كتاب عربي 21

مفارقات في قصة إعمار غزة

1300x600
لا ندري كم مرة سيقام المزاد لإعمار غزة، كم مرة ستنتدب غزة لتكون رمزا لعزة وكرامة هذه الأمة وفي ذات الوقت تؤشر على علامات الضعف والوهن في كيانها وما يمثله حكامها المستبدون من علامة تبعية وتبديد لقدراتها وخضوع حكامها لأسيادهم في إطار من "مجتمع الصهينة والتصهين" الذي بدت شبكاته تتضح بعد كل حرب لئيمة يقوم بها الكيان الصهيوني على غزة؟، ليشهد الأمر تراجع المؤشر الذي يتعلق بحكام هذه الدول فتقف في جانب العدو في الحقيقة والخفاء وتعلن خلاف ما تظهر، لتحاول أن تقدم ألف غطاء وغطاء لسياساتها المتصهينة ومواقفها المتخاذلة. 

 قد تشهد غزة في كل عدوان عليها شهادة تقدم فيها الدرس تلو الدرس ،وتبلغ بأفعالها البطولية واستشهاد أبنائها وتدمير مساكنها ومدارسها ومستشفياتها ومساجدها وبناها التحتية، وتقدم غزة العزة رغم هذا الاستهداف وبيئة دولية معادية وبيئة إقليمية متصهينة وغير مواتية وبيئة داخلية لا تشكل في حال انقسامها إلا إضعافا لمواقف غزة وفصائلها في المقاومة، تبدو غزة العزة رغم كل ذلك تعطي الدرس الأكبر رغم كل تلك المعوقات ورغم تراكم العقبات ورغم المواقف المتخاذلة ،فتخوض حربا على الأرض تكتب فيها قصة انتصار بدماء أبنائها من الشهداء والمقاومين ، وفى كل مرة من العدوان الذى يمر من غير حساب ولا يجد العدو الغادر أي غضاضة في أن يمارس القتل لانسان فلسطين ويدمر كل أسباب الحياة في غزة ويستهدف الأطفال والنساء والعجائز والشيوخ، يستهدف البشر والشجر والحجر، رغم كل ذلك قدمت غزة المنتدبة عن أمتها نصرا ليس باليسير. 

قصة غزة تحمل مفارقات كثيرة كمفارقات ميزان القوى حينما يملك الطرف الأضعف المقاوم  صاحب الإرادة مفردات العزة والكرامة في خطابه ، ويؤكد على إمكانية أن يحرم عدوه من نصر رغم ترسانته العسكرية ومساندته الإقليمية والدولية، ومع ذلك يحرز نصرا يدشن فيه مفردات الأمل وإرادة الانتصار، حملت قصة إعمار غزة مفارقات كثيرة:   

أولى هذه المفارقات تكمن في تكرار مؤتمرات المانحين لغزة بعد كل عدوان فتؤشر تلك المؤتمرات السابقة على عمليات وسياسات خادعة لاحقة؛ لم تكن تلك المؤتمرات سوى عمليات دعائية ذرا للرماد في العيون بعد ارتكاب الكيان الصهيونى عدوانا يشكل جريمة إبادة إنسانية وجرائم حرب لا أخلاقية، هذا هو المؤتمر الثالث لإعمار غزة فماذا عن مؤتمرين سابقين؟، وماذا عن الأموال التي قيل أنها رصُدت؟، وماذا عن مانحين بعضهم يتمتع بالمصداقية ولكن العدو الصهيوني وقف بالمرصاد لكل معوناتهم ؟، وبعض هؤلاء قدم أرقاما كغطاء لموقف لم يكن في النهاية إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء؟، هل يمكن أن ينجح هذا المؤتمر الأخير في عملية الإعمار وقد قدمت مؤتمرات من قبل عملية خداع مرارا وتكرارا، وقدمت المرة تلو المرة وعاء فارغ المضمون مسارا واستمرارا. 

تتمثل المفارقة الثانية في ثنائية خطيرة التدمير ثم التعمير؛ مقولات ناسخة لا تعبر إلا عن عقل غربي عنصري يحاول باستكباره أن يمرر عملية تدمير ممنهجة من جانب الكيان الصهيوني لكل قدرات المقاومة ومحاولة فك ارتباط المقاومين بأهل غزة ولكنهم في كل مرة يفشلون ويهزمون، كيف إذا نقر الذي يقوم بالتدمير على تدميره ثم نقوم بمزايدة خطيرة في مؤتمرات المانحين بتعمير ما دمر ؟ أليس هؤلاء سوى مبررين ومزورين للحقائق حينما يقفون في مؤتمر التعمير ولا يسألون عمن قام بالتدمير؟ ولا يتحدثون عن المسئولية والحساب، ولا يحاولون إيقاف كل عمل يرتكبه هذا العدو في حق إنسان غزة ومواطنيها ،في كل مرة سيدمر البلطجي المدلل المتمثل في الكيان الصهيوني وسيقول البعض أن من حقه أن يدمر، وبعد فترة وجيزة يخرجون في المؤتمرات ويلقون بالكلمات ثم يتحدثون عن أموال للتعمير، أموال زائفة كزيف مواقفهم وتزوير ممنهج حينما يقوم البعض بالجمع بين فعل التدمير ومساندته وخطاب التعمير ومزايدته.  

