تزداد المخاوف يوما بعد يوم في ظل نزاعات دولية خطيرة: الحرب الروسية الأوكرانية، وتهديدات موسكو للغرب في حال توسيع حلف الناتو، وقبول عضوية دول تعارضها، ومخاوف مهاجمتها لدول البلطيق، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومضاعفاتها على المنطقة ككل، والمواجهة الإسرائيلية الأمريكية مع إيران لردعها عن امتلاك سلاح نووي، والصراعات في القرن الإفريقي، والسودان، واحتمالية اندلاع مواجهات على مستوى دولي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، أو الولايات المتحدة والصين بسبب جزيرة تايوان، والتهديد المستمر لكوريا الشمالية لجارتيها كوريا الجنوبية واليابان، والمواجهات الأذربيجانية الأرمنية، والباكستانية الهندية بسبب كشمير.
في ظل هذه التوترات الإقليمية والدولية، يعبر حلف شمال الأطلسي في مؤتمر ميونخ للأمن السنوي عن درجة عالية من التشاؤم في الدول الغربية إزاء آفاق أمنها وازدهارها.
التصريحات الصادرة عن مسؤولين دفاعيين في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تشير صراحة لتهديدات روسية ليست بالبعيدة. إذ كشف وزير الدفاع الدانماركي، ترويلز لوند بولسن، عن «معلومات جديدة» تفيد أن روسيا قد تشن هجوما على إحدى دول «الناتو» خلال 3 إلى 5 سنوات مما يهدد بنشوب صراع واسع النطاق حال حصول اعتداء روسي على أي دولة من الدول الـ 31 الأعضاء في الناتو، وشدد قائد الجيش الألماني الجنرال، كارستن بروير، على أهمية أن تكون قواته «مؤهلة لخوض حرب» في غضون 5 سنوات وإنها المرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة تواجه فيها البلاد احتمال وقوع حرب يفرضها طرف خارجي.
وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في مؤتمر ميونيخ للأمن، إن بناء هيكل أمني أوروبي مشترك لم ينجح لأن الكرملين يسعى إلى استعادة سيطرته على شرق ووسط أوروبا مجدداً» وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش :»حتى حقبة الحرب الباردة كانت – في بعض النواحي – أقل خطورة» مشيرًا إلى أن المخاطر النووية لاتزال قائمة» ودعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» ينس ستولتنبرغ لأعضاء الحلف لزيادة إنفاقها العسكري وقال إن الأعضاء الأوروبيين وكندا أضافوا أكثر من 600 مليار دولار إلى إنفاقهم الدفاعي، ونشرت عدة مصادر غربية عن قيام روسيا بتطوير قدرات مضادة للأقمار الصناعية في الفضاء، وقال خبراء إن الولايات المتحدة لا تملك القدرة على مواجهة مثل هذا السلاح.
لا توجد حتى دولة عربية تمتلك مصنعا حربيا للأسلحة، وتعتمد على شراء الأسلحة وقطع الغيار من الدول الأخرى التي ستكون مشغولة عنها، فإن جيوشها ستكون في خطر حقيقي في حال اندلاع حرب
وتقول موسكو إن الولايات المتحدة تطور أيضا مجموعة من الأسلحة الجديدة. وتدور نقاشات حامية في ألمانيا وأوروبا لإنشاء درع نووي أوروبي.
وازدادت مخاوف الأوربيين بعد تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة ربما لن تحمي أعضاء الحلف الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع من غزو روسي محتمل، بل قال إنه سيحرض موسكو على مهاجمتهم، وعقب هذه التصريحات، قالت فرنسا إن أوروبا في حاجة إلى بوليصة «تأمين على الحياة» أخرى إضافة إلى الناتو لضمان أمن القارة.
ومن ناحية أخرى ينظر الغرب بعين الريبة والحذر من التحالف الدولي الذي تقوده روسيا (البريكس الذي يضم روسيا والصين، والهند، وجنوب إفريقيا، والبرازيل) وربما هذا التحالف سيلعب دور الاتحاد السوفييتي السابق نفسه في الحرب العالمية الثانية.
