قال ثلاثة باحثين أمريكيين في جامعة جورج تاون إن التجربة السياسية في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي تدل على أن الإسلاميين ليسو أعداء للديمقراطية، خلافا للمزاعم التي تثار حول هذا العداء.
واستدعى الباحثون تامارا سون، وجون إسبوزيتو وجون فول التجربة التركية للاستدلال بها على رأيهم، قائلين إن "وفاة الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل في الشهر الذي جرت فيه
الانتخابات البرلمانية التركية يسلط الضوء على حقيقة مهمة، ألا وهي أن تغيرات كبيرة قد حدثت في السياسة التركية خلال السنوات الأخيرة. بدأت الوظيفة السياسية لديميريل على أثر الانقلاب العسكري الذي أسقط الحكومة التركية في عام 1960 وتمخض عن إعدام رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً عدنان مندريس بتهمة تقويض الدستور. في عام 2015، أسفرت المعارضة الواسعة لخطط الرئيس رجب طيب أردوغان إجراء تعديلات كثيرة وكبيرة في الدستور عن خسارة حزبه لعدد ملحوظ من المقاعد داخل البرلمان، ولكن لم تتمخض عن إعدامه".
ويضيف التقرير الذي نشره الباحثون في موقع هافنجتون بوست إن "كثيرا من الناس، في داخل تركيا وفي خارجها، يعتبرون نتيجة الانتخابات التي جرت في حزيران/ يونيو 2015 بمثابة تأكيد على متانة الديمقراطية في تركيا. لقد خسر الحزب السياسي للرئيس أردوغان العديد من المقاعد البرلمانية، ولكنه يبقى مع ذلك الحزب الأكبر داخل المجلس. ولقد فسرت نتيجة الاقتراع على أنها رفض صريح لخطة أردوغان تعديل الدستور بحيث يمنح المزيد من الصلاحيات للرئيس، وهي الصلاحيات التي رأى فيها كثيرون خطوة باتجاه إنشاء نظام سياسي أكثر استبداداً. ما إن أعلن عن النتائج حتى سارع أردوغان وكذلك رئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو إلى تأكيد قبولهما لنتائج الانتخابات، والتأكيد على أنهما سيعملان على تشكيل حكومة جديدة. وقد صرح أحمد داود أوغلو بأن "قرار شعبنا نهائي، إنه يعلو ولا يعلى عليه، وسوف نتصرف انسجاماً معه"".
وأشار التقرير إلى أن نتيجة الانتخابات التركية "تناقض رأياً طالما ساد حول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية، وقصة ذلك تعود إلى تسعينيات القرن العشرين حينما بدأت الحركات الإسلامية تشارك بفعالية في الحياة السياسية العامة (كلما أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك)، وكان المسلمون الأكثر علمانية وكثير من المحللين في الغرب يرتابون في نوايا الإسلاميين بل ويشككون فيها. اتهم الناس الإسلاميين حينها، وما زال بعضهم يفعل ذلك إلى يومنا هذا، بأنهم إنما يؤيدون الديمقراطية إلى أن يفوزوا بالانتخابات ويحوزوا السيطرة على الحكومة، فإذا ما تيسر ذلك لهم استأثروا بالحكم أو ألغوا الانتخابات. وقد شاع بين هؤلاء المشككين زعم بأن البرنامج الديمقراطي للجماعات التي تعرف نفسها على أنها إسلامية يتلخص في عبارة "رجل واحد، صوت واحد، لمرة واحدة"".
ويتابع التقرير "كثيرون يصنفون حزب العدالة والتنمية على أنه حزب إسلامي، ويزعم ناقدوه أن برنامج الحزب على المدى البعيد هو استخدام الديمقراطية لتقويض الدولة العلمانية في تركيا وصولاً في نهاية المطاف إلى إقامة دولة تفرض على الناس نمطاً تقليدياً من الشريعة. إلا أن زعماء الحزب يرفضون هذه التهمة، ويقولون إن حزب العدالة والتنمية ما هو إلا تشكيل سياسي ديمقراطي محافظ اجتماعياً. ويشيرون في هذا الصدد إلى أن حزب العدالة والتنمية كان قد جاء إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية وأنه بهذه الطريقة ظل يحكم في تركيا منذ أن فاز بأغلبية برلمانية في انتخابات عام 2002. ورغم ذلك، وبعد ما يزيد على عقد من وجود حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة، فقد أظهرت الانتخابات أن "الإسلاميين" لم ينتزعوا من المعارضة السياسية القدرة على تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات. وثبت أن الأمر في الحقيقة هو "رجل واحد، صوت واحد، لأكثر من مرة"".
وأضاف التقرير "وقد عزز تفنيد المقولة القديمة "رجل واحد، صوت واحد، لمرة واحدة" الانتخابات التي جرت مؤخراً في تونس. فبعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري العلماني لابن علي، فاز حزب النهضة "الإسلامي" في تونس في الجولة الأولى من الانتخابات وشكل حكومة جديدة. إلا أن الحكومة التي كان يقودها حزب النهضة واجهت مشاكل اقتصادية وسياسية هائلة وتنامى في وجهها السخط الشعبي. لم يلجأ الحزب إلى استخدام وسائل غير قانونية للبقاء في السلطة، وإنما لجأ بدلاً من ذلك إلى إجراء انتخابات برلمانية في عام 2014 جاءت إلى السلطة بحكومة جديدة يقودها علماني من أصحاب الخط القديم هو باجي قايد السبسي. ورغم أن النهضة خسرت الانتخابات، فإن الحزب نظم احتفالاً قاده زعيمه المخضرم راشد الغنوشي الذي أعلن أمام الملأ ما يأتي: "ما الذي نحتفل به اليوم؟ إننا نحتفل بالحرية. إننا نحتفل بتونس. إننا نحتفل بالديمقراطية". لم يزل الغنوشي مدافعاً عن الديمقراطية ومتحمساً لها منذ كان شاباً يافعاً منخرطاً في النشاط الطلابي، ولم يغير أو يبدل طوال حياته السياسية، وحتى حينما كان في المنفى، وإلى أن عاد زعيماً سياسياً في تونس ما بعد الربيع العربي".
