يبدو أن العلاقات التركية مع إقليم
كردستان العراق ذاهبة إلى اضطراب غير معلن، بعد سنين قليلة من "العسل" الذي عاشت فيه القيادتين التركية والكردية.
تصريحات رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني بخصوص
كركوك والمناطق المتنازع عليها وقوله إن المادة 140 من الدستور العراقي قد "أنجزت وانتهت" بعد دخول قوات البيشمركة، أثارت الكثير من السيناريوهات حول مصير
الأكراد ضمن الخارطة العراقية بعد هذا التصريح، خصوصا أن الكثير من الأوساط الكردية تعتبر أن الحصول على كركوك بأي ثمن كان هو الخطوة الأولى لتقرير المصير.
وأكد ذلك البرزاني حينما دعا البرلمان الكردي لتحديد موعد للاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق. ومن المعروف أن المادة 140 هي مادة في الدستور تنص على إجراء استفتاء في المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي والحكومة المركزية في بغداد، ولكن هذا لم يحدث بالرغم من إقراره في الدستور منذ عام 2005.
ما يثير
تركيا بهذا الموضوع يحتمل شقين، الشق الأول أن تركيا لا تريد قيام دولة كردية إلى جوارها تحفز الأكراد داخل الأراضي التركية إلى المطالبة بنفس المطلب، والقيام بتحركات من أجل الوصول إلى وضع مشابه لما وصل إليه أكراد العراق، أما الشق الثاني وهو الأهم فهو "كركوك" - قدس الأكراد، وقدس
الأتراك - كركوك الغنية بالنفط كانت في السنوات الماضية محل سجال بين تركيا وأكراد العراق، إذ كانت تعتبر تركيا أن الأحزاب الكردية الرئيسية تستحوذ على السلطة في كركوك وتمارس سياسة التهميش تجاه التركمان في المحافظة، وكانت تطالب بمنحها وضعاً خاصاً بسبب تنوعها العرقي الكردي والعربي والتركماني.
إلا أن هذه النبرة بدأت تخفت خصوصا بعد تقديم حكومة إقليم كردستان تسهيلات اقتصادية متنوعة لتركيا في الإقليم كمنح مشاريع البناء الكبرى للشركات التركية بالإضافة إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما بلغ 7.7 مليار دولار، فيما تشير الكثير من التقارير الاقتصادية إلى أن 80 في المائة من واردات السلع الاستهلاكية في إقليم كردستان تأتي من تركيا، لكن التقارب التركي الكردي الرئيسي كان في خطوة حكومة إقليم كردستان المتعلقة بضخ النفط إلى أوربا عبر تركيا، لكن هذا الضخ كان دون علم الحكومة العراقية والذي أثار استياء واشنطن كثيرا حيث عبّرت الخارجية الأمريكية عن رفضها حول هذا الموضوع قائلة أن على حكومة إقليم كردستان الاتفاق مسبقا مع حكومة بغداد معتبرة أن عكس ذلك يمثل خطرا على استقرار العراق.
لكن بعد زلزال الموصل والذي سيطر فيه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على ثالث أكبر من مدينة في العراق، وانسحاب الجيش من الكثير من المدن الرئيسية في وسط وشمالي العراق، إثر حركة تمرد مسلحة لتنظيم داعش بالإضافة إلى فصائل المقاومة وثوار العشائر، ظهر شكل جديد في التعامل مع كركوك بعد انسحاب جيش الحكومة المركزية، واستيلاء قوات البيشمركة على المحافظة حماية لها من سيطرة تنظيم داعش عليها.
هنا لم تبدِ تركيا أي مخاوف علنية، إلا بعد التصريحين الشهيرين للبرزاني، التصريح الأول مع وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ حينما أكد انجاز المادة 140 والذي لم يعلق عليه هيغ، والتصريح الثاني حينما كان مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ولمح البرزاني إلى المضي في حق تقرير المصير، لكن كيري كان حاسما أكثر من هيغ حينما طلب من البرزاني المشاركة في الحكومة المقبلة وإيجاد حلول للمأزق العراقي الحالي باعتباره طرفا مهما في العملية السياسية، ومن ثم عاد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست بنفس الطلب من البرزاني وقال أن الولايات المتحدة تعارض استقلال كردستان. تركيا وحسب رويترز أبدت رفضها لقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق، إلا أن هذا التصريح الذي نشرته رويترز كان على لسان مسؤول "رفض الكشف عن هويته"، أي أن الأمر قد يكون محل التباحث داخل منظومة الحكم التركية، خصوصا أن المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حسين جيليك أشار إلى أن تركيا قد تقبل بدولة كردية مستقلة إذا تفكك العراق.
لكن يبدو أن وضع كركوك ما زال قيد التباحث التركي الكردي بما يخص المرحلة الجديدة خصوصا أن البرزاني عندما أعلن إنجازه للمادة 140 في كركوك، عاد ليتراجع نسبيا ليدعو إلى استفتاء شعبي داخل كركوك يقرر أبناؤها مصيرهم من الدخول إلى إقليم كردستان أو عدمه. لكن الملفت للنظر في كل هذه القصة هي الحماسة الإسرائيلية الايجابية تجاه إعلان دولة كردية، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التاسع والعشرين من حزيران الماضي دعمه لإقامة دولة مستقلة للأكراد في شمال العراق، معتبرا أن قيام دولة كردية ستساهم في مقاومة الخطر الأصولي المتمثل بتنظيم داعش.
لكن الانفراد الإسرائيلي الايجابي تجاه قيام الدولة الكردية، يثير تساؤلات كثيرة حول العلاقة الخفية أو المعلنة في بعض الأحيان التي تجمع القيادة الإسرائيلية بالكردية، حيث تشير الكثير من المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية وبالأخص صحيفة هآرتس أن الأكراد صدروا مليون برميل نفطي لإسرائيل من خلال ميناء تركي، وتؤكد صحيفة هآرتس أن مصادر في الحكومة الكردية أكدت لها إنها لا تعارض بيع النفط لإسرائيل أو لأي دولة أخرى، لكن كل هذه المعلومات تنشر عن طريق طرف واحد وهو الطرف الإسرائيلي، دون تأكيد أو نفي من الجانب الكردي.
إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن إسرائيل تعتقد أن هناك عاملا أهم من النفط يشجع على قيام دولة كردية، هو رغبة إسرائيل بقيام دولة جديدة بالقرب منها تتسم بالاعتدال ولا تتدخل في الصراع العربي الإسرائيلي.