يعتصر الحزن امرأة في حجرة مظلمة.. إنها صورة رسمها
فنان، لكنها تترك في النفس تأثيرا لا يقل قوة عن آلاف الصور ومقاطع الفيديو من
الحرب الأهلية السورية التي تعرض على شاشات الكمبيوتر والتلفزيون في مختلف أنحاء العالم.
هذه اللوحة من رسم الفنان يوسف عبدلكي (63 عاما) الذي بقي في مرسمه بدمشق، بينما فرت أعداد كبيرة من مواطني بلاده من الصراع الذي يحث الخطا نحو عامه الرابع.
وفي حين ينتشر النشطاء والصحفيون من وسائل الإعلام الحكومية على الجبهة لتسجيل انفجار كل قذيفة وكل اشتباك، فإن عبدلكي وجد طريقته الخاصة لترجمة معاناة ابنائه من الشعب السوري؛ باستخدام اقلام الفحم والورق.
وقال عبدلكي في معرض فني في بيروت، حيث تعرض العشرات من أعماله: "أعتقد أن كل الأعمال تعبر بطريقة او اخرى عن مخاوف ومشاعر المواطن السوري العادي، وسط هذا النهر الجارف من الدماء."
ويركز في كثير من أعماله على لحظات صغيرة حميمية، بدلا من محاولة تقديم صورة عامة عن الحرب الاهلية التي أودت بحياة 130 ألف شخص، وأسفرت عن نزوح الملايين عن ديارهم، ودمرت أحياء كاملة بمدن
سوريا.
تحتضن الأم الثكلى صورة ابنها القتيل وهي تنتحب، ويستقر ابريق للشاي على لوحة شطرنج وهما من الأشياء المعتاد وجودها في الكثير من البيوت السورية.
ويظهر كوبان من الشاي على مقربة ملطخين باللون الاحمر، وكأنهما ينزفان إثر إصابتهما بعيارات نارية.
وقال عبدلكي: "القتل والدمار اكبر من أن يستوعبه المرء بسهولة."
وأضاف: "نحن الآن في قلب العاصفة؛ لهذا من الصعب جدا أن يرى المرء الآثار الثقافية الحقيقية مجسدة في إنتاج فني إبداعي."
ولم يخش عبدلكي من انتقاد السلطات فيما مضى، فالمعرض الذي يقيمه هذا الشهر هو الأول الذي يقيمه في لبنان منذ سجن في سوريا لمدة شهر، الصيف الماضي، بعد أن وقع على إعلان يطالب برحيل الرئيس بشار الاسد.
وكان سجينا سياسيا من عام 1978 الى عام 1980 في عهد الرئيس السابق حافظ الاسد والد بشار، ولم يعد الى دمشق الا عام 2005 بعد أن عاش في المنفى في فرنسا.
ويتجول عبدلكي في الشرق الأوسط مرافقا أعماله، لكنه يعود دائما الى قاعدته في دمشق.
واختفت المناسبات الثقافية مثل افتتاح المعارض الفنية والمحاضرات بسبب أعمال العنف في معظم أنحاء البلاد حتى في وسط العاصمة الذي كان يوما منطقة آمنة.
وقال عبدلكي: "العرض في حد ذاته صعب جدا، وليس له أي معنى؛ لأن لا أحد يأتي."