"فكرة الإضراب الشامل باختصار هي القيام بتعطيل وشلل في حركة الحياة في الدولة، مما سيؤثر على العجلة الاقتصادية، وهذا الأمر سيجعل الحكومات والشركات الكبرى، تشعر أنها متأثرة بشكل مباشر، جرّاء العدوان على قطاع
غزة، مما سوف يجعلها تتخذ موقفا حاسما"، هكذا أماطت الناشطة إسراء الشيخ، قبل أسبوع، اللثام عن انطلاق حملة الإضراب العالمي.
وأضافت إسراء، التي باتت تُعتبر مركز قيادة الإضراب العالمي: "نضرب عن الذهاب إلى المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وفتح المحلات التجارية سواء الصغرى أو تلك الموجودة في المولات الكبرى؛ أعرف أن الموضوع ليس سهلا، وهناك الكثير من الناس المتخاذلة.. لكن حين يتخذ هذا الموقف بشكل جماعي بإمكاننا أن نؤثر".
تجاوب مُتسارع
دعوة "الإضراب العالمي الشامل" تضامنا مع قطاع غزة المحاصر، الذي يعيش في ظل وضع كارثي وقصف متواصل لم يرحم لا حجرا ولا بشرا، وانتهك كل المواثيق الدولية والقوانين المؤطرة للحرب وحقوق الإنسان، تم استقبالها من جُل رواد مُختلف منصات التواصل الاجتماعي، بصدر غاضب ومتجاوب مع التضامن العالمي.
وتفاعل كل من الناشطين والمؤثرين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي مع وسم "إضراب من أجل غزة" و"strikeforgaza"، الذي اجتاح مواقع التواصل؛ فيما اعتقد القائمون على الحملة أن "شلّ حركة الحياة والعجلة الاقتصادية في كل الدول، قد يسهم في جعل الجميع يشعرون بأنهم يتأثرون بشكل مباشر من العدوان على غزة".
ورصدت "عربي21" تسارع التجاوب مع دعوة الإضراب العالمي، في عدد من دول العالم؛ أبرزها الأردن ولبنان وكندا، حيث عرفوا استجابة واسعة، فكان الإضراب شبه شامل.
في هذا السياق، قال الخبير الدولي في إدارة الأزمات، البراق شادي عبد السلام، إن "الإضراب العالمي الشامل للتنديد بالوضع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة بعد أكثر من ستين يوما من العدوان الغاشم والمروع للاحتلال الإسرائيلي على المدنيين والعزل والأطفال، قد يكون له أثر على تعاطي المجتمع الدولي مع الأحداث بمزيد من المسؤولية والوضوح".
وأضاف شادي عبد السلام، في حديثه لـ"عربي21": "لعل الوضع سيبقى مشتعلا طالما هناك تغطية دولية، ولو بالصمت لجرائم الحرب في حق المدنيين؛ لكن الإضراب يأتي بعد فشل المجتمع الدولي وباقي القوى الإقليمية في التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار ينهي معاناة سكان القطاع اليومية، خاصة بعد إسقاط مشروع قرار مجلس الأمن الداعي لوقف فوري لإطلاق النار بفيتو أمريكي".
عمّان الاستثناء
عدد من الدول العالمية، استجابت مع دعوة "الإضراب الشامل"، الاثنين الماضي، للضغط من أجل وقف حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة؛ غير أنه بحسب عدد من المحللين، وكذا عدد من الصور ومقاطع الفيديو المُتداولة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، أظهرت أن "الأردن" كان الاستثناء.
على طول شوارع عمّان رصدت "عربي21" استجابة واضحة مع الإضراب، حيث أغلقت أعداد كبيرة من المحال التجارية أبوابها، وعُلّقت لافتات تشير إلى إضرابها من أجل قطاع غزة؛ فيما كشف التراجع الملحوظ في حركة السير وأعداد الطلبة المتوجهين إلى المدارس، مستوى التجاوب مع الإضراب.
وقال المختص في القانون الدولي، عبد القادر العزة، إن "الإضراب الشامل هو وسيلة للتعبير والضغط السلمي على المجتمع الدولي والحكومات وإجبارها على التحرك بشكل جاد لوقف مجازر الاحتلال الإسرائيلي وجرائم الإبادة المتواصلة منذ أكثر من شهرين. حيث يلفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية في قطاع غزة ويعزز وعيًا دوليًا حول الحاجة الملحة لوقف الحرب. كما يُظهر الإضراب الشامل التضامن الشعبي بين الناس وهذا ما كان واضحا في الضفة الغربية ودول الطوق".
وتابع العزة، في حديثه لـ"عربي21" بأن "نجاح هذا الإضراب قائم بالتأكيد على الدعم الشعبي والضغط الاقتصادي. وبالتأكيد يمكن أن يساهم هذا الإضراب في تحفيز الحكومات العربية وحتى الغربية على التحرك".
وأضاف: "بطبيعة الحال لا يكون الإضراب الشامل بمفرده كافيًا لتحقيق النتائج المطلوبة، وربما يتعين توجيه جهود دبلوماسية وسياسية أخرى للتأثير على القرارات الحكومية وإجبار الاحتلال على وقف العدوان".
الإضراب الشامل والمقاطعة.. ما الفرق؟
أثارت الدعوات إلى "إضراب شامل" جُملة من النقاشات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، بين من اعتبرها حملة تضامنية بفكرة جديدة، وبين من ربطها بالعصيان المدني، فيما تظل أبرز المنشورات والتغريدات، هي التي مزجت بين الإضراب وبين المقاطعة، ووضعهم في سلة واحدة.
