كتاب عربي 21

أيها الأحرار في كهوف الاستبداد.. "وحشتونا"

1300x600
"وحشتونا" حملة يقوم بها شباب الحقوقيين يذكروننا بالمعتقلين في السجون من جراء ظلم الطغاة والطغيان، إنهم رمز مقاومة الاستبداد رمز لظلم أنظمة باطشة قامعة، لن تسقطوا من الذاكرة في أي ذكرى، حين نتذكركم نتذكر كيف حول المستبدون الوطن إلى سجن كبير، إنهم يعتقلون الأحرار في سجون الفجار والعار، يعتقلون الوطن ويصادرون آماله ومستقبله، صمود المعتقلين يزلزلكم، فأنتم شرف الأمة وخمائر عزتها تحمل كلمة "لا" عنوان المقاومة، سيأتي اليوم الذى يقبع السجان داخل السجن، ويتحرر المعتقلون إلى رحابة وطن يستحقهم ويستحقونه عنوانه مكانة الوطن وكرامة المواطن.

بين المحيط والخليج والمحيط البعيد: أمة، هي الأمة الوسط بل خير أمة أخرجت للناس، أمة تحمل خير دين ودين الخير، وتحوز خير الأرض وأرض الخير، لها تاريخ نظيف رغم بشريته وأخطائه، وحضارة غير مسبوقة فيما عبرت عنه من حكمة وعقلانية وعلمية، وما جسدته من قيم وأخلاق قوامها رحمة وبر وإحسان وعدالة وقسط وإنصاف.. لكن هذه الأمة اليوم تعيش في كهوف من الاستبداد والطغيان تسمى الدول، تغشاها ظلمات الجهل والجاهلية، وتغرقها فيضانات من الكراهية والأحقاد التي تغذيها مؤسسات آمنت بالشر والفساد والإضرار بالإنسان واعتنقت العمالة والخيانة لأعدائها مذهبا حياتيا متبعا.. الأمة العربية والإسلامية اليوم أسيرة في يد أعداء الداخل والخارج، ومحتجزة تاريخيا في قبضة عصابات تسمي نفسها أنظمة الحكم.

بين سجون الاحتلال الصهيوني المزروع في قلب الأمة في الأرض المباركة المقدسة: أرض فلسطين والقدس والأقصى، وسجن غوانتانامو العالمي الذي نصبته الهجمة الأمريكية والغربية على مقاس العالم العربي والإسلامي، وبين أسوار السجون المنثورة والمبثوثة في كل شبر من كهوف الاستبداد التي تسمى زورا بلادنا ودولنا... بين هذه الأدغال والأوحال.. تمضي مسيرتنا وتتحرك ثورتنا، لتقضي علينا هذه الأنظمة المظلمة والظالمة أن تكون السجون والمعتقلات والأسر والحبس ظواهر أساسية وضرورية ومركزية في حياتنا، فلا نتصور حياة عربية ولا إسلامية بغير معتقلات ومواقع اختطاف وتعذيب وتنكيل وقتل بكل السبل لخير أهلينا وخيرة رجال هذه الأمة.

هذه حالة بل حياة نعيشها وتعيشنا نحن الأمة الحبيسة.. الصالحون والأخيار المتميزون علميا وفكريا، والممتازون سياسيا واجتماعيا، والأطهار يدا وذمة، والمتصدرون لقضايا الأمة ومواجهة تحدياتها والدفاع عن مبادئها ومصالحها ومستقبلها وأمنها.. هم من يرسلون إلى هذه الكهوف ويلقى بهم في أتون الوحشية اللامتناهية.. واليوم ترى أبطال الحرية ودعاة الإصلاح وقادة التغيير من كل الأعمار والنساء والرجال ومن كل الطبقات والفئات والمهن والجهات.. هم أسرى هذه الأنظمة المحتلة لحياتنا والمغتصبة لأعمارنا والمدعية أنها الدولة والوطن والشعب والتاريخ والجغرافيا، وما هي إلا عصابات امتهنت الفساد وكرست الاستبداد واعتادت الكذب وألفت التزوير.

فيا أبطال حريتنا ويا رموز تحررنا.. 

ليست هذه أماكنكم، ولا تلك مكانتكم.. بل أنتم تيجان الرؤوس وأنوار الطريق.. إن تصدركم ميادين النضال وتجشمكم عناءها وبلاءها وتقديمكم أنفسكم وحرياتكم واستقرار بيوتكم وسلامة أبنائكم فداء لنا ولأوطاننا لا يجعلنا إلا أسرى أفعالكم ومكملي طريقكم والسعاة من كل باب لفك أسركم وكسر قيدكم... 

يا أبطال الحرية العربية والإسلامية والإنسانية

نحن على العهد معكم ومع أمتنا وأوطاننا، لن نرجع إلا برأس مرفوع، وصوت مدو مسموع، ووطن محرر لا مقموع، إن بيننا وبينكم ميثاقا غليظا وعهدا وثيقا أن نكمل مشوار الثورة ومسيرة الاستقلال.. 

قضية أسرانا ومعتقلينا ومختطفينا ليست قضية سياسة على مقاس أهل المصالح الأنانية والآنية، وليست مسألة من مسائل المساومة والتفاوض السياسي التي يعرفها النفعيون والذين يقدرون ويقيسون كل شيء بميزان المكاسب والخسائر المادية والبراغماتية الصغيرة. إنها قضية السياسة من أجل الإنسان والإنسانية، السياسة المحمولة على قيمة الإنسان وإنسان القيمة.. فأمتنا أمة القيم، وقوتها قيم، وقيمها قوة، ومصالحها مبادئ ومبادئها مصالح، والذين لا يفهمون منطقنا السياسي هم الذين لا يدركون حكمة هذه الأمة في التفكير والشعور، وفي التدبر والتدبير، وفي التسيير والتغيير..

ولهذا نقول لكم: يا أبطال الحرية في عالمنا وبلادنا.. وحشتونا

وحشتنا وجوهكم النيرة السنية، وطلعاتكم وإقبالاتكم الأخوية، ووقفاتكم ومواقفكم في ميادين التحدي، وحضوركم القوي حراككم الفعال في كل فضاء، وثباتكم الراسخ أمام كل تهديد وخطر.. 

لقد استوحشتكم الميادين يا رجالها، وتاقت لكم ساحات القول والفعل يا فرسانها، تفتقدكم المهام العظام والخطوات الجسام يا أهلها، هل تدرون أن الميادين والساحات والفضاءات قد أغلقت وتم قمعها دون الجميع في غيابكم؟ هل تأتيكم أنباء السجن الكبير الذي هو بعرض الأمة وطولها بعدما أحاطت بكم الأسوار الظالمة وغدر بكم الغادرون؟

لكن سنن الله قاضية وماضية ولن يتجاوزها الظالمون مهما تجاوز ظلمهم المدى، وألطافه تلاحقكم وتحيط بكم، هذا ما تعلمناه من النبي السجين الذي جعله الله تعالى مثلا لنا ولكم، وكانت له العاقبة فقال: (قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن)، وقال مستخرجا الفكرة والعبرة من مرارة التجربة وحرارة الخبرة: (إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم).. وقد أجرى القدر والتاريخ على سنن العاقبة وعاقبة الصبر واليقين، أنكم محررون يوما قريبا، وخارجون لتستأنفوا جهادا لا ينقطع، وأن عاقبة الطغيان الانكسار والخسران، وأن تغير الأحوال معادلة محكومة بقوانين الله التي لا تجامل ولا تحابي وشرطها الزمن.. 

إن الوحشة التي تغمرنا تجاه أسرانا ليست فقط حالة نفسية ووجدانية، بل هي أيضا حالة سياسية واجتماعية حين تقفر الديار من عمارها وأحبابها، وتخلو البلاد من أبرارها وأركانها.. إنها الوحشة للبناء والتجديد والحياة.. إنها بحق تصدع.. وحشتونا يا صناع الحياة..

ولهذا أقول لكم: ليست تلك برسالة أسى وشجن، إنما رسالة تجديد عهد وأمل، عما قريبا تعودون للديار وتزدان بكم البلاد وتتجدد الأوطان، وتنبعث طاقة الأمة ومسيرتها.. 

أيها الأحرار في السجون والمعتقلات الذين "وحشتونا".. بإذن الله تعالى لن تطول المحنة حتى تعود منحة ونلتقي قريبا في رحاب الحرية والعدل والكرامة..