وتابع التقرير "ستجد بين النشطاء الإسلاميين من يدافع عن الديمقراطية بقوة وحماسة شديدة ومن يدعم الحكم الاستبدادي. ولكن مثل هذا الطيف من التنوع لا يختلف عما هو موجود بين المنتسبين إلى العلمانية والمدافعين عنها. ولا يغيبن عن بال أحد أن بعض أشد النظم الديكتاتورية الاستبدادية توحشاً في العالم الإسلامي وفي غيره من الأماكن كانت ولا تزال تتبنى الأيديولوجية العلمانية. لقد كان أبرز الطغاة الذين أطاح بهم الربيع العربي – بن علي في تونس ومبارك في مصر – يقودون أنظمة علمانية في الأساس، وكذلك كان حال صدام حسين في العراق. وفي عالم السياسة الحالي في الشرق الأوسط يوجد في مصر اليوم نظام يسفر عن عدائه الشديد للإسلاميين، لم يأت إلى السلطة إلا عبر انقلاب عسكري جرى في عام 2013 ومع ذلك رأيناه يضمن لنفسه الفوز في الانتخابات، كما جرى في الانتخابات الرئاسية التي نظمت في عام 2014 وتمخضت عن فوز عبد الفتاح السيسي بنسبة 97 بالمائة من الأصوات. بالمقابل، نجد في النظام الإسلامي في إيران، والذي يشاع عنه أنه نظام مستبد، أن الفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حسن روحاني، حصل على 51 بالمائة من الأصوات في انتخابات شهدت تنافساً حقيقياً بين المرشحين. من الممكن أن نرى في هذا الحدث تعزيزاً للحركة الديمقراطية الإسلامية التقدمية التي مضى على وجودها في إيران أكثر من قرن من الزمان".
ويضيف الباحثون المختصون بالشرق الأوسط "ما من شك في أن العلاقات بين الإسلام والديمقراطية ما بعد الربيع العربي بالغة التعقيد، وتخضع للتغير بأشكال مهمة. ففي نهاية القرن العشرين كان التركيز ينصب على سؤال حول ما إذا كان الإسلام والديمقراطية منسجمان. كان ذلك جدلاً قديماً اتخذ أشكالاً كثيرة ومتنوعة. ولكن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بدأت مفردات الجدل تشوبها مفارقات تاريخية وكأنه يجري في زمن غير زماننا، حيث يصر بعض الناس، سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه، على الاستمرار في تكرار نفس الشعارات القديمة البالية".
ويتابع التقرير: "بالنسبة للأغلبية العظمى من المسلمين حول العالم، بات الأمر محسوماً. فهؤلاء لا يرون أي تناقض حقيقي بين الإسلام والديمقراطية، وإنما تدور الحوارات الرئيسة فيما بينهم حول الأشكال التي يمكن أن تتخذها الديمقراطية المسلمة، ويتزايد بشكل مضطرد الإقرار بحقيقة أن الدولة المسلمة الديمقراطية يمكن فعلاً أن تتخذ واحدة من عدد كبير من الصيغ والأشكال. إن المعارك الحقيقية والصدامات المدنية لا تجري بين المدافعين عن الدولة "الدينية" والمدافعين عن الدولة "العلمانية". بل إن الصراع الأساسي هو ذلك الذي تدور رحاه بين الرؤى الديمقراطية التقدمية، سواء كانت علمانية أم دينية، وبين الاستبداد، سواء كان علمانياً أم دينياً. فالعلمانية الديكتاتورية في مصر تقمع كل معارضة، سواء كانت إسلامية أم علمانية، بينما يعمل المتشددون الإسلاميون الذين يقودون ما يسمى بالدولة الإسلامية على إقامة نظام استبدادي شديد التوحش. في الوقت نفسه ،تتعاون الحركات الإسلامية الكبرى والجماعات السياسية العلمانية فيما بينها ضمن أنظمة حكم ديمقراطية ناجحة في كثير من أرجاء العالم الإسلامي من السنغال إلى إندونيسيا".
ويختتم التقرير بالقول "ينبغي أن ينظر إلى الانتخابات الأخيرة التي جرت في كل من تركيا وتونس على أنها إثبات عملي واضح على أن الإسلام والديمقراطية ليسا متعارضين ولا متناقضين".
جون إسبوزيتو
أستاذ الدين والشؤون الدولية - جامعة جورج تاون
تامارا سون جون إسبوزيتو جون فول
أستاذ في تاريخ الإسلام، كرسي حمد بن خليفة آل ثاني - جامعة جورج تاون
جون فول
أستاذ فخري في التاريخ - جامعة جورج تاون
المقال مترجم خصيصا لـ"عربي21" عن موقع هافينجتون بوست