سياسة عربية

ما هي أبعاد دمج المقاومة في الجيش والأجهزة الأمنية؟

تشكلت المقاومة الشعبية من مقاتلين قبليين وعسكريين سرحوا من وحدات عسكرية سابقا - أرشيفية
بات ملف دمج عناصر المقاومة الشعبية ضمن قوات الجيش الوطني المؤيد للشرعية، أكثر حضورا، لدى الحكومة اليمنية التي بدأت تمارس مهامها من محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، بعدما نظمت المقاومة احتجاجات ضخمة للمطالبة بسرعة إدماج عناصرها في جهاز الشرطة والجيش، والذي تزامن مع عودة الحكومة إلى عدن الأسبوع الماضي.

   وأقرت الحكومة المعترف بها دوليا، والتي يرأسها خالد بحاح، قبل يومين، تشكيل لجنة خاصة تتولى إعداد آلية لإدماج عناصر المقاومة في وحدات الجيش والأمن المؤيدة للشرعية، تنفيذا لقرار الرئيس عبدربه منصور هادي، الصادر نهاية تموز/ يوليو الماضي.

وبرزت المقاومة كقوة عسكرية على الأرض، منذ بدأ الحوثيون والقوات الموالية لهم الزحف باتجاه مقر إقامة الرئيس اليمني الجديد في محافظة عدن (ثاني أكبر مدينة بالبلاد)، إثر فراره من منزله بالعاصمة صنعاء حيث خضع للإقامة الجبرية التي فرضت عليه، منذ أن قدم استقالته للبرلمان في 21 من كانون الأول/ يناير، وحتى 21 من شباط/فبراير مطلع العام الجاري.

وتشكلت المقاومة الشعبية من مقاتلين قبليين وعسكريين، سُرحوا من وحدات عسكرية خاضت معارك سابقة ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران.

وعلى الرغم من جاهزية المقاومة المتواضعة، إلا أنها حاولت استغلال ضعف القوى الأمنية والعسكرية في صنعاء، وحمل راية الدفاع عن ما أسمتها "مؤسسات الدولة الشرعية".

ولعبت فصائل المقاومة دوراً محورياً في الحرب الراهنة، أثر في توازن القوى على الأرض، عندما نجحت في استنزاف قوات الحوثي طيلة مدة زمنية تراوحت ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر تقريباً، أعقبها انتزاع السيطرة بدعم من التحالف العربي الذي تقوده السعودية على عدد من المدن أبرزها "عدن ولحج وأبين والضالع وأجزاء من شبوة"، من قبضة قوات الحوثي وصالح في شهري تموز/يوليو، وآب/ أغسطس الماضيين.

أبعاد قرار دمج المقاومة

وتكمن أهمية قرار دمج قوات المقاومة الشعبية في الجيش النظامي اليمني، في كونه خطوة مهمة على طريق تحديث وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، تحمل أبعاداً عدة أهمها، تنظيم تشكيلات المقاومة واحتواء عناصر يُقدّر عددهم بالآلاف، وذلك لمنع تحولها إلى ميليشيات فوضوية؛ يمكن أن تؤثر سلباً على الاستقرار الهش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، أو قد يجري استغلال تلك الفصائل من قبل مجموعات متشددة في ظل مناخ التطرف الذي تشهده البلاد.

وربما تبدو الفرصة متاحة أكثر من أي وقت مضى، أمام مئات الضباط والجنود الجنوبيين المنضوين في صفوف المقاومة الشعبية، والذين سرحهم نظام المخلوع علي عبد الله صالح، عقب انتهاء حرب صيف 1994 بين الشمال والجنوب، للعودة مجددا للسلك العسكري بمختلف قطاعاته، وهذا بعد آخر لهذا القرار.

كما يبرز بعد آخر يتجلى في  قرار هادي الذي يؤسس لمرحلة جديدة من بناء الجيش والأمن، اتساقا مع الشكل الاتحادي الجديد لنظام الحكم في البلاد، والذي جرى تقسيمه إلى ستة أقاليم فيدرالية "اثنين في الجنوب وأربعة في الشمال"، وهذا الأمر يضمن استيعاب عناصر المقاومة وتوزيعها وفقا لذلك التقسيم، الذي ينهي مركزية القرار الأمني والعسكري في صنعاء.

مستقبل ميليشيات صالح

ويثير قرار الرئيس هادي، تساؤلات عدة، حول تداعيات هذا القرار على مستقبل القوات للمخلوع علي عبد الله صالح والمتحالفة مع جماعة الحوثي، الأمر الذي يمثل مصدر خطر حقيقي على تلك الوحدات المتهمة بالانقلاب على السلطة الشرعية في البلاد.

وفي هذا السياق، تحضر العديد من الاحتمالات المرتبطة بمعالجة هذا الإشكال، أبرزها استبعاد تلك القوات من أي بنية للجيش والأمن الذي يخضع حاليا لعملية تحديث منذ تحرير مدينة عدن.

ويستند هذا الاحتمال إلى حديث مسؤول عسكري بارز يشغل منصب نائب رئيس هيئة أركان الجيش اليمني، اللواء سيف الضالعي، وهو من المقربين لهادي، حيث أشار إلى أن "القوات التي أعلنت ولاءها لعلي صالح والحوثي، تعتبر وحدات متمردة ولا مكان لها في الجيش الوطني الذي يجري تجهيزه حالياً، بإشراف من التحالف".

الخبير اليمني في الشؤون العسكرية علي الذهب بدا متفائلا  في حديثه لـ"عربي21" عن هذا السياق، حيث رأى أن "تعامل حكومة عبد ربه منصور هادي مع هذه المعضلة الحساسة جدا، سيكون بتروٍ وحكمة، من خلال النظر إلى الأحداث التي يمر بها البلد، على أنها"جزء من الماضي"، ولذا ينبغي طيه وتجريم من يحاول إثارته مستقبلا.

ووصف الخبير اليمني قرار استيعاب قوات المقاومة بـ"الجيد"، محذرا من أن "يتم إدماج المقاومة وفق تصنيفات غير وطنية"، لأن هذا الأمر سيجعل البلاد أمام "جيش وقوى أمنية مصنفة منطقياً وحزبياً".

خشية من دمج مقاومة الجنوب


وفي شأن متصل، بدأت عملية دمج عناصر المقاومة في عدد من المحافظات تأخذ مسارها، عن طريق الشروع في فتح مراكز التسجيل، بالتوازي مع فتح معسكرات تدريب لمقاتلي المقاومة فيها، تمهيدا لضمهم إلى السلك الأمني والعسكري.

خطة دمج المقاومة في كلٍ من محافظات "عدن ولحج وأبين وشبوة والضالع" التي تحررت من الحوثيين وحلفائهم، تثير مخاوف البعض من تداعيات هذا الأمر، في ظل الحديث عن مساع حثيثة لتهيئة تلك المدن للانفصال عن الشمال.