بعد التسريبات الأخيرة، لم يعد للذين وقعوا على استمارات "
تمرد" من سبيل، للتكفير عن ذنوبهم وهي مثل زبد البحر، إلا إن يعلنوا براءاتهم منها على الملأ، فلم يعد الأمر خلافاً في وجهات النظر بيننا وبينهم، فقد تبين أن ما فعلوه جريمة في حق الوطن، تنحدر إلى الخيانة، إن لم تكن هي الخيانة الوطنية بشحمها ولحمها!.
كثيرون، يعلنون في جلساتهم الخاصة عن ندمهم، لأنهم شاركوا في التوقيع والترويج لاستمارات "تمرد"، وهي الحركة التي تشكلت لتمثل غطاء ثورياً للثورة المضادة، وللانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب. وكانت اليسارية الدكتورة عايدة سيف النصر هي الأشجع عندما أعلنت قبل شهور، إنها لم تندم على شئ في حياتها قدر ندمها على أنها وقعت لـ "تمرد".
ولم يكن كثيرون بهذه الشجاعة، فاكتفوا بالاعتذار السري، بعد أن تبدت عورات "الحركة" للناظرين، وكان تصنيفها على أنها في الأسوأ هي حركة صنعتها أجهزة المخابرات، وأن العمالة كانت في الحدود الجغرافية للوطن، وإن كان هناك من لا يزالون، وحتى التسريبات الأخيرة، يتعاملون على أنها تشكلت من شباب مخدوع، مارس الفحشاء بحسن نية، وسلامة طوية، وكانوا مجرد أوراق استغلتها الثورة المضادة بقيادة عبد الفتاح
السيسي لتحقيق مآربها!.
كنت حسن الظن بهؤلاء الشباب الذين شكلوا "تمرد"، إلى وقوع الانقلاب العسكري وتحولهم إلى جزء منه، وسعيهم لتحقيق مصالح شخصية، أو مصالح تبدو عامة لكنها في الواقع شخصية، عندها أيقنت أننا أمام شباب جرى إفساده بعد أن انتقلت كفالته من "
حمدين صباحي"، للأجهزة الأمنية، ثم قالوا فيه ما قال مالك في الخمر.
مسكين "حمدين" هذا، يقوم بدور الكفيل حتى إذا عرف المكفول الطريق للكفيل العام، انقلب عليه، والنموذج على ذلك هو عبد الحليم قنديل، الذي عاش حياته تحت رعاية صباحي، وكان يصفه بأنه غاندي، لكن عندما وجد "طريقه أخضر" للكفيل العام، قال عن كفيله السابق ساخراً: "حمدين صباحي زعيم موسمي"!
في البداية كنت أصف شباب "تمرد"، وأنا أشاهد المحرر المتدرب لدى وائل الابراشي "محمود بدر"، على رأس هذه الحركة بـ "أولادي المغرر بيهم"، وهو وصف للرئيس السادات لشباب الجماعات الإسلامية، والذي كانت تستهويه فكرة "كبير العائلة"!.
كنت أشاهد "محمود بدر" في كل المظاهرات التي كانت تنظم قبل ثورة يناير ضد استبداد نظام مبارك، فكان عندي نموذجاً للشاب الوطني. وعندما قامت ثورة يناير لم أتابع أداءه، فأداؤنا جميعاً تاه في الزحام، وقد تصدر المشهد، ومن خلال وسائل الإعلام، المناضلون الجدد، الذين سارعوا للالتقاء بمدير المخابرات الحربية عبد الفتاح السيسي فصنعهم على عينه لحاجة في نفس يعقوب قضاها.
وبعد ذلك وفي مواجهة المجلس العسكري، كان "محمود بدر" من الذين يقولون في المجلس وحكمه وأعضائه ما قال مالك في الخمر، لكن يبدو أنه كان ينتظر "فرصته" وقد جاءته، فظننا أنه لا يزال على استقامته السياسية، فقط هو فتى مضحوك عليه. ومما ظننت في الأسبوع الأول وكتبته أنه عندما تذهب السكرة وتحل الفكرة، سيقف "أولادي المغرر بيهم"، على حجم الجريمة التي ارتكبوها في حق الثورة، وتمكينهم للثورة المضادة، ولعودة حكم العسكر!.