ومن أجل توضيح هذا اللبس القائم، سألت "عربي21"، المختص في القانون الدولي، عبد القادر العزة، ليجيب: "بالتأكيد هناك فرق كبير، ولكن هناك تكامل وتناغم بينهما انطلاقا من أن الهدف واحد، فكلاهما ينطوي على تمثيل نوع من الرفض والتكافل والتعبير، إلا أنهما يختلفان في النطاق والطريقة التي يتم بها التأثير".
وأفاد بأن "المقاطعة تركز على رفض الفرد أو الجماعة للمشاركة في دعم أو استهلاك منتج أو خدمة، ويمكن أن تشتمل على عدم شراء سلعة محددة أو عدم التعامل مع شركة أو مؤسسة بناءً على مبادئ أخلاقية أو سياسية أو دعمها لسياسات الاحتلال الإسرائيلي؛ فيما يتضمن الإضراب الشامل توقفا شاملا للأنشطة الاقتصادية أو الاجتماعية والوظيفية في دولة أو مدينة معينة، وعادة ما يكون تنظيمه من قبل مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والمؤسسات الدولية".
وخلص العزة، في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه "بشكل عام، يمكن القول إن المقاطعة تركز على المستوى الفردي، في حين يشمل الإضراب الشامل توقفًا على نطاق أوسع ويتطلب تنظيمًا شعبيًا واسعا".
بيانات مُتواصلة
للمشاركة في الإضراب الشامل بخصوص دعم قطاع غزة المحاصر، صدرت عدد من البيانات الحكومية والشعبية، في عدد من البلدان العربية، من بينها إعلان الكتلة البرلمانية الجزائرية الداعمة للإضراب العالمي.
وكشف النائب الجزائري، عايد عبد الكريم، عن بيان الكتلة البرلمانية الداعم للإضراب العالمي، بالقول: "كما تعلمون القانون يهمنا، والجزائر تهمنا، لكن ما يهمنا أكثر في الوقت الحالي هو ما يحدث لإخواننا في غزة، ونعتبر أن مصيرنا ومصيرهم واحد".
وأضاف النائب الجزائري، في قراءته للبيان: "تقف الشعوب الحرة اليوم مصطفة مع الحق الفلسطيني، ومنددة بالإرهاب العالمي المتوحش، ضد النساء والأطفال العزل، في حراك عالمي اختلفت وسائل التعبير فيه، عن الرفض لما يحدث في أرض فلسطين العزة، وفي هذا الصدد وتماشيا مع الحراك العالمي، تعرب المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السلم عن دعمها الكامل لمختلف الفعاليات التي يقوم بها أحرار العالم".
من جهته، أصدر كل من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومجلس الوزراء اللبناني، بيانا مشابها، يدعم الإضراب العالمي من أجل غزة، وكذا إعلانا بـ"إغلاق كافة الإدارات والمؤسسات في البلاد".
تجدر الإشارة إلى أن دعوة الإضراب العالمي، تأتي بعد أيام من فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض، بينما أيد 13 عضوا من أعضاء المجلس الـ15 المشروع، مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
وقال الخبير الدولي في إدارة الأزمات، البراق شادي عبد السلام، إن "طبيعة الإضراب العالمية تجعل منه حالة فريدة من التضامن الإنساني رفضا لجرائم الاحتلال في حق المدنيين والمنشآت الاستشفائية ودور العبادة ومخيمات اللاجئين، وهو رسالة تنديد عالمية الأبعاد إلى المجتمع الدولي من أجل وقف الحرب على غزة بالمزيد من الضغط على الحكومات للتدخل من أجل وقف أنهار الدماء التي تسيل في غزة في ظل الصمت المتواطئ للقوى الدولية".
فنانون متضامنون
"لا تستخدم حسابك المصرفي أبداً، لا تشترِ شيئاً (لا نقداً ولا إلكترونياً)، لا تغادر بيتك أبداً في غير حاجة ملحّة، عطّل حساباتك على شبكات التواصل الاجتماعي مع مشاركة فقط وسم (هاشتاغ) strikeForGaza الذي دخل قائمة الأكثر انتشاراً عالمياً"، هكذا عبّر عدد من الفنانين والإعلاميين، في عدد من الدول.
وتفاعل مختلف الفنانين والإعلاميين، مع دعوة الإضراب الشامل، بجُملة من التغريدات والتدوينات على حساباتهم الشخصية؛ من بينهم ما نشرته الفنانة السورية من أصل فلسطيني، نسرين طافش، عبر خاصية "ستوري" على حسابها بمنصة "انستغرام"، وهي صورة عبّرت من خلالها عن تضامنها الكامل مع فلسطين، مرفقة بأغنية للفنانة اللبنانية جوليا بطرس.
من جهته، نشر الممثل، عابد فهد، عبر حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا)، صورة تظهر تضامنه مع الشعب الفلسطيني؛ كما نشرت الفنانة، شكران مرتجى، على حسابها عبر "انستغرام"، صورة باللون الأسود تظهر خريطة فلسطين ومعها الدعوة للمقاطعة والتضامن من أجل الشعب الفلسطيني، مرفقة بتعليق جاء فيه: "اسمي فلسطين".
ويشهد قطاع غزة المحاصر، في اليوم الـ68 على العدوان، مواصلة جيش الاحتلال شن غاراته على مختلف مناطق القطاع، ما أسفر عن ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة آخرين بجروح مختلفة. فيما تتجدد دعوات "الإضراب الشامل" ليوم الاثنين القادم.