نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في القدس المحتلة، باتريك كينغسلي، قالت فيه "إن الزيارات الموازية التي قام بها هذا الأسبوع، وزير إسرائيلي إلى
السعودية، ومبعوث سعودي إلى الضفة الغربية، التي تحتلها إسرائيل، سلطت الضوء على العلاقات السريعة والدفء بين الدولة اليهودية وأقوى دولة عربية".
وأضاف التقرير، أنه "في أول زيارة علنية يقوم بها وزير إسرائيلي إلى السعودية، حضر وزير السياحة الإسرائيلي، حاييم كاتس، مؤتمرا سياحيا متعدد الأطراف في الرياض يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، نظمته الأمم المتحدة".
وسافر السفير السعودي لدى الفلسطينيين، نايف السديري، في الوقت نفسه، عبر نقطة تفتيش حدودية إسرائيلية لزيارة الضفة الغربية، حيث التقى بقادة السلطة الفلسطينية، وهي المنظمة التي تدير ما يقل عن 40 بالمئة من الأراضي التي تسيطر عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، قال عدد من الخبراء، إن زيارة السديري، المقيم في الأردن المجاور، "كانت أول زيارة معروفة لمسؤول سعودي إلى المنطقة منذ أن استولت إسرائيل عليها من الأردن في حرب عام 1967 بين إسرائيل وجيرانها العرب".
ويشار بحسب المصدر نفسه، إلى أنه: "لم يكن من الممكن تصور هاتين الزيارتين في معظم تاريخ إسرائيل، حيث رمزت إلى كيفية قيام إسرائيل والسعودية بتمهيد الطريق تدريجيا لإضفاء الطابع الرسمي على علاقتهما، وسط تصاعد الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة للتوسط في صفقة بين البلدين".
وقال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في اجتماع لمجلس الوزراء، الأربعاء الماضي: "إنك ترى أشياء لم يكن من الممكن حتى تصورها قبل عدة سنوات"، فيما لم تعترف السعودية قط بالدولة اليهودية منذ تأسيسها عام 1948، مفضلة على غرار معظم الدول العربية، نبذ دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى توافق على السماح بإنشاء دولة فلسطينية.
وأشار قادة عدد من الدول العربية، منذ وقت قريب، إلى أنهم يفكرون في الاعتراف بإسرائيل على الرغم من الهدوء الذي دام قرابة عقد من الزمن في محادثات السلام بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين؛ بينما ساعدت المخاوف المشتركة من
إيران، إلى جانب الرغبة المتبادلة في زيادة الروابط التجارية والتعاون العسكري، في إبرام ثلاث اتفاقيات دبلوماسية، توسطت فيها إدارة ترامب في عام 2020، بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وثلاث دول عربية.
وبعد ثلاث سنوات، تحاول إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التوسط للتوصل إلى اتفاق أكبر بين إسرائيل والسعودية، وهو ما بات يصفه عدد من الخبراء بـ"التحول الرمزي العميق الذي سيمهد الطريق لبقية العالم الإسلامي ليحذو حذوها".
من جهته، ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية، محمد بن سلمان، في مقابلة الأسبوع الماضي مع قناة "فوكس نيوز"، إن "الحديث عن التطبيع أصبح حقيقيا لأول مرة" مضيفا بأنه "كل يوم نقترب أكثر".
وفي مقابل عملية التطبيع، تريد الرياض من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي دعم إنشاء برنامج نووي مدني على الأراضي السعودية، وتسعى للحصول على دعم عسكري أكبر من واشنطن.
وذلك في الوقت الذي يريد فيه السعوديون أيضا أن تمنح إسرائيل تنازلات للفلسطينيين، على الرغم من أن الدبلوماسيين يقولون إنه ليس من الواضح بعد ما الذي ستطلبه الرياض بالضبط.
تجدر الإشارة، إلى أنه خلال زيارته للسلطة الفلسطينية، الثلاثاء الماضي، قال السفير السديري، إن "مبادرة السلام العربية، وهي اقتراح برعاية السعودية من عام 2002 يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية، تظل حجر الزاوية في أي اتفاق مستقبلي".
غير أن الأمير محمد بن سلمان، ترك مجالا أكبر للمناورة، خلال مقابلته التي أجراها في الأسبوع الماضي، حيث قال إن "أي اتفاق يجب أن يسهل حياة الفلسطينيين"؛ فيما يقول المحللون إنها "صيغة أكثر غموضا، إذ تشير إلى زيادة المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، بدلا من السيادة الكاملة".
يشار إلى أن "أي دعم لبرنامج نووي سعودي سيواجه مقاومة بين بعض السياسيين والمسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين الذين يخشون من أن السعودية قد تستخدم في مرحلة ما التكنولوجيا لصنع قنبلة نووية"؛ وعلى نحو مماثل، فإن "أي تنازل للفلسطينيين من شأنه أن يثير الغضب داخل الائتلاف الحاكم الإسرائيلي، وهو الأكثر قومية في تاريخ إسرائيل" غير أن "الحكومة السعودية تخاطر بإثارة غضب مواطنيها، وكذلك العالم الإسلامي الأوسع، إذا قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل فائدة ضئيلة للغاية للفلسطينيين".
وانعكس الوضع الحساس في قرار السديري، في اللحظة الأخيرة من يوم الأربعاء، بإلغاء زيارة للمسجد الأقصى في القدس، وهو مكان مقدس لكل من اليهود والمسلمين الذي تسيطر عليه وتراقبه دولة الاحتلال الإسرائيلي. حيث إن زيارة الموقع بمرافقة إسرائيلية تنطوي على مخاطر إعطاء اعتراف ضمني بالسيطرة الإسرائيلية على الموقع.
وفي تطور منفصل، أعلنت الحكومة الأمريكية، الأربعاء الماضي، أنه اعتبارا من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، سيسمح للإسرائيليين بدخول الولايات المتحدة بدون تأشيرة. هذه الخطوة، التي كانت قيد التفاوض لسنوات، هي جزئيا نتيجة لقرار إسرائيل الأخير بالسماح للمواطنين الأمريكيين من أصل فلسطيني، باستثناء عدة مئات يعيشون في قطاع غزة، بدخول إسرائيل بدون تأشيرة.
وتم الترحيب بهذه الخطوة بحرارة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها واحدة من الإجراءات العديدة التي اتخذتها إدارة بايدن مؤخرا والتي خففت التوترات مع نتنياهو؛ حيث أعرب المسؤولون الأمريكيون، بما في ذلك الرئيس بايدن نفسه، عن إحباطهم من نتنياهو بسبب جهوده المثيرة للجدل للحد من سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية وترسيخ سيطرته الإسرائيلية على الضفة الغربية.
لكن قرار الإعفاء من التأشيرة، إلى جانب
الوساطة السعودية وقرار بايدن، خلال الأسبوع الماضي بدعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، أكد أن الخطوط الأساسية للشراكة الأمريكية الإسرائيلية تظل دون تغيير، على الرغم من الخلافات بين الزعيمين.