عزا عديد من السياسيين والنشطاء والحقوقيين، بقاء جهاز
الشرطة في
مصر دون إصلاح؛ إلى "جمود الرؤى" لدى القوى السياسية والثورية، منذ "انهيار" قوات
الأمن في أعقاب ثورة 25 يناير.
ويصف محللون ومراقبون جهاز الشرطة في مصر بأنه "
الصندوق الأسود" للأنظمة الحاكمة منذ عقود طويلة، مشيرين إلى أن "ممارساته الوحشية بحق المواطنين والمعارضة في عهد الرئيس المخلوع
حسني مبارك؛ أفضت إلى إشعال
ثورة يناير، إلا أنه تمكن من التغلب عليها، ليصبح أكثر بطشا في عهد الرئيس الانقلابي
عبدالفتاح السيسي".
ويرى رئيس حزب غد الثورة، المرشح الرئاسي السابق أيمن نور، أن "الشرطة عادت إلى الشارع بمشاكلها وأزماتها مع المجتمع دون إصلاح، بل إن رغبتها في الانتقام ازدادت".
دور الانقلاب
وقال لـ"
عربي21" إن الانقلاب العسكري منح الشرطة مزيدا من السطوة والحصانة، قابله توسع في
القمع والعنف، مشيرا إلى أن ذلك "يؤدي حتما إلى صدام مع المجتمع".
وأوضح أنه "منذ ثورة يناير؛ لم تبذل جهود حقيقية لإصلاح جهاز الشرطة، الذي أصيب بلحظة دهشة؛ نتيجة انهياره وانفصاله عن القيادات السياسية والأمنية". وأضاف: "كانت الفرصة سانحة لوضع قواعد ومفاهيم جديدة لإعادة تنظيم عمل وزارة الداخلية وإصلاحها، ولكن غابت الرؤية لدى المجلس العسكري آنذاك، ومن أتى بعده، عن وضع تلك القواعد والمفاهيم".
وعقب انتخاب مجلس الشعب بعد نحو عام من "ملهاة اختفاء أجهزة الشرطة"، يؤكد نور أن "اهتمام الحكومة انصب على إعادتها مجددا إلى الشارع لممارسة دورها، وكان ذلك من خلال منح أفرادها امتيازات، جاءت على حساب وضع تصور جديد للمنظومة الشرطية".
جهود سطحية
من جهته؛ قال المتحدث باسم التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، محمد أبو هريرة، إن جهاز الشرطة "يتبنى بقوة؛ النظرة الدونية للمجتمع، مثله مثل باقي مؤسسات الدولة الأمنية، والعسكرية والقضائية".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "الإرادة السياسية لتقويم وتصحيح جهاز الشرطة؛ لم تكن جادة في جهودها منذ ثورة يناير وحتى الانقلاب العسكري"، واصفا تلك الجهود بأنها "اتسمت بالسطحية".
وحمل الثوار والأحزاب السياسية "جزءا كبيرا من المسؤولية في تفويت فرصة إصلاح وزارة الداخلية"، مشيرا إلى أن تلك الأحزاب "لم تملك رؤية واضحة، واستراتيجية متكاملة؛ لإعادة تأهيل المنظومة الأمنية".
وحذر أبو هريرة من استمرار "استئساد النظام بقوات الأمن على الشعب"، مؤكدا أن ذلك "سيدفع المواطنين إلى ثورة عنيفة ودموية".
علاقة الجيش بالشرطة
وذهب مدير مركز هشام مبارك للقانون، مصطفى أبو الحسن، إلى أن أحد أهم أسباب عرقلة إصلاح جهاز الشرطة "تورط العديد من القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية في جرائم قتل وتعذيب وفساد بحق المواطنين في أعقاب ثورة يناير".
وقال لـ"
عربي21" إن "الشرطة تتعامل مع الشعب من منطلق الاستعلاء وعصا التأديب"، مشيرا إلى أن "انسحابها من الشوارع في أعقاب يناير؛ كان انتقاما وعقابا"، على حد تعبيره.
وأضاف أن "المجلس العسكري كان متورطا في جرائم قتل تعذيب، ولذلك فإنه لم يقترب من جهاز الشرطة لإصلاحه. أما في عهد الرئيس مرسي؛ فالواضح أن السلطات التنفيذية لم تكن بيديه، بل إنها تآمرت عليه، وعجّلت بإسقاطه؛ لأنها كانت تعتبره مرحلة مؤقتة".
وعزا أبو الحسن "التواؤم الكبير" بين الجيش والشرطة اليوم، إلى "حاجة كل منهما للآخر، والعمل معا تحت مسمى مجابهة الإرهاب الذي فشلوا في وقفه بسيناء"، مؤكدا أن "النظام الحالي لم ولن ينظر بجدية إلى إعادة هيكلة الشرطة، بل إنه يغض الطرف عن جرائمها".
أساليب مختلفة
وفي المقابل؛ يرى الخبير الأمني، اللواء محيي الدين نوح، أن "أساليب الشرطة اختلفت عما كان عليه قبل وبعد ثورة يناير"، مشيرا إلى أن "هذا الجهاز يخضع اليوم للقانون، ويتم إحالة أفراده المتسببين بأية تجاوزات بحق المواطنين إلى القضاء".
وقال نوح لـ"
عربي21" إن "المرحلة القادمة سترسخ مفهوم الأولوية للكفاءة في جهاز الشرطة، وتقضي على الفساد"، مستهجنا "دور المواطنين في تشجيع الفساد والمحسوبية؛ من خلال تبنيهم ثقافة الرشاوى والواسطة، الأمر الذي يطيل أمد التغيير والإصلاح" على حد قوله.
مدرسة العادلي
أما عضو تكتل القوى الثورية، محمد عطية؛ فقد أعرب عن شعوره باليأس من إصلاح جهاز الشرطة "بسبب استمرار عمله بعقلية ومبادئ مدرسة وزير داخلية مبارك حبيب العادلي".
وقال لـ"
عربي21" إن "الشرطة تعمل لحماية السلطة، وهي بمثابة المطرقة التي تدق بها أعناق المعارضين والمواطنين على حد سواء"، مؤكدا أن "بقاء الجهاز على حاله دون تغيير؛ سيؤدي إلى ثورة جديدة".
وأضاف عطية أن "آفة" جهاز الشرطة "هي جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني) الذي يتحكم في مصير المصريين"، لافتا إلى أن "الجهازين يعملان ضد المواطنين، وهما فوق القانون والحساب".