كتاب عربي 21

جهود دولية لطمس الرواية الفلسطينية عن الحرب

استهداف ممنهج الإعلاميين والرواية الفلسطينية- الأناضول
أشار التسريب المنسوب إلى المحلل العسكري اللواء فايز الدويري، والخاص بسبب توقف تحليله لمجريات الحرب في غزة على قناة الجزيرة، إلى مدى الحصار الذي يتعرض له المضمون المُناصر للمقاومة، حين برر توقفه بأنه نتيجة اتصال وزير الخارجية الأمريكي بوزير الخارجية القطري اعتراضا على ما يقوله الدويري، والذي ذكر أنه كان يقول رُبع ما يجب أن يقوله خشية إغلاق القناة.

وسواء كان التسريب صحيحا أو كان مرض الدويري هو السبب كما قال بعدها، فإن شواهد عديدة أخرى تؤكد الحصار الذي تتعرض له رواية المقاومة عن الحرب، منها حجب فرنسا بث قناة الأقصى الناطقة بلسان حماس، وحظر شركة ميتا المالكة لمنصتي فيسبوك وانستجرام لحسابات وسائل الإعلام المُعبرة عن المقاومة، وحذف كثير من الفيديوهات التي يقوم سكان غزة أو الصحفيون بها ببثها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي من قتل وتدمير ووحشية وإبادة جماعية.

وها هم مدونون هنود كارهون للإسلام ببلادهم يقومون بالتشكيك في الرواية الفلسطينية، باتهام فلسطينيين بأنهم يمثلون مشهد الموت، حتى أنهم وسموا الفلسطينيين بمسمى بوليود (السينما الهندية) على نمط كلمة هوليود، إلى جانب ما ذكرته إحدى الصحف الإسرائيلية مؤخرا عن ثلاثة مواقع إسرائيلية، متخصصة في الإساءة لمنظمة الأونروا وادعاء مشاركة بعض موظفيها في عملية طوفان الأقصى، حتى نجحت في تخلى عدد من الدول الغربية عن الإسهام في تمويل الأونروا قبل انتهاء التحقيق في تلك الاتهامات.

يحاصر الإعلام الغربي والعربي الرواية الفلسطينية عن الحرب، فإذا كانت وسائل الإعلام الغربية منحازة للرواية الإسرائيلية عن الأحداث، وتقوم بتضخيم الأضرار التي تلحق بإسرائيل وتبرير عملياتها العسكرية، وتصوير الفلسطينيين على أنهم المبادرون بالعنف، وتشكك في المادة الفلسطينية المصورة بحجة أنها مفبركة أو معدلة رقميا، ولم تكترث بمقتل 136 صحفي حتى الآن خلال تغطيتهم لأحداث الحرب في غزة.. فإن وسائل الإعلام العربية تعتمد في تغطيتها للحرب على وكالات الأنباء المنحازة لإسرائيل

ولقد تعرض حسابي الشخصي وحسابات عدد من أصدقائي لتلك المضايقات من قبل إدارة فيسبوك، لمجرد وجود مضمون مناصر للمقاومة على صفحاتنا، وها هي منصة إكس (تويتر) مليئة بالعديد من الشكاوى من قبل المُناصرين للمقاومة من حظر وصول التغريدات، ومنها حساب طوفان الأقصى وحساب الإعلامي وائل الدحدوح وغيرها الكثير، في حين أن الحسابات التي تهاجم المقاومة خاصة ذات الأسماء العربية تمارس تغريداتها بكل حرية.

مقتل 136 صحفيا بحرب غزة

وعندما انتقد مناصرو إسرائيل منصة إكس لسماحها بنشر محتوى مناصر للقضية الفلسطينية، سارع صاحبها رجل الأعمال الكندي الأمريكي الجنسية إيلون ماسك بزيارة إسرائيل والظهور وسط الجنود مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، محققا دعاية للرواية الإسرائيلية عن الحرب، بينما لم يستجب لدعوة المقاومة لزيارة غزة لمشاهدة ما حدث بها من دمار على الطبيعة وحتى تكتل الصورة لديه.

ولعل شكوى البرنامج الكوميدي جو شو من التضييق على المحتوى الفلسطيني الذي يعرضه، أحد الشواهد على ما تتعرض له الفضائيات المناصرة للمقاومة من مصاعب، وهو ما تكرر مع قناة الشعوب وغيرها، في حين تمارس فضائيات تابعة للسعودية والإمارات دورها في التشكيك في صمود المقاومة، وتسعى لشق الصف الغزاوي، وتسمح فضائيات مصرية لإعلاميين بالإساءة لجهود المقاومة في غزة.

