على وقع تحركات أرتال
القوات الأمريكية في
العراق وتهديدات المليشيات الموالية لإيران باستهدافها، تساءل الكثير من العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب توقف إطلاق الصواريخ التي كانت تستهدف السفارة الأمريكية في بغداد أو تلك
الهجمات التي استهدفت قوافل الدعم اللوجستي لقوات التحالف خلال السنوات الماضية.
ورغم الإجابات التي خرجت من نواب ومسؤولين مقربين من تلك المليشيات فإن جدلية تواجد القوات الأمريكية "بين الاحتلال والتحالف" وضعت مصداقية الفصائل الشيعية على المحك.
اختفاء الهجمات
أواخر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي تسلم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان واعتزاله المشهد السياسي في البلاد.
وحظيت حكومة السوداني بتأييد الفصائل الشيعية التي حازت على وزارات في التشكيلة الحكومية، حيث ينظر لحكومة "الإطار التنسيقي" أنها تمثل القوى الموالية لإيران في العراق.
ومنذ ذلك الحين اختفت الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق كما توقف قصف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد.
وحاولت الفصائل تبرير التغير في سياستها عدة مرات، والتبرؤ من تلك الهجمات حتى وصل الحال بالنائب عن "عصائب أهل الحق" أحمد الموسوي إلى اتهام الكاظمي نفسه بالمسؤولية عن تلك العمليات.
من جهته قال النائب في البرلمان العراقي والمقرب من "كتائب حزب الله" حسين مؤنس، منتصف آب/أغسطس الجاري أن استهداف البعثات الدبلوماسية ليس من أدبيات "فصائل المقاومة".
تصريحات "الفصائل الشيعية" أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينظر بعض العراقيين إلى أن تلك الفصائل تستخدم شعار المقاومة وفقا لمتغيرات الوضع السياسي في العراق.
أرتال محرجة
بالتزامن مع التحركات الأمريكية في العراق عاد السؤال مجددا حول سبب صمت
الفصائل المسلحة تجاه الوجود الأمريكي لاسيما أن الأرتال الأمريكية شوهدت في غالبية المدن العراقية.
في المقابل ذكر القائد السابق لقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا، ماثيو ماكفارلان، أن تحركات القوات الأمريكية في العراق إجراءات روتينية لتبديل المواقع تنفذها قوات التحالف سنويا، نافيا في الوقت ذاته عزم التحالف تنفيذ أي عملية عسكرية في العراق أو سوريا.
وقال ماكفارلان خلال مؤتمر صحفي عقده في 20 من الشهر الجاري، "إن حركة القوات الأمريكية نشاط روتيني واعتيادي لاستقدام قوات ومعدات جديدة لتأخذ مواقعها، قبل أن تتراجع القوة القديمة إلى الوراء لأسبوع أو أسبوعين للتأكد من أن العمل يسير بشكل متسق وفعال. بعدها تغادر القوات بمعداتها الموقع".
وبحسب الجنرال الأمريكي فقد أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية أصدرت في آذار/ مارس الماضي، بيانا بشأن بهذه التغييرات، التي تجري الآن بالتنسيق مع القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا.
وأكد ماكفارلان، "لا توجد خطة لتنفيذ أي شيء، باستثناء البقاء، والتركيز على داعش، والتأكد من عدم تمكن التنظيم من الظهور مرة أخرى".
ومطلع آب/أغسطس الجاري جدد العراق اتفاقه الأمني مع الولايات المتحدة خلال زيارة لوفد عسكري على رأسه وزير الدفاع ثابت العباسي.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية، عن خالد اليعقوبي مستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية الأسبوع الماضي، قوله إن العراق ركز في مفاوضاته مع الجانب الأمريكي في واشنطن على حفظ سيادة البلاد، حيث وقع الجانبان اتفاقا يقضي باستخدام القوات الأمريكية للطائرات المسيرة في المناطق الأمنية بموافقة الحكومة العراقية حصرا.
وتابع، "اتفقنا على تشكيل لجنة عسكرية بين الطرفين لمواجهة تهديد داعش"، مشيرا إلى عدم وجود أي فقرات أو اجتماعات سرية في المفاوضات مع واشنطن.
والتزمت "الفصائل الشيعية" الصمت تجاه تجديد الاتفاق مع واشنطن رغم تهديد زعماءها المتواصل ومطالبتهم بإخراج القوات الأمريكية من العراق.
فصائل الكاتيوشا
تنتشر القوات الأمريكية بعدة قواعد في العراق أبرزها: قاعدة حرير في أربيل، والتون كوبري في كركوك. إضافة لموقع شمال غربي نينوى، بالإضافة لوجودها في قاعدة القيارة جنوبي الموصل.
وفي محافظة صلاح الدين، تتخذ واشنطن قاعدة بلد الجوية مقرا لها للتحكم بطلعات طائرات "إف 16"، وفي معسكر التاجي شمالي بغداد، تنتشر قوة أمريكية لأغراض التدريب، وفقا لستيف وارن المتحدث باسم البنتاغون.
وفي الأنبار اتخذت القوات الأمريكية قاعدة "عين الأسد" كمقر رئيