

ثم خاطب عمار "السيسي" بقوله: سيادة الرئيس: أكيد سيادتك لن تغضب، من حتمية الإنتهاء من دراسات الجدوى قبل ما تقع الفأس في الرأس.. وأكيد سيادتك ستكون أسعد إنسان، لو الدراسة قالت: إن هناك بدائل (أرخص مليون مرة) من الإستمرار في هذا "العبث"، حتى لو كانوا أقنعوك برأي مخالف.

ثم خاطب عمارة رئيس الحكومة قائلا: سيادة رئيس الحكومة: سيادتك لست متخصصا، وأنت الآن المسؤول الأول عن تنفيذ هذا المشروع.. السؤال: نحاسب من؟ ومن سيدفع الفاتورة؟.

وأضاف: هل نسيتم الذي حصل في توشكى؟.

وأجاب: بذات العشوائية، وبلا "رؤية" صرفنا 9 مليارات من 20 سنة.. والنتيجة: زرعنا 30 ألف فدان!
هل حاسبنا أحدا؟ هل عرفنا من المسؤول؟.

واستدرك: بالمناسبة: مشروع "المليون فدان بالسودان".. وتصريح الوزير "إسهال الري" أمس الأول عن إحياء المشروع (من الثمانينيات) لأرض تعتمد فقط على الأمطار (لا يوجد بها مصدر آخر للري- وكلها غابات وسافانا- وتبعد 600 كم عن العمران)، و"رايحين تاني نصرف مليارات الجنيهات في السودان بدون دراسة جدوى أيضا؟"، على حد تعبيره.

"الخلاصة" التي توصل إليها الكاتب هي: هل سنُحاسب السيسي؟ أم سنُحاسب محلب؟ ولا شريف إسماعيل؟ ولا رئيس الحكومة القادم؟

واختتم مقاله ساخرا: "نريد أن نعرف سنحاسب من.. لو طلع كل هذا الكلام "فنكوش".. أم أنكم تعتمدون على نظرية: "من هنا لساعتها.. الملك يموت.. أو الحمار يموت.. أو أنا أموت"؟!.

يذكر أن رئيس الوزراء المصري الجديد شريف إسماعيل، أدى  اليمين أمام السيسي في 19 أيلول/ سبتمبر الجاري، وعقب أدائه اليمين، وفي أول يوم عمل لحكومته، عقد اجتماعا بشأن مشروع استصلاح وتنمية 1.5 مليون فدان، كمرحلة أولى من مشروع استصلاح وتنمية 4 ملايين فدان، بحضور وزراء: التخطيط، والإسكان، والري، والزراعة.

وصرح المتحدث الرسمي لرئاسة الوزراء، السفير حسام القاويش، وقتها، بأن رئيس الوزراء أكد دراسة كل التفاصيل الخاصة بتنفيذ المشروع بشكل متكامل، بما يسهم في تعظيم العائد من تنفيذه، وأنه سيعمل على زيادة المساحة المنزرعة في مصر، وصنع مجتمعات عمرانية وتنموية جديدة.

وشدّد القاويش على أهمية أن تتولى إدارة المشروع شركة تكون مهمتها متابعة تنفيذ كل مراحله، وفقا للتوقيتات الزمنية المحددة، موضحا أنه تم عرض المقترح الخاص بتأسيس شركة لإدارة مشروع استصلاح وتنمية 1.5 مليون فدان، ودور الجهات المختلفة المشاركة فيها.

ووجه إسماعيل بضرورة البدء الفوري في اتخاذ الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركة التي ستتولى إدارة المشروع، وتحديد المساهمين في رأس مالها، وحصصهم، والإنتهاء من دراسات الجدوى الاقتصادية الخاصة به، وأسلوب وشروط طرح الأراضي للشباب، والمستثمرين.