كشفت صحيفة مصرية النقاب عن أن الرئيس المخلوع محمد
حسني مبارك قام برشوة
زعماء أفارقة من رؤساء دول
حوض النيل بأربعة ملايين دولار، اختلسها دون وجه حق، من أموال الشعب المصري، المودعة في
البنك المركزي المصري.
ونشرت صحيفة "اليوم السابع" الصادرة الخميس ما اعتبرته: "التحقيقات الكاملة مع زكريا عزمى رئيس ديوان رئاسة الجمهورية فى قضية رشوة هؤلاء الزعماء".
وقالت الصحيفة إن
زكريا عزمي - الذي تولى ديوان رئاسة الجمهورية لمدة 22 عاما خلال الفترة من 1989 حتى 2011- كانت له قضية بنيابة الأموال العامة العليا يرجع تاريخها إلى مارس 2012، وحققها المستشار عبداللطيف الشرنوبى رئيس نيابة الأموال العامة العليا، لكنها ظلت بأدراج النيابة العامة حتى وقتنا هذا، ولم يصدر أى قرار بحفظها أو إحالتها إلى المحكمة".
ونقلت الصحيفة عن زكريا عزمي قوله في تحقيقات نيابة الأموال العامة العليا في تلك القضية: "كنت في مكتبي بقصر عابدين، واتصل بى السيد رئيس الجمهورية حسني مبارك، وأمرني بأن أرسل مندوبا للدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزى، وقال لى سوف يعطيك حاجة ابعثها لي، وبالفعل اتصلت بالدكتور فاروق تليفونيا على التليفون الأرضي الخاص بالوزراء، لكي أعرف أنه موجود، وأبعث له أحدا يتسلم الحقيبة، ولما رد عليّ الدكتور فاروق العقدة قال: أنا منتظر هذه المكاملة، وابعث لى أحدا بسرعة".
وأضاف زكريا: "أرسلت مندوبا من الرئاسة لتسلم الحقيبة، وبالفعل توجه للبنك المركزى، وحصل عليها، وحضر بها إلى مقر رئاسة الجمهورية فى عابدين، ووضعتها فى خزانة حديدية، وأبلغت رئيس الجمهورية بأنها معى، وتكرر هذا الموضوع أربع مرات، كانت فى شهر نوفمبر 2009، ولم تكن الحقيبة تمكث معي أكثر من 24 ساعة، ثم أسلمها للرئيس مبارك، وهو يتصرف فيها، وكانت هذه الحقائب تتضمن أموالا قيمتها أربعة ملايين دولار، وكل حقيبة كانت تحتوى على مليون دولار".
وشرح زكريا تفاصيل إنفاق تلك الأموال فقال: "كلفني رئيس الجمهورية بأن أسلم الحقيبة الأولى لأحد المسؤولين الأفارقة فى أحد الأماكن بالقاهرة، وكان معي في التسليم أحمد فايز مدير أمن مقر رئاسة الجمهورية، أما الحقيبة الثانية فسلمتها إلى شخصية أفريقية أخرى فى إحدى فيلات شرم الشيخ، أما الحقيبة الثالثة فسلمتها إلى شخصية ثالثة فى مهمة خارج مصر، أما الحقيبة الرابعة فسلمتها إلى عمر سليمان (رئيس المخابرات العامة)، وهو أنفقها فى عمل يتعلق بالأمن القومى".
وأضاف زكريا: "لا أعرف من أي حساب فى البنك المركزي جاءت هذه الأموال، فقد كانت أول مرة نأخذ فيها أموالا من البنك، وسبقها مرة واحدة فقط تعاملت فيها مع فاروق العقدة بأوامر من رئيس الجمهورية عندما كلفنى بتحويل خمسة ملايين جنيه من حساب تبرعات مكتب الإسكندرية إلى الحساب الأصلي لمكتب الإسكندرية، وتم ذلك بموجب خطاب تحويل وقع عليه رئيس الجمهورية وقتها".
الخطوط العامة للقضية
الصحيفة عقبت على ما أوردته من تحقيقات النيابة مع زكريا عزمي بالقول: "من هذا السرد تنكشف الخطوط العامة للقضية، وأنها تمثل تحركات من رئيس الجمهورية آنذاك حسني مبارك بدفع مبالغ مالية لشخصيات أفريقية، رفض زكريا عزمى ذكر أسمائها داخل جلسة التحقيق بزعم الخوف من التأثير على العلاقات المصرية الأفريقية".
