مع ظهور نادر وباسم شعرت بسعادة وفخر، فقد أثبتا أنه من الظل من حيث لا يتوقع صانعو
النجوم، يستطيع سهم بارق من الزرقة فرض موهبته.
أما نادر؛ فرغم كثرة ظهوره، والخيلاء بعض الشيء، وتصنعه الابتسام غير الجميل بسبب تشريح الوجه، وسوقه مفردات ليبرالية كثيرة تناقض تربيته السلفية وخلفيته الدينية، وسكوته عن سفك الدم والقمع والآخرة أدهى وأمر، إلا أنني فرحت به في مبتدإ شهرته لأنه مرة أخرى أدهشني، وبرهن على أن الحكم على الناس صعب، والأحسن تركه حتى تمام تطور الشخص أو اتساع الرؤية من أعلى بنظرة طائر محلق.
بل ومغفور له أيضا استعراضه الذي يضحكني مثلما كان مع أحد مذيعي "أون تي في"، وقال بعدما أشار بعلامة التنصيص "between practice"، يقصد "brackets"، رغم تمدحه بأنه قسم تجارة إنجيليش كما ينطقها!!.
لا بأس، المهم أن السلفية تتطور وتعي أن إطارها أضيق من أن يسع حياة دائمة التغير، وأن قبول الآخر حتمية لا منة أو عطية، وأن بحر السياسة والعلم والاختلاف لا ساحل له.
من هنا يتأسس مثلا تصويب الفهم القائل بأن الإخوان تعاملوا بلطف مع إسرائيل رغم شعاراتهم العدائية، إذ نستطيع بالمنطق عينه القول؛ إنه تطور من حالة الشعارات النظرية البراقة إلى الواقعية التي تحتم نظرة أعمق وفهما أوسع.
كل ما سبق هو من آفات الظهور الطبيعية، وإلا فصلاح دياب كل يوم يُفَقِّعُنا بمقال له أو لصبيانه يقطر مديحا لعبقريته، عادي بفلوسه! "من حق الكبير يدلع" كما نقرأ على مؤخرات شاحنات النقل.
أما باسم فحكايته حكاية، الشعب
المصري المؤدب رآه يفرك خيارة، وينظر لفتاة أمامه في المسرح قائلا: نطر عليكي؟! فتضحك بهيستريا، ويضحك الجمهور، وتضحك مصر مثلما يحدث مع الرقيعين سمير غانم وعادل إمام...ثم ألطم أنا!.
عموما، ليس غريبا على المصريين، فقد رأيت مفيد فوزي يصطاد فريسة من الشارع مع أمها، ويبدو من هيئتهما أنهما من الفقراء (كالعادة)، فيسأل البنت بكل حقارة: إنتي إطاهرتي؟! ثم يزرق لونها فيكرر السؤال!.
والأخ طارق علام كان يصطاد فريسة حولاء، فيسألها فتعجز فيقرب الكاميرا من عينيها ونسمع أغنية علي الحجار: داري العيون داريها لا السحر ساكن فيها، ولم ينتفض المصريون أو يشعروا بالعار.
المهم لما قرأت لباسم في الشروق مقدما نفسه فيلسوفا وفقيها وكاتبا لم أستكثر عليه ذلك، ولكن فقط توسلت إلى المنطق، أن يفهمني كيف يغنم الواحد كل هذا ببساطة ودون تعب!.
ولكوني من محبي الفلسفة المتابعين بطبيعة الحال لماركس "
الفيلسوف العظيم"، فرغت نفسي للبحث عن رأس المال من نسخته الأصلية (Das Kapital, Kritik der politischen Ökonomie)، وحصلت عليه في أربعة مجلدات ضخمة، وقرأت وقرأت ولم أفهم ولم أفهم، ولم أجد عيبا في ذلك فاكتفيت بمتابعة د. هشام غصيب.
الشيء نفسه ينطبق على "أصل الأنواع" الذي لم أفهمه لكني تمتعت بمقدمته التي كتبها د. سمير حنا صادق الذي بكاني لما قال إنه عندما يغيب في الحمام تنادي عليه زوجته مرارا خشية أن يموت دون أن يشعر به أحد لشيخوخته!.
وعليه، فلا عيب أن يكون المرء قاصر سعي البلاغة وقصير باع الكتابة كما يقول الثعالبي نفسه عن نفسه، وكما تأسى به ابن الأثير، ولذا، وإذ تبين أن باسم سارق خسيس لما كتبه المرحوم جمال البنا وغيره، إذ به بعد هذه البليچيريزم الحقيرة يسخر من نفسه استباقا لسخرية الناس منه! لا، صايع!!!
والآن ترسل هارارد إليهما ليكون باسم زميلا ونادر دارسا، لا بأس، أنا سعيد لأجلهما والله، لكن يا هارارد عرفينا بالله عليك ما معاييرك؟.
هل هي كمعايير فولبرايت لما ذهبت إليها وحققت أعلى الدرجات، وقالت لي السكرتيرة: والله لو كان الأمر بيدي ما اخترت سواك، ثم بلغتني الرسالة من مستشار المفتي الدكتور إبراهيم نجم بأن كتاباتي وفكري (إن كان لي فكر) نقطة سلبية لا تحبها فولبرايت، وأن البنات لمجرد أنهن بنات حتى لو كن جاهلات، ومن يكتب في موضوعات مثل الجندر والنسوية هم الأولى بالمنحة؟.