منذ اندلاع الأحداث الجسام في أرض غزة، في
السابع من أكتوبر، والشعوب العربية والإسلامية تتطلع لدور وموقف قوي يقوم به
الرئيس التركي أردوغان، بناء على ما عرفه الناس من تاريخه ومواقفه في مثل هذه
الأحداث الجسام التي تبتلى بها الأمة، وبخاصة ما يتعلق بالشأن
الفلسطيني، فتركيا
في فترة حكم العدالة والتنمية غير
تركيا قبل توليه الحكم، سواء في ظل حكم أردوغان
أو سابقه الرئيس عبد الله جول.
والحق أن مواقف تركيا رئاسة وحكومة وشعبا،
كانت مع قضايا غزة وفلسطين، مواقف مساندة بقوة، أكثر من مساندة دول عربية، لكن في
الأزمة الأخيرة، لم تجد الشعوب نفس
الموقف السابق، بل كانت المواقف دون الآمال،
ومخيبا لها للأسف، من حيث مستوى الدعم والمساندة المنتظر من تركيا وأردوغان، بل إن
أول تصريح صدر من أردوغان لم يكن موفقا، وكان مثار انتقاد، حتى صرح بذلك القيادي
في حماس أسامة حمدان، بأن التغريدة التي صدرت عن أردوغان تكاد تسوي بين الظالم
والمظلوم، وليس ذلك هو المأمول والمنتظر من تركيا، حيث إن الجماهير فوجئت بأردوغان
جديد غير القديم تماما.
أردوغان القديم وغزة:
كان أردوغان القديم الذي أحبته الشعوب
العربية والإسلامية، في مواقفه من غزة والمقاومة، معبرا بحق عن ضمير الأمة، وكانت
ترى فيه رمزا قويا صلبا في هذه القضية وقضايا الحق والعدالة، وأذكر أن عام 2008م،
حين شنت إسرائيل حربا على قطاع غزة، وعندئذ شمر أستاذنا المرحوم العلامة القرضاوي
عن ساعده، وتحرك رغم كبر السن، واعتلال الجسد، وطاف على كثير من حكام العرب
والمسلمين، ليوقف الحرب على غزة.
بدأ بأمير قطر الأمير الوالد الشيخ حمد بن
خليفة، ثم بالملك عبد الله آل سعود ملك السعودية، ثم ببشار الأسد رئيس سوريا، ثم
بالملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن، وحاول أن يتم ترتيب لقاء مع الرئيس مبارك،
لكن لم يتم ذلك، وتم الاتصال بالسيد عمرو موسى ورحب باللقاء، وقد كان وقتها أمينا
عاما لجامعة الدول العربية، وكان ختام الرحلة مع تركيا، كان أردوغان وقتها رئيسا
للوزراء، وكان خارج البلاد، يتحرك أيضا في ملف غزة، وتم اللقاء بالرئيس عبد الله
جول، الرئيس التركي آنذاك.
كانت تركيا في هذا الوقت، بكل أجوائها تنطق
بدعم المقاومة، شعبيا ورسميا، بشكل لافت للنظر، تنزل من المطار، فتجد سيارات
التاكسي عليها أعلام فلسطين، وشارات المقاومة، والحافلات الخاصة والعامة، وهو تصرف
تلقائي، نابع عن موقف الشعب التركي من المقاومة، ومن الحرب على غزة.
بل رأينا مواقف الدولة التركية القوية، حين
خرج أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، وكان فيه أتراك، وقد استشهد على متن هذا
الأسطول أتراك، ووجد الناس وقفة شامخة وقوية للسياسة التركية، رئيسا وحكومة وشعبا،
وإن لم تؤد الجهود إلى عقاب للكيان الصهيوني على قتله المدنيين من الناشطين، لكن
حسب لتركيا وقتها الحراك القوي، وعدم التنازل عن حقهم.
كما كانت مواقف أردوغان من مظالم الشعوب
العربية والإسلامية، بارزة واضحة ومميزة للرجل وسياسته، ومن ذلك موقفه من رابعة،
سواء على مستوى التصريحات أو المواقف، وعلى مستوى سياساته الداخلية في تركيا في
التعامل مع ضحايا هذه المظالم، ولذا كانت مقارنة الجماهير بين مواقفه السابقة،
وبين المواقف الآن، والتي لا ترقى لخمسين في المائة من جهده ودعمه للقضية
الفلسطينية، في ظل مجازر يومية يقوم بها الاحتلال أكبر وأضخم من ذي قبل.
