كتاب عربي 21

بين الحراك الشعبي الاحتجاجي ومبادرة الرئيس بري الحوارية: لبنان إلى أين؟

1300x600
يشهد لبنان في هذه الايام حيوية سياسية كبيرة في مواجهة الازمة السياسية والاجتماعية التي يعاني منها، فالحراك الشعبي والشبابي الاحتجاجي تطور بشكل سريع من خلال قيام مجموعات شبابية بالسيطرة على مقر وزارة البيئة بهدف الضغط على الوزير محمد المشنوق للاستقالة، ورغم قيام القوى الامنية اللبنانية باخراج الشباب الغاضبين من مقر الوزارة بالقوة ،فان هذه الخطوة شكلت تاكيدا على خطورة الاوضاع والدور الكبير الذي يقوم به الحراك الشعبي الاحتجاجي في مواجهة الازمة القائمة ولا سيما بعد التظاهرة الشعبية الحاشدة يوم السبت الماضي في 29 اب (اغسطس). اما التيار الوطني الحر بقيادة العماد ميشال عون فقد دعا للتظاهر يوم الجمعة في 4 ايلول (سبتمبر) في ساحة الشهداء.

وبموازة هذا التحرك الشعبي الاحتجاجي الناجح ، اطلق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مبادرة حوارية جديدة بدعوة رئيس الحكومة تمام سلام ورؤساء الكتل النيابية للقاء في 9 ايلول (سبتمبر) الجاري في مجلس النواب للبحث عن حلول للازمات القائمة ولا سيما الانتخابات الرئاسية ووضع الحكومة وقانون الانتخابات النيابية وملف التجنيس وكيفية تفعيل العمل الحكومي والنيابي.

وقد اعلنت معظم القوى النيابية والسياسية اللبنانية موافقتها على دعوة الرئيس بري والاستعداد للحوار واللقاء للبحث في كافة الملفات السياسية والاجتماعية، اما على الصعيد الحكومي فقد تم تشكيل لجنة وزارية جديدة لبحث ملف النفايات برئاسة وزير الزراعة (المنتمي للحزب الاشتراكي) اكرم شهيب بعد ان اعتذر وزير البيئة الحالي محمد المشنوق عن ترأس عمل اللجنة، وتأمل بعض الاوساط السياسية ان ينجح شهيب في ايجاد حلول عملية لملف النفايات نظرا لعلاقاته الجيدة مع معظم القوى السياسية ودور الحزب التقدمي الاشتراكي في قضية  اقفال مطمر الناعمة.

فهل ستؤدي هذه التطورات السياسية والتحركات الشعبية الى حلول للازمة اللبنانية؟ والى اين يتجه الوضع اللبناني في المرحلة المقبلة؟

تؤكد العديد من الاوساط السياسية اللبنانية ان الحراك الشعبي والشبابي الاحتجاجي الذي يشهده لبنان في هذه المرحلة قد شكل تطورا مهما في الحياة السياسية والحزبية منذ العام 2005 وحتى اليوم ومنذ بروز قوى 8 و14 اذار، فللمرة الاولى يشهد لبنان حراكا شعبيا وشبابيا من خارج الانقسامات الطائفية والمذهبية وبعيدا عن القوى السياسية والحزبية المتحكمة في الواقع السياسي اللبناني، ورغم الامكانيات المتواضعة للقوى والمجموعات التي تقف وراء هذه التحركات ، فان الاستجابة الشعبية للتحرك ان في بيروت او في بقية المناطق كانت كبيرة وشكلت التظاهرة التي اقيمت يوم السبت الماضي في 29 اب (اغسطس) حدثا سياسيا وشعبيا مهما وكتب الكثير من المعلقين والمحللين السياسيين اللبنانيين مقالات ودراسات حول اهمية هذا التحرك ودلالاته، كما اضطرت معظم القوى السياسية والحزبية اللبنانية للاعتراف باحقية المطالب وقوة التحركات الشعبية مع ان بعضها وضع علامات استفهام حول الاهداف والجهات التي تقف وراء التحرك.

لكن ما يمكن التأكيد عليه ان هذا الحراك الشعبي والشبابي ،وفي ظل الانسداد الكبير في الواقع السياسي اللبناني، دفع الرئيس نبيه بري لاطلاق مبادرته الحوارية الجديدة والتي يمكن ان تفتح الباب امام حلول سياسية للازمة القائمة.

ومع ان بعض المصادر القيادية في قوى 8 اذار لا تتوقع حصول حلول سريعة للازمة اللبنانية وان الحوار قد يستغرق بعض الوقت بانتظار معرفة ما ستؤول اليه الاوضاع في المنطقة ولا سيما في اليمن وسوريا والحوار السعودي – الايراني، فان ما جرى وما يجري في لبنان في هذه الايام وكذلك التطورات الشعبية في العراق  ، كل ذلك يؤكد اننا امام مشهد سياسي جديد وانه لم تعد القوى السياسية والحزبية الطائفية والمذهبية قادرة على تغطية الفساد والازمات المعيشية والاجتماعية وان المجتمعات العربية تبحث عن خيارات جديدة في الحراك السياسي، وان الايام المقبلة ستحمل متغيرات حقيقية في هذا الواقع بعد المرحلة الصعبة التي مر بها لبنان والعراق ودول عربية اخرى.