خلال الحرب العالمية الأولى كانت التحضيرات لزج العرب في هذه الحرب ضد السلطنة العثمانية تجري على قدم وساق، فدول الحلفاء التي كانت تخطط لإسقاط الإمبراطورية العثمانية كانت تخشى ثورة من مسلمي الهند (لم تكن باكستان قد انفصلت عن الهند) والدول العربية والانضمام للسلطنة مما قد يؤدي إلى انتصارها على الحلفاء (فرنسا وبريطانيا) فكان لابد من الاحتيال على العرب بالاتفاق مع أمير مكة الشريف حسين بن علي في مكة عبر مراسلات الحسين ـ مكماهون الشهيرة التي تعد الشريف حسين بإنشاء مملكة عربية شريطة الانضمام للحلفاء وطرد العثمانيين من البلاد العربية، وقد قام الشريف حسين بما سمي «بالثورة العربية الكبرى» وأرسل قوات عربية بقيادة الأمير فيصل لضرب القوات العثمانية، وهنا لابد من القول إن هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح أدخل العالم العربي بأكمله في أزمات لا تنتهي خلال أكثر من قرن، ومن مخلفاتها الحرب على غزة حاليا، لأن الحلفاء نكصوا بوعودهم للشريف حسين وقاموا بنفيه إلى قبرص بعد الحرب يحمل في جيبه رسائل مكماهون، وقاموا بتنفيذ مؤامرتهم الكبرى في وعد بلفور، واتفاقية سايكس ـ بيكو، ومؤتمر سان ريمو الذي شرع للانتداب الفرنسي البريطاني فتم احتلال سوريا والعراق وفلسطين (والأردن حاليا) فلو بقي العرب إلى جانب تركيا وحرض الشريف حسين مسلمي العالم لنصرتها لربما تغيرت مجريات الحرب بأكملها، وفي أضعف الأحوال لربما لم يستطع الحلفاء تنفيذ كل مخططاتهم، وحافظ العرب على علاقات متينة مع تركيا الذين هم أحوج ما يكونوا إليها اليوم.
بطبيعة الحال لم يكن لدى العرب أي قرار بأيديهم قبيل الحرب العالمية الثانية لأن كل
الدول العربية كانت محتلة (دول شمال إفريقيا محتلة من قبل فرنسا، دول الشرق الأوسط والسودان محتلة من قبل فرنسا وبريطانيا، دول الخليج العربي واليمن محتلة من قبل بريطانيا) ودخل أيضا العرب في معارك مع اليهود الصهاينة في فلسطين بعد أن استيقظوا من غفلتهم ووعوا هول المؤامرة التي تحاك لهم في أكبر عملية استعمار استيطاني في القرن العشرين، ورغم ذلك تحولت بلادهم لساحات حرب بين دول الحلفاء (أمريكا، بريطانيا، الاتحاد السوفييتي ) ودول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) بالإضافة إلى مقتل مئات الآلاف من العرب المجندين قسرا من قبل فرنسا (خاصة من بلاد شمال إفريقيا) على الحدود الألمانية الفرنسية في منطقة فيردان، ومقابرهم المنتشرة على أطراف هذه المدينة تشهد على ذلك. ورغم وقوف العرب مرة أخرى مع الحلفاء في حربهم (التي ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل) لم ينالوا استقلالهم إلا بعد ثورات عارمة راح ضحيتها الملايين من مواطني المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وسوريا والعراق.
إذا ما نظرنا إلى القوى في منطقة الشرق الأوسط فإننا نجد حاليا أن هناك ثلاث دول مهيمنة تمتلك لقدرات عسكرية كبيرة: إسرائيل، تركيا، إيران. فإسرائيل الحليفة الأولى للولايات المتحدة، وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وبالتالي فإنه من المستبعد أن تكون هناك أي مواجهة بينهما ولكن في حال وقوع الحرب فإنهما لاشك ستنخرطان فيها إلى جانب الحلف الأطلسي، أما الدول العربية فهي الطرف الأضعف في المنطقة إذا أخذنا كل دولة على حدة، ولا يوجد أي توقع لتكون مجتمعة في مواجهة أي اعتداء ومثال غزة ماثل أمامنا، ولا مصلحة لأي دولة في زج نفسها في هذه الحرب، ولكن ستكون بكل تأكيد مجددا مسرحا أيضا للحرب في حال اندلاعها فهي من ناحية مهيمن عليها من قبل إيران وروسيا وأمريكا التي تمتلك لقواعد بحرية وبرية فيها وميليشيات موالية لها، ولإسرائيل مطامع فيها وهي ستستغل الفرصة لتغيير الخريطة والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية والتوسع جغرافيا، وضرب إيران وقدراتها النووية.
أما دول الخليج التي وضعت نفسها تحت حماية أمريكا فإن كل قواعدها التي ستستخدمها أمريكا ربما ستصبح أهدافا لإيران كما يحصل اليوم في سوريا والعراق، وبما أنه لا توجد حتى دولة عربية تمتلك مصنعا حربيا للأسلحة، وتعتمد على شراء الأسلحة وقطع الغيار من الدول الأخرى التي ستكون مشغولة عنها، فإن جيوشها ستكون في خطر حقيقي في حال اندلاع حرب بسبب نقص الإمدادات لأنها لن تستطيع الحصول عليها. ويبقى مستقبلها مرهونا بالدول المنتصرة في الحرب، ومع الطرف الذي تحالفت معه. وباختصار كوضعها في الحربين السابقتين اللتين كانتا وبالا عليها فإنها في الثالثة المحتملة أيضا لا تمتلك مفتاح أمنها ولا مصيرها.