كنت حسن النية، في التعامل مع هؤلاء الشباب، لكن تبين أنهم كانوا يرتكبون الفاحشة الوطنية مع سبق الإصرار والترصد، ليظل ما فعلوه هو مجرد خيانة للثورة، عندما وجدوا فرصتهم، وظنوا أنها باتت مواتية لتصدر المشهد، بعد أن صار "محمود" صديق عبد الفتاح السيسي، فيفتح له فندق "الماسة" المملوك للمجلس العسكري ليقيم فيه حفل زفافه، وهو ذات الفندق الذي حوله السيسي إلى مقر انتخابي له، دون أن يرى حلفاؤه في هذا قرينة ترتقي إلى مرتبة الدليل على أننا أمام انقلاب عسكري، فما شأن فنادق القوات المسلحة بالانتخابات والسياسة، وما علاقة المرشح عبد الفتاح السيسي بالقوات المسلحة وقد استقال ليمارس عملاً سياسياً يحظر القانون على العسكريين ممارسته؟!.
لم يقف أحد ليسأل من أين جاء الفتى "محمود" بكل هذه الأموال ليكون حفل زفافه مهرجانا غنائيا، وهو المحرر المتدرب الذي لم تتجاوز أعلى مكافأة حصل عليها في حياته على الـ "500 جنيه" شهرياً، وقبل الانقلاب كان بلا عمل بعد الاستغناء عنه في جريدة "الصباح"، وبعد الانقلاب وعندما جرى الحديث في صفوف "تمرد" عن ثرائه، وامتلاكه سيارة بالسائق، أقسم أن كل دخله هو عشرة آلاف جنيه في الشهر مقابل عمله في مكتب إحدى المطبوعات الإماراتية في القاهرة، ولم يسأل أحد أي محرر مهما كان تاريخه المهني يمكنه تقاضي هذا الراتب في مكتب جريدة خليجية بالقاهرة، و"محمود" بلا تاريخ مهني، لكن الجريدة إماراتية وهو اسمه "محمود"؟!
ومهما يكن فكل هذه التفاصيل "فكة"، لمن عرفوا طريقهم، واستخدمهم العسكر غطاء ثورياً لثورتهم المضادة، تسقط عنهم الثقة والاعتبار، ولم أكن أظن أن الموضوع يمكن أن يصل للخيانة للوطن، تندرج تحت نصوص قانون العقوبات، فقد كنت اعتقد أننا أمام حالة من حالات الفساد السياسي، لا الجنائي التي تشكل جريمة تخابر مكتملة الأركان!
لقد كشفت التسريبات، عن أن "تمرد" ممولة من دولة أجنبية هي الإمارات، وأن لها حسابا تتلقي فيه هذه التمويلات ويقاسمها في هذا التمويل سلطة الانقلاب، وربما يأخذ السيسي كل "الرز" ويعطيهم الفتات أو "الفكة" بحسب الاصطلاحات التي دخلت القاموس السياسي على يد عبد الفتاح السيسي وسكرتيره عباس كامل!.
وكنت أظن أن "غلمان تمرد" بتعاملهم مع عبد الفتاح السيسي قد انتقلوا من "الكفيل المحلي ومورد الأنفار حمدين صباحي" للكفيل العام، ولم أكن أعلم أن السيسي نفسه ليس أكثر من مورد كحمدين وأن الكفيل العام للجميع و"الكابل الرئيسي" بحسب تعبير من يعملون في محطات الكهرباء، هو في الإمارات!.
المسألة إذن تجاوزت الخلاف في وجهات النظر، إلى مستوى الجريمة الكبرى والخيانة العظمي، ومن هنا فلا يجوز الاعتذار سراً، وإنما ينبغي للذين وقعوا علي استمارات "تمرد"، أن يجهروا بالتوبة والاعتذار للرئيس الشرعي للبلاد الدكتور محمد مرسي، فلسنا أمام خلاف في وجهات النظر، اللهم إلا إذا كنا نعيش في زمن صارت فيه الخيانة وجهة نظر!.
اللافت أن التخابر هنا تم بختم النسر، وهو ختم شعار الجمهورية في مصر، وبتأييد من قيادات المجلس العسكري.. واللافت أكثر أن "الغلام محمود بدر" لا يذكر اسم الدكتور محمد مرسي في مقابلاته التلفزيونية إلا مسبوقاً بوصف الجاسوس!.
الثورة غداً ستحاكم الجواسيس - كل الجواسيس - يا محمود حتى من يحملون ختم النسر. فاطمئن!