نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لإريكا سولومون، حول الانقسام الحاصل في العشائر السنية في
العراق، بما يتعلق بالتوسع الذي حققه
تنظيم الدولة في العراق.
وتقول الكاتبة إن الشيخ وسام حردان يلوم الحكومة العراقية لخسارتها مساحات واسعة لصالح التنظيم، ولكنه يوجه أيضا لومه اللاذع للعشائر السنية، ويقول: "لقد حفر السنة قبورهم بأيديهم، لقد خسرنا بيوتنا، وقد لا نستطيع العودة إليها، ليس هناك مجتمع سني بعد الآن".
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إلى أن هناك انقساما مريرا بين عشائر السنة العراقيين، حول كيفية استرداد غرب الأنبار وعاصمة المحافظة الرمادي، التي سقطت قبل أسبوعين في يد تنظيم الدولة. وكان يراهن على تلك العشائر سابقا بأنها قادرة على مواجهة تنظيم الدولة، وقد أصبحت ممزقة ومختلفة فيما بينها وداخلها.
وتبين الصحيفة أن التصدعات ظهرت العام الماضي عندما انضم بعض رجال العشائر للجهاديين، بينما قاتل آخرون ضدهم. والآن انقسم أولئك الذين يريدون محاربة تنظيم الدولة بين من يريد أن يواجهه السنة وحدهم، وبين من يريد أن يستعين بقوات
الحشد الشعبي الشيعية.
وتذكر سولومون أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حرك المليشيات الشيعية للرمادي، بعد أن انهارت القوات العراقية التي كانت تحمي المدينة، ولكن السنة يرونها قوة طائفية. ويبين الشيخ حردان إنه لا خيار أمامهم، حيث قال في مقابلة تلفونية: "علينا أن ندافع عن أنفسنا، ولذلك لا مشكلة لدي مع قوات الحشد أو أي شخص يساعدنا في استعادة أرضنا".
ويكشف التقرير عن أن البعض يتهم الشيخ حردان، الذي شارك في إنشاء "
الصحوات" المدعومة أمريكيا ضد تنظيم القاعدة عام 2006، بالدعاية لموقف الحكومة في بغداد. وتعكس الانتقادات الموجهة له مدى مرارة الانقسام في صفوف العشائر، فيصفه أحد منافسيه، طالبا عدم ذكر اسمه، بأنه: "قنبلة صوت تستأجره الحكومة متى شاءت".
وتنقل الصحيفة عن الشيخ زياد السليمان، وهو من شيوخ عشائر البو عساف، قوله: "قوات الحشد وتنظيم الدولة وجهان لعملة واحدة، فكلاهما ينهب ويحرق بيوت السنة، ويقتل شبابنا وقياداتنا. وحتى لو أعطتنا حكومة الولايات المتحدة المزيد من الأسلحة والأموال لن أعمل مع قوات الحشد، فهذه المليشيات هي مدخل إيران للسيطرة على بلادنا".
وتلفت الكاتبة إلى أن تنظيم الدولة سيطر على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، في هجمة شاملة الصيف الماضي، حيث هربت قوات الحكومة أمامه، ومنذ ذلك الحين يتحدث بعض المسؤولين السنيين والأمريكيين عن ضرورة تقليد "الصحوات"، التي تم إنشاؤها سابقا في مواجهة تنظيم القاعدة في العراق.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن السنة يشكلون ما نسبته 20 إلى 30% من سكان العراق، وهذا بعني أن العشائر صغيرة نوعا ما، ولكنهم يعرفون الناس ويعرفون المكان، ودعمهم سيساعد على نزع التأييد لتنظيم الدولة بين السنة، الذين يشعرون بالتهميش من حكومة بغداد، التي يقودها الشيعة.
وتنقل "فايننشال تايمز" عن المحلل المتخصص بالعراق في مؤسسة "أتلانتيك كاونسل" الفكرية رمزي مرديني، قوله: "لو كان السنة متحدين ضد تنظيم الدولة فستكون الصورة مغايرة تماما، أما في حال كونهم ليسوا جميعا معك فليس لديك خيار كبير في فعل شيء مجد ضد تنظيم الدولة".
وتورد سولومون أن شيوخ العشائر يشكون عدم دعم الحكومة العراقية لهم. ويقول الشيخ حردان، الذي فقد كثيرا من رجال عشيرته العيثاويين؛ بسبب علاقته بحكومة بغداد، إن بقايا "الصحوات" لا يزالون يقاتلون في الأنبار، ولكن لم يصلهم لا سلاح ولا مال على مدى الـ15 شهرا الماضية، ويضيف متذمرا بأن "الحكومة دمرت الصحوات".
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من ذلك، فقد قوضت الخلافات الداخلية حول الشرعية والقيادة أيضا هذه الدعوات للدعم. ويذكر أحد السياسيين السنة في الأنبار كيف اتصل أحد شيوخ العشائر بقوات الأمن متهما شيخا آخر من العشيرة ذاتها بالتعامل مع تنظيم الدولة، وقد علق السياسي قائلا إن التهمة لم تكن صحيحة، ولكن كان هدفها الكيد لمنافسه.
ويقول السياسي، الذي طلب عدم ذكر اسمه: "هذا الشيء يحصل طيلة الوقت، فكيف للجيش أن يثق بهم إن كانوا هم يتصلون ويتبادلون الاتهامات بالعمالة لتنظيم الدولة؟".
وترجح الصحيفة عودة بعض الخلافات إلى وقت "الصحوات"، فقبل عام 2006 هرب كثير من شيوخ العشائر إلى الدول المجاورة؛ بسبب تهديد تنظيم القاعدة لهم، ولذلك مولت الولايات المتحدة أشخاصا محليين لمشيخة العشائر، ما خلق تنافسا. وتكرر هذا العام الماضي، حيث هرب الشيوخ الأثرياء من وجه تنظيم الدولة، فأخذ أشخاص محليون مكانهم، ولذلك يتبادل الشيوخ الاتهامات بعدم الشرعية.
وتنقل الكاتبة عن الشيخ زيهاد، الذي يعيش في عمّان، فوله: "نفوذنا أصبح تقريبا صفرا؛ بسبب أولئك الشيوخ الذين هم ليسوا شيوخا في الحقيقة، إنهم منتفعون من الحرب، ويقبضون الأموال من الحكومة ليقولوا إنهم يؤيدونها، بينما هم يجلسون في عمّان أو أربيل أو تركيا أو الخليج". ويقول عراقيون آخرون إن تسليح السنة هو محاولة لتجنب حل المشكلة، وهي عدم تمكن الحكومة أو عدم رغبتها في إصلاح القوات الأمنية.
ويشير التقرير إلى أن مؤلف كتاب "النضال من أجل مستقبل العراق"، وهو كتاب يتحدث عن إعادة بناء العراق، زيد العلي، يقول إن فكرة تسليح العشائر ترعبه؛ لأنه يعتقد أن السلاح سينتهي في السوق السوداء، وسيشتريه تنظيم الدولة، كما حصل سابقا في سلاح "الصحوات".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول العلي إن "الفكرة كلها مضحكة، فماذا نأمل أن نفعل؟ نعطي دبابات وأسلحة ثقيلة لرجال العشائر؟ ما نحتاج إليه هو جيش حقيقي وعلينا ألا نتوقع من المجتمعات المحلية أن تكون مسؤولة عن حماية ذاتها".