وهكذا يحاصر الإعلام الغربي والعربي الرواية الفلسطينية عن الحرب، فإذا كانت وسائل الإعلام الغربية منحازة للرواية الإسرائيلية عن الأحداث، وتقوم بتضخيم الأضرار التي تلحق بإسرائيل وتبرير عملياتها العسكرية، وتصوير الفلسطينيين على أنهم المبادرون بالعنف، وتشكك في المادة الفلسطينية المصورة بحجة أنها مفبركة أو معدلة رقميا، ولم تكترث بمقتل 136 صحفي حتى الآن خلال تغطيتهم لأحداث الحرب في غزة.. فإن وسائل الإعلام العربية تعتمد في تغطيتها للحرب على وكالات الأنباء المنحازة لإسرائيل، وليس لغالبيتها مراسلون في غزة كما لا تتعامل مع الصحفيين الموجودين بغزة. كما تخصص مساحات محدودة في الصحف لأخبار الحرب قد لا تتعدى ربع صفحة، بالمقارنة بتخصيص صفحتين يوميتين للرياضة وصفحة للفن، وتتعامل مع الضحايا الفلسطينيين كأرقام بينما تتعامل وسائل الإعلام الغربية مع ضحايا إسرائيل من خلال بث قصص إخبارية عن كل ضحية على حدة لتثير تعاطف الجمهور معهم.

وها هو الإعلام المصري تغيب عنه أخبار التظاهرات التي تجوب مدن العالم أسبوعيا، أو الوقفات التضامنية محدودة العدد التي حدثت في الداخل، كذلك لا يبث المواقف المناصرة للحق الفلسطينى من قبل عدد من قادة دول أمريكا اللاتينية أو غيرهم، بينما يتم بث مواد إعلامية تستهدف الحرب النفسية ضد المناصرين للمقاومة، والتوسع في نشر صور طوابير الحصول على الطعام في غزة، كنوع من اللمز عن تسبب عملية طوفان الأقصى في تلك المشاهد حسب رؤية السلطة الفلسطينية لذلك، ونشر حالة من اليأس لدى المتعاطفين مع المقاومة.

المواقع القطرية ما زالت محجوبة بمصر
كافة الأطراف من قادة عرب وغربيين، يسعون لكسب مزيد الوقت من خلال تلك التصريحات والزيارات والاجتماعات والاتصالات، لإتاحة الفرصة للجيش الإسرائيلي للقضاء على المقاومة وإبادة أكبر عدد من السكان، حتى تدفعهم إلى الهجرة الاضطرارية، عندما يجدون أنفسهم بلا مسكن وبلا مرافق وبلا فرص عمل، نتيجة التآمر العربي الغربي

وعندما يرغب الجمهور المصري مثلا في التعرف على المزيد من أخبار الحرب، من خلال موقع قناة الجزيرة أو موقع قناة الجزيرة مباشر، فإن تلك المواقع ما زالت محجوبة عبر شبكة الإنترنت، رغم الصلح ما بين قطر ومصر منذ بداية عام 2021، ونفس الحجب لوكالة أنباء الأناضول رغم زيارة أردوغان لمصر، وهو الحجب الذي ما زال مطبقا على عشرات المواقع الإخبارية التي لا ترضى عنها السلطات المصرية سواء في الداخل أم في الخارج والتي منها موقع "عربي21".

ورغم كل هذا الحصار الغربى والعربى للرواية الفلسطينية عن الحرب، فقد تسببت صور الدمار الذي لحق لغزة ومشاهد القتل الجماعي، وخروج التظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار، في اقتناع كثير من الأجيال الشابة في الدول الغربية بالرواية الفلسطينية عن الأحداث، لكن هؤلاء يحتاجون إلى مواصلة إمدادهم بأحداث عمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل، مستندة إلى الدعم الأمريكي والغربي، وكشف صور الخداع التي تمارسها الدول الغربية والعربية بالإعلان عن اعتراضها على دخول القوات الإسرائيلية إلى رفح المكتظة بالسكان، بينما لم تمارس أية خطوات عملية تمنع إسرائيل عن ذلك، مثلما سكتت عن المجازر التي أعقبت الغزو البري لشمال غزة، والمجازر التي تكررت مع الغزو البري لوسط غزة والقصف الجوي الذي نالت رفح منه أيضا، والخداع الذي تمارسه حاليا بإسقاط مساعدات غذائية من الجو بكميات ضئيلة لا تتناسب بالمرة مع المجاعة التي تعيشها غزة، بينما عشرات الشاحنات واقفة أمام معبر رفح منذ أسابيع حتى انتهت صلاحية بعضها.

ثم تبدو الحقيقة المؤلمة، وهي أن كافة الأطراف من قادة عرب وغربيين، يسعون لكسب مزيد الوقت من خلال تلك التصريحات والزيارات والاجتماعات والاتصالات، لإتاحة الفرصة للجيش الإسرائيلي للقضاء على المقاومة وإبادة أكبر عدد من السكان، حتى تدفعهم إلى الهجرة الاضطرارية، عندما يجدون أنفسهم بلا مسكن وبلا مرافق وبلا فرص عمل، نتيجة التآمر العربي الغربي على غزة الممتد على مدار الأشهر الستة الماضية.

twitter.com/mamdouh_alwaly