وأضافت الصحيفة أن الأربعة ملايين دولار التي تحدث عنها زكريا عزمي لم تسجل فى أى ورقة رسمية من أوراق الدولة، سواء فى رئاسة الجمهورية أو السكرتارية أو حتى فى حسابات خاصة سرية تتبع رئاسة الجمهورية للأمن القومي، وهو الأمر الذى جعل النيابة المتخصصة المنوطة بالتحقيق فى القضية هى نيابة الأموال العامة، وهو الأمر نفسه الذى جعل كل أسئلة المحقق عبد اللطيف الشرنوبي تصب فى الحفاظ على المال العام، وإثبات أن الأربعة ملايين دولار أنفقت فعلا على غرض يتعلق بالأمن القومي، لكنه لم يجد إجابة كافية شافية عن 25 سؤالا، دارت جميعها فى هذا الشأن.
وأبدت "اليوم السابع" دهشتها من أن أغلب إجابات زكريا عزمي على أسئلة المحقق جاءت بأنه لا يستطيع الإفصاح عن معلومات بزعم الحفاظ على الأمن القومي، متسائلة: "ألم يكن من مقتضى الحفاظ على الأمن القومي إثبات تلك الأموال، ولو حتى فى سجلات سرية تحفظ فى الأجهزة السيادية لكى يطلع عليها من يجلس على مقعد صناعة القرار فيما بعد، ويعلم التحركات التى اتخذتها القيادة السابقة.
وأضافت الصحيفة: "المحزن في الملف أن النيابة العامة عندما خاطبت جهاز المخابرات العامة المصرية لتستعلم منه عن حقيقة الأربعة ملايين دولار التي أنفقت من مبارك وزكريا عزمي على أغراض تتعلق بالأمن القومي، ومن بينها مليون دولار حصل عليها عمر سليمان بنفسه، أجابت بأنها لا تعرف شيئا عن هذا الملف، وأن المخابرات لم تحصل على أى مبالغ نقدية من رئاسة الجمهورية لاستخدامها فى أغراض تتعلق بالأمن القومي".
وتابعت اليوم السابع: "نحن أمام أربعة ملايين دولار حصل عليها مبارك من البنك المركزي، لا نعرف من أي حساب، وبدون أي محرر رسمي، ونقلها زكريا عزمي، وتحفظ عليها في خزانة رئاسة الجمهورية ثم سلمها إلى شخصيات أفريقية، بهدف الحفاظ على الأمن القومي، لكن هذا التصرف جاء بنتيجة عكسية.
وأوضحت أنه بدلا من أن يحل المبلغ أزمة حوض النيل، تفاقمت وبدأ الإثيوبيون في بناء سد النهضة، وخاب سعى مبارك للحفاظ على الأمن القومى، وإيقاف السد، لأنه اختار الطريق الأسهل من رشوة شخصيات أفريقية للتأثير على قراراتها السياسية أو تصويتها فى مؤتمرات حوض النيل، غير مهتم بالسعي نحو التنمية الحقيقية لدول الحوض، وأن التنمية بالأساس ستربط الشعب المصري بالإخوة الأفارقة، وستنشئ بينهما علاقة ممتدة لسنوات طويلة لا تنتهى برحيل شخصية أفريقية تلقت أمولا من مبارك".
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: "إنه من غير المقبول أن يستخدم رئيس مصر سلطاته فى إنفاق ملايين الدولارات على شخصيات أفريقية، بدعوى توطيد العلاقات، وحل أزمة حوض النيل، ومن غير المقبول أن يمر هذا الملف مرور الكرام دون أن يحاسب عليه مبارك وزكريا عزمي على أموال الشعب، وعلى أربعة ملايين دولار، كانت تكفى لبناء آلاف الوحدات السكنية لشباب مصر، وتوفير مئات من فرص العمل فى سوق انتشرت فيه البطالة".
وشددت على أن القرار الحكيم هو ألا تحبس أوراق تلك القضية فى أدراج النيابة العامة، وأن تفتح تحقيقاتها مرة أخرى، مشيرة إلى أن هذا ما شرع فيه جهاز مكافحة الكسب غير المشروع قبل أربعة أسابيع عندما استدعى زكريا عزمي لسماع أقواله، والوقوف على حقيقة إنفاق الأموال، وتحديد المسؤول عنها.