أفكَار

هل من سبيل لتحويل المحنة إلى حياة للأمة؟ في كيفية التفاعل مع زلزال المغرب

مبادرات تطوعية إنسانية لأجل نقل الطعام والشراب والغطاء والدواء للقرى والمناطق المتضررة من "زلزال الحوز" (فيسبوك)
هناك محن يجعل الله تعالى في طياتها منحا لمن أحسن الاستفادة منها. وإن ابتلاء زلزال الحوز والنواحي الذي لحق بوطننا وأصاب أنفسا ودورا وممتلكات يمكن بإذن الله تعالى إن صدقت النيات والعزائم أن نجعل منه فرصة لبناء وطننا من جديد، ولتقريب التفاوت الحاد بين أقاليمه ونواحيه. وإن بشائر ذلك ظاهرة للعيان من خلال تقاطر عمليات الدعم على المنكوبين وبمختلف الأشكال.

وإن المسجد يمكن بإذن الله تعالى أن يسهم في مزيد من التعبئة الشاملة لذلك من خلال خطبائه ووعاظه.

وتزخر السنة النبوية بالنماذج المضيئة في تحقيق التراحم والتآزر بين أفراد الأمة ومن ذلك:

أولا قصة الأنصاري الذي سن سنة حسنة في التبرع والعطاء: روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ : قال : "كُنَّا في صَدْرِ النهارِ عِنْدَ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فجاءه قَوم عُرَاة مُجتابي النِّمار، أو العَباءِ، مُتَقَلِّدي السيوفِ، عامَّتُهم من مُضَرَ، بل كلُّهم مِنْ مُضَرَ ـ  (حالة الفقر والحاجة بادية عيهم ) فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لما رأى بهم من الفَاقة، فدخل، ثم خَرَجَ، فأمر بلالا ، فأذَّن وأقام فصلَّى ، ثم خَطَبَ، فقال: { يَا أَيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَها ، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء، وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأرْحَامَ ، إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُر نَفْس مَا قَدَّمَتْ لِغَد } [الحشر: 18] تصدَّق رَجُل مِن دِينارِهِ، من دِرْهَمِهِ، من ثوبِهِ، من صاع بُرِّه، من صاع تَمرِهِ، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة، قال: فجاء رَجُل من الأَنصار بصُرَّة، كادت كَفُّه تعجِزُ عنها، بل قد عَجَزَتْ، قال: ثم تتابع الناسُ، حتى رأيتُ كَوْمَيْنِ من طعام وثياب، حتى رأَيتُ وجهَ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تَهَلَّلَ كأنه مُدْهَنَة، فقال رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء".

المسجد يمكن أن يسهم في مزيد من التعبئة الشاملة للتضامن مع متضرري الزلزال في المغرب من خلال خطبائه ووعاظه.
وفي رواية أخرى قال: "جاء نَاس من الأعراب إِلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ، عليهم الصوف، فرأى سُوءَ حالهم… فذكر بمعناه".. والعبرة من القصة أن النبي عليه السلام اغتنم الحدث، وأذن في غير وقت الصلاة، وجمع الناس وقام خطيبا فيهم يحثهم على الصدقة والعطاء، فبادر الناس، وكان الأنصاري الذي جاء بصرة كبيرة صاحب أجر السنة الحسنة حين اقتدى به الناس وتلاحقت المساعدات.

ثانيا قصة الأشعريين وثناء النبي عليه السلام عليهم: روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري: أن رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، وقَلَّ طَعَامُ عِيالهم بالمدينة: جَمَعُوا ما كان عندهم في ثَوْب واحد، ثم اقْتَسَمُوا بينهم في إناء واحد بالسَّويَّةِ، فهم مِنِّي وأنا مِنْهُم:.. وهذا الثناء من النبي عليه السلام على الأشعريين يكشف أهمية التضامن والمواساة، وأنه عند الشدائد ينبغي أن تنتفي الأنانيات، وأن يبذل الفرد ما عنده لمصلحة المجموع. وقد ورد في السنة ما يؤكد هذا الصنيع من حيث تقييد حق الفرد في الانتفاع بما يملكه.

روى مسلم عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: "بينما نحن في سفر مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ جاءَ رجل على رَاحِلَة له، قال: فجعل يَصْرِفُ بصره يمينا وشمالا ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من كان معه فضلُ ظهر فلْيَعدُ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليَعُد به على من لا زاد له ، وذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حَقَّ لأحد منا في فضل".. وروى مالك عن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ  بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ قَالَ وَأَنَا فِيهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ فَكَانَ يُقَوِّتُنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ تُصِبْنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حَيْثُ فَنِيَتْ”.

ولأجل تفعيل هذه الأعمال الإنسانية الجليلة أقدم المقترحات التالية لعلها تجد الآذان الصاغية:

أ‌ ـ قيام وزارة الأوقاف بدعوة الخطباء إلى إعداد خطبة حول الموضوع تحفز وتحث على البذل والعطاء، ومواساة إخواننا المتضررين.

ب‌ ـ تكليف مرشدين بالتعاون مع قيمي المساجد بالإشراف على عملية جمع التبرعات لفائدة الصندوق الخاص بمعالجة هذه المحنة بالمسجد سواء نقدا أو عبر شيكات، ويحرر محضر بالمقدار الذي جمع ويوضع في الحساب المخصص لذلك، ويُعلن عن المقدار الذي جمع في كل مندوبية إقليمية.

ت‌ ـ إعلانات متتالية بالمبالغ التي تم جمعها في القنوات الوطنية، وتحقيق التنافس بين الأقاليم والجهات في ذلك.

ث‌ ـ وضع خطة من ثلاث إلى خمس سنوات حيث ترصد المبالغ التي جمعت لفك العزلة عن المناطق الجبلية المنكوبة وغيرها تحسبا لأي طارئ بحيث تكون الطرق معبدة إلى كل الدواويير. والعمل على إعادة بناء المدارس والدور بمواصفات لائقة، فالمواطن مستعد للبذل والعطاء شرط أن يرى أثر ذلك باديا. فلا نرضى بعد اليوم أن تقع حوادث ويقال أنه لا يمكن الوصول للمنطقة المنكوبة بزلزال أو بعواصف وغيرها، وأن يعلن عن المنجزات تباعا في وسائل الإعلام الرسمية ليطمئن المحسنون إلى صنيع فعلهم.

ج‌ ـ إدماج الجمعيات الاجتماعية في العملية، وتيسير أدائها لمهمتها، فبقدر ما ينبغي الحرص على الضبط ومنع المتاجرة بآلام الناس بقدر ما ينبغي تذليل الصعوبات، وتيسير الأعمال الإحسانية مع متابعتها وضبطها.

ح‌ ـ فتح باب تيسير دخول المساعدات الخارجية من الوطن الاسلامي ومن غيره من البلدان، وتذليل الصعوبات الجمركية، واعتماد جمعيات متعددة تقوم بالوساطة في تسلم تلك المساعدات.

نسأل الله تعالى أن يفرج عن أمتنا، وأن يرفع عنا البلاء.. آمين..

 *نائب رئيس مركز المقاصد للدرسات والبحوث ـ عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد الإصلاح