المفارقة الثالثة تتمثل في حديث الإعمار والحصار، إلى هؤلاء جميعا نطلقها صريحة مدوية؛ كيف يتم التدمير ثم التعمير والمناداة بالإعمار في ظل بيئة من الحصار ؟، أيكون هذا معقولا ؟ ،أيمكن أن يكون ذلك مقبولا؟ ، إن الحصار في ذاته ليس إلا عملية تدمير بطيء لكل قدرات تتعلق بغزة العزة  ومحاولة تطويق إنسانها المقاوم وإحباط مواطنها المحتضن لكل مقاوم، وتدمير كل إمكانية لاستمرارية الحياة في حصار بغيض يجعل من غزة سجن كبير يقوم السجان بالمناوبة عليه سواء أكان سجانا إسرائيليا أو مصريا يتحكم بالمعابر ويجعل الحياة لا تطاق، ويجعل الحركة في أدنى مستوياتها، وهذا وذاك يسوّغ الحصار بدعوى الأمان والأمن لكيانه وذاته، ولكنه حينما يقوم بذلك إدعاء وغطاء إنما يزهق معنى الحياة في قطاع غزة وربوعها.  

المفارقة الرابعة تكمن في النظر الكاذب لقضية غزة وفلسطين باعتبارها قضية إغاثة إنسانية أو أنها يمكن أن توضع على مائدة الأعمال الخيرية من دون معرفة الأصل في هذا العدوان الصهيوني الخطير والذي يمثل الاحتلال البغيض الذي يغتصب الأرض والعرض ويقوم بكل عمل ما من شأنه أن يضفي شرعنة على غصبه ويجعل صاحب الحق في حال تنازل مدمر ومستمر، وهنا وجب علينا أن نتساءل لماذا صارت مستحيلات الكيان الصهيوني ممكنات؟، ولماذا صارت ممكنات العالم العربي مستحيلات؟ ليس ذلك إلا من النظر الواهن لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي المصيري والحضاري، بيت الداء إذا فى الاحتلال الغاصب وعنوان الوهن فى التصهين المتكالب الذي بدا من كل واهن مارق كاذب.   

المفارقة الخامسة تتجسد في عناوين كبيرة ومفردات كثيرة صار العدوان الصهيوني وألة الإعلام الغربي تقوم بكل ما من شأنه التلبييس على معانيها والتدليس في مغازيها، نشير في ذلك على سبيل المثال لا الحصر إلى كلمات: "المقاومة، والإرهاب، والعدوان"، التي تجعل من المقاومة عدوانا، وتجعل من عدوان إسرائيل دفاعا عن النفس وتسمي المقاومة للاحتلال إرهابا، بينما تغفل إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني وتحاول أن تدلس على كل وصف للعدوان الذى يقوم به الكيان من إجرام وإبادة وتدمير، مفارقة عجيبة صارت من جملة ما يدلس به على العالمين في محاولة من هؤلاء إضعاف موقف المقاومين.   

المفارقة السادسة تتعلق بتسيس عملية الإعمار في إطار الإغراء بالأموال، الأموال الزائفة الكاذبة التي يحاول البعض أن يجعل منها مدخلا للضغط من خلال مسارب عدة سواء تعلقت بالداخل الفلسطيني أو بتحالفات إقليمية، وفي إطار سياسة دولية تحاول الضغط على المقاومة في سياق تحويل التهدئة إلى هدنة كاملة شاملة، وكذلك ما يلوح كل حين من الحديث عن سلاح المقاومة وإدخاله في إطار عمليات للمساومة والمقاولة، وهنا لابد وأن نحذر كل هؤلاء من هذا الفعل الشائن اللئيم حينما يحاول أن يجعل من الضغط بالاقتصاد أو الأموال أو من النظر إلى أن مشكلة غزة كمشكلة اقتصادية أو إنسانية حتى يكون ذلك مدخلا لحصار المقاومة وكل فعل يتولد منها وعنها.  

المفارقة السابعة ترتبط بتلك المحاولات التي يقوم بها الكيان الصهيوني بشكل ممنهج في إطار اقتحام الأقصى والذي يتخذ أشكالا متعددة أحدها ما تم اليوم "الإثنين" (13/10/2014) بقيادة نائب رئيس الكنيست لتعبر عن رسالة من الكيان الصهيوني لفرض أمر واقع بالقوة مستغلا حالة الغفلة والتصهين من حكام مستبدين منبطحين تابعين للخارج، متجبرين على شعوبهم ضمن استراتيجيات لتهويد القدس ومحاصرة الأقصى ومحاولة السيطرة عليه واقتسامه والتهامه ،كما يؤكد على هذا التصور الدكتور محمد محسوب محذرا ومنذرا، ومؤكدا أن ثورات التحرير العربي لابد وأن تشكل عمقا تأسيسيا في مواجهة الكيان الصهيوني وسياسات التبعية المرفوضة والتجزئة المفروضة.   

هذه مفارقات قصة غزة ستظل دائما شاهدة على عزة هذا الجزء الصغير من جغرافيا أمة المسلمين الكبير حينما يقدمون خطاب الكرامة وأفعال الشهادة ،وفي ذات الوقت تكشف المستور عن كل عوار في هذه الأمة من حكام مستبدين تابعين ومن متصهينين انحازوا للعدو الصهيوني رؤية وموقفا على حساب أمة المسلمين ،وجعلوا هذه الأمة "أمة الغثائية" التي تتداعى عليها الأمم،  لا أمة الخيرية التي تشهد على كل الأمم.