نشرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، تقريرا حول موقف
الشركات ورجال الأعمال الألمان من تدفق
اللاجئين على بلدهم، نقلت فيه ترحيبهم باللاجئين، نظرا لحاجة الاقتصاد الألماني للكفاءات والأيدي العاملة؛ لتحريك عجلة الإنتاج، وتنشيط الاقتصاد.
ونقلت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، تجربة سعيد هاشمي، وهو شاب أفغاني يبلغ من العمر 18 عاما، يعمل منذ سنة مع إحدى كبرى الشركات في مدينة ميونخ، ضمن برنامج تدريب مهني لتعلم السباكة وتركيب أجهزة التدفئة.
سعيد الذي ترك عائلته وفرّ من مدينة جلال أباد، عبر إيران وتركيا واليونان وإيطاليا، بسبب الحرب، عندما كان عمره 15 عاما، وخاطر كثيرا للوصول إلى ألمانيا، حصل في النهاية على فرصة لتعلم اللغة وتلقي التدريب، وهو سعيد بما حققه ويشعر بالامتنان لمشغليه، فيما يبادلونه هم نفس الشعور. كما تقول الصحيفة.
وأضافت "دير شبيغل" أن صاحب الشركة، أولاف زيمرمان، كان يشكو من صعوبة في العثور على عمال ذوي مهارة وجدية، ولهذا أصبح يوظف الأجانب من كل الجنسيات والأعراق، ونقلت عنه الصحيفة قوله: "كل ألوان البشرة مرحّب بها هنا، المهم بالنسبة لي هو الكفاءة والمردودية، والمشكل الوحيد الذي نواجهه هو البيروقراطية الألمانية التي تعطل إدماج المهاجرين".
وأكدت الصحيفة أن تدفق اللاجئين في الفترة الأخيرة مثّل فرصة لإنعاش الاقتصاد الألماني، "فرغم الأرقام الرسمية التي تشير إلى وجود 2.8 مليون عاطل عن
العمل، إلا أن الشركات تعبر باستمرار عن حاجتها الآنية للعمال. كما أن الاقتصاد الألماني يعتمد منذ عقود على المهاجرين، سواء من أوروبا الشرقية، أم من بقية أنحاء العالم. ومع التباطؤ الكبير في نسبة النمو الطبيعي في ألمانيا، فقد أصبحت البلاد تعاني من نقص اليد العاملة والعمالة المختصة".
وتحدثت الصحيفة عن اللاجئ السوري يعقوب سوساني، الذي فر من دمشق وترك عائلته، "فرغم أنه كان يملك صالون حلاقة ومنزلا وسيارة، فإن صاروخا واحدا كان كافيا لتدمير حياته، وإلحاق إصابة في ظهره"، مشيرة إلى أنه "بعد أشهر من وصوله لمدينة درسدن الألمانية؛ حصل على عمل جيد في صالون حلاقة وتجميل".
وأضافت: "رغم أن يعقوب لا يتحدث الألمانية، ووضعيته القانونية غير واضحة، إلا أن الحظ حالفه في ألمانيا".
وقالت إن مهنة الحلاقة ليست الوحيدة التي تشهد نقصا في اليد العاملة بألمانيا، "فعدد الأشخاص القادرين نظريا على العمل يبلغ 46 مليون شخص، ولكن بدون مهاجرين، ويقول الخبراء إن هذا العدد قد ينخفض إلى أقل من 29 مليونا خلال 30 سنة"، مشيرة إلى أن "هذا النقص في عدد العمال؛ يؤدي إلى نقص في الضرائب المدفوعة التي تغطي نفقات الخدمات العمومية والتقاعد والتغطية الصحية، كما أنه يؤدي إلى نقص الإنتاج والاستهلاك في آن واحد، وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي".
وذكرت الصحيفة أنه بالرغم من التطور التكنولوجي الكبير، وقدرة بعض الآلات على تعويض الإنسان، إلا أن كل الدراسات الاستشرافية في ألمانيا؛ تؤكد أنه لا مفرّ من ضرورة استقبال المهاجرين وإدماجهم في سوق الشغل".
وتابعت: "ألمانيا لا تحتاج فقط إلى الأدمغة، بل تحتاج أيضا لأفراد ذوي مستوى تعليمي متوسط؛ ليتم تدريبهم على أعمال يدوية".
وبحسب "دير شبيغل" فإن التقارير الرسمية تشير إلى أن أكثر من مليون موطن شغل تم ملؤه من قبل المهاجرين خلال الأربع السنوات الأخيرة، في مجالات مثل التمريض والمطاعم والفلاحة، "ولكن رغم ذلك؛ فإن عدد الوظائف الشاغرة في تزايد مستمر، وقد بلغ في تموز/ يوليو الماضي قرابة 600 ألف".
وقالت الصحيفة إنه من أجل سد الشغورات في سوق العمل، تمارس الشركات ضغوطا على الدولة لتعديل القوانين، وتسهيل الاستفادة من
العمالة الوافدة، مشيرة إلى أن شركة "دايملر"، الرائدة في مجال صناعة وسائل النقل الخفيفة والثقيلة، كانت في طليعة الشركات التي نادت علنا بالسماح للاجئين بالشروع في العمل بعد شهر واحد من وصولهم لألمانيا.
ونقلت عن رئيس الاتحاد الألماني لأرباب العمل، إينغو كريمر، قوله "إن القوانين القائمة تمثل إضاعة لوقت المهاجرين، حيث يحكم عليهم بالجلوس والانتظار حتى تتم تسوية أوضاعهم، ولذلك فإنه يجب تغيير هذه القوانين حتى يتم تسريع اندماج طالبي اللجوء والمهاجرين في سوق الشغل".
وتحدثت الصحيفة عن السيدة الألمانية هانغريت ديبي، التي تعمل منذ 16 عاما كمتطوعة مع منظمة العفو الدولية، ويتمثل دورها في استقبال اللاجئين في مكتبها، والتعرف على مهاراتهم ومؤهلاتهم، ومحاولة الربط بينهم وبين الشركات التي قد تحتاج إلى مهاراتهم، "وهي تعمل خلال هذه الفترة على ملفات حوالي 50 لاجئا من
سوريا والعراق ولبنان، ولكنها تواجه صعوبات كبيرة، إذ إن قانون الهجرة في ألمانيا معقد جدا، وحتى الألمان فإنهم يحتاجون لخبير قانوني لفهم تفاصيله وشروطه، الأمر الذي يصعّب الأمور كثيرا على الأجانب".
وفي الختام؛ قالت "دير شبيغل" إن أغلب المهاجرين الذي قابلتهم يشعرون بالرضا عن ما حققوه، ويتمنون الاستقرار في ألمانيا بشكل نهائي؛ "لأن هذا البلد يوفر لهم فرصا كبيرة لتطوير أنفسهم، وتحسين مستوى عيشهم، ولكن المشكل يبقى في العوائق القانونية، حيث إنه حتى المهاجرون الذين درسوا الألمانية، واندمجوا في سوق الشغل؛ يواجهون خطر عدم تجديد إقامتهم، وبالتالي الترحيل من البلاد".