نشرت صحيفة الهافنتون بوست تقريرا حول نهاية مسلسل التوترات والتهديدات المتبادلة بين
إيران والغرب، قالت فيه إن خيار الحرب تم وضعه على الرف في الوقت الحالي، وأن ما حصل يصب في مصلحة إيران والعالم، ولكنها أشارت في الوقت ذاته إلى أن هناك نقاطا معقدة تقف في طريق العودة النهائية لإيران للحاضنة الدولية.
وأكدت الصحيفة أن هذا التقارب بين إيران والمجتمع الدولي لم يكن سهلا، ولم يحدث بمجرد الصدفة، بل نتج عن مسار تفاوضي تم إطلاقه منذ زمن.
ورأت الصحيفة أن الأحداث التي جعلت الإعلان عن هذا التقارب ممكنا، مثل انفراج الأزمة
النووية، والالتزام المشترك بمحاربة تنظيم الدولة، ليست في النهاية سوى ذرائع لتبرير قرار التقارب الذي تم اتخاذه منذ زمن.
فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية في سنة 1979، لم تتوقف واشنطن عن السعي لاستعادة علاقاتها مع طهران، فبعد أقل من أسبوع من سقوط نظام الشاه، أعلنت إدارة الرئيس كارتر اعترافها بالنظام الإيراني الجديد، ورغبتها في التعاون العسكري والاقتصادي معه، ولكن أزمة اقتحام السفارة الأمريكية، واحتجاز الرهائن، ثم الحرب الإيرانية العراقية، خلقت قطيعة بين نظام الملالي في إيران والجمهوريين في الولايات المتحدة.
ولكن مع عودة الديمقراطيين للحكم، قامت إدارة بيل كلنتون بخطوات إيجابية نحو الرئيس خاتمي الذي كان يوصف في ذلك الوقت بأنه معتدل، رغم أن فترته شهدت انطلاق البرنامج الإيراني.
وقالت الصحيفة إن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية كان على وعي برغبة أمريكا الملحة في استعادة العلاقات مع إيران، ولذلك رأى في الملف النووي فرصة لإرساء الحوار والتقارب معها، وهو ما وصفه الإسرائيليون بالصفقة الكبرى.
فقد نجح المسؤولون الإيرانيون في تحويل البرنامج النووي من أداة للدمار الشامل إلى أداة للإقناع الشامل، وأتقنوا استعمال هذه الورقة للعزف على وتر المشاعر الوطنية على المستوى المحلي والمشاعر المعارضة للتدخل الغربي في الشرق الأوسط على المستوى الإقليمي، واستعملت هذه الورقة أيضا وسيلة للتفاوض من موقع قوة مع الدول الكبرى.
وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة من جانبها لا تخفي أن سعيها للحوار مع طهران، يهدف للاستفادة من الفرص الاقتصادية التي تقدمها السوق الإيرانية للشركات الأمريكية، وقد انطلق هذا الغزل الدبلوماسي بين الجانبين مع دخول الديمقراطيين للبيت الأبيض، حيث كان الإيرانيون يطلقون النكات حول اسم أوباما الذي يقابله باللغة الفارسية ثلاث كلمات أو با ما وتعني "هو معنا".
كما وجه أوباما من جانبه رسائل إيجابية خلال خطابه الذي ألقاه في القاهرة تحت شعار "الانطلاقة الجديدة"، حيث دعى للعمل المشترك مع الإسلاميين المعتدلين، ثم وجه رسالة تهنئة للشعب الإيراني بمناسبة عيد النيروز الفارسي، وكانت تلك بداية سياسة اليد الممدودة التي اعتمدها ساكن البيت الأبيض لكسب ود إيران ورئيسها حسن روحاني.
وأضافت الصحيفة أنه في خضم هذه السياسات الودية بين البلدين، شهد الشرق الأوسط صعودا مدويا لتنظيم الدولة الذي أصبح يمثل تهديدا جديا لإيران وللدول الغربية، وهو ما مثل ذريعة إضافية للتقارب، فمقارنة بعناصر تنظيم الدولة، الذين أظهروا عنفا ودموية غير مسبوقين، أصبح ملالي إيران وحرسها الثوري فجأة يمثلون صوت الاعتدال والحكمة بالنسبة للغرب، بعد أن كانوا ينعتون بمحور الشر.
وأصبحت الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق تقاتل جنبا إلى جنب مع التحالف الدولي، وهو ما مكن إيران من فرصة دعائية كبيرة لتجميل صورتها في أعين الرأي العام الدولي.
وأضافت الصحيفة أن إيران رأت في تسوية الملف النووي، والمشاركة في محاربة تنظيم الدولة، فرصة ذهبية لإضفاء شرعية على نظامها الحاكم، وعلى تدخلها في قضايا الشرق الأوسط؛ ولهذا كانت كل الظروف مواتية لنزع فتيل الأزمة النووية في مدينة لوزان، رغم كل ما أحاط بالجولة الأخيرة من المفاوضات من تشويق وشد وجذب.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن السؤال المطروح الآن هو: هل سيبقى حلفاء واشنطن في المنطقة، وخاصة إسرائيل والسعودية، مكتوفي الأيدي أمام هذا التقارب الأمريكي الإيراني الذي بات يهدد مصالحهم الإقليمية، ومكانتهم شريكا استراتيجيا لواشنطن؟ أم سيعملون على وضع المزيد من العراقيل أمام الطريق الدبلوماسية التي قررت طهران سلكها للعودة للساحة الدولية؟.