أردوغان الحالي ومجازر غزة:
الأداء المتواضع لأردوغان وحكومته في معركة
طوفان الأقصى، والذي لم يتعد حتى الآن التصريحات، أو التنديد والشجب، جعل الناس
تقارن بين هذا الأداء وأداء حكام آخرين، مفهومة مواقفهم، فالسيسي ونظامه ـ مثلا ـ
جاء بانقلاب عسكري، وطبيعي أن يكون تصرفه بهذا المستوى من الضعف أمام الصلف
الإسرائيلي، فلا يجرؤ على إرسال معونات عن طريق المعبر، بل يهدد النظام المصري بأن
أي قافلة ستستهدف، وقصف المعبر الذي حدث عدة مرات منذ بداية الأحداث، دلالة واضحة
على الضعف، رغم تجبر هذه السلطة مع أبناء شعبها.
أينا مواقف الدولة التركية القوية، حين خرج أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، وكان فيه أتراك، وقد استشهد على متن هذا الأسطول أتراك، ووجد الناس وقفة شامخة وقوية للسياسة التركية، رئيسا وحكومة وشعبا، وإن لم تؤد الجهود إلى عقاب للكيان الصهيوني على قتله المدنيين من الناشطين، لكن حسب لتركيا وقتها الحراك القوي، وعدم التنازل عن حقهم.
وبقية دول الخليج والدول العربية إلا من رحم
ربك، مواقفها متسقة تماما مع سياستها، وهي أنظمة هرولت نحو التطبيع الإسرائيلي،
بغض النظر عن رفض شعوبها لذلك، لأن معظم هذه الأنظمة جاء برضا الغرب، وبطمأنة
الكيان الصهيوني ناحية هذه الأنظمة، بل صارت بعض هذه الأنظمة أكثر حرصا على
الصهاينة من الصهاينة أنفسهم، بل يبالغون في التودد، وإلحاق الضرر والأذى
بالمقاومة وأهلها، لا يتورعون عن فعل ذلك، بل والتبجح بالإعلان عنه، والنماذج أكثر
من أن تحصر.
أما أردوغان فهو رجل جاء بانتخابات بالغة
الصعوبة، وجاء بأصوات ناخبين، النواة الصلبة منها والأهم هي التي تتطلع لمواقفه
المعروفة بالقوة من قضاياها، والدلالة على وصف هذا الآداء بأنه دون المستوى، ما
رأيناه من شائعات تنطلق على تركيا وأردوغان، بأنه سير شاحنات لدعم الكيان الصهوني
بالخضروات التركية، بسبب تضرر الكيان من طوفان الأقصى، ورغم كذب هذه الشائعات، لكن
السؤال الأهم: لماذا تطرح هذه الشائعات، وينطلي على بعض الناس، أنه وارد أن تكون
صحيحة، لأن مستوى الأداء في القضايا العامة والمهمة للأمة، لم تعد كما كانت في
سابق عهد أردوغان، مما هز الصورة الثابتة عن أدائه سابقا.
إن أردوغان يخسر من رصيده على مستوى جمهوره
وشعبه التركي نفسه، من القاعدة الصلبة التي تقف خلفه، بل ومن المحايدين، ولسنا
نقصد بذلك تحريضه على اتخاذ موقف، بل أن يكون كما هو، كما عرفه الناس، بحرقته على
قضايا الأمة، أردوغان القائد المسلم، والشخص القوي صاحب المواقف التي تقف خلف
المظلومين، لا أردوغان الحزبي الحريص على رضا الناخب التركي بالدرجة الأولى، وهو
حق له، لكن فيما يتعلق بالشأن التركي فقط، وغزة وفلسطين ليست من هذه القضايا، بل
من كبرى القضايا التي يتفق عليها المواطن التركي باختلاف توجهه، وهو ما ينتظره
الجميع من عودة أردوغان لسابق مواقفه المعهودة عنه، والتي كانت مثار فخر من مؤيديه
ومحبيه، بل من خصومه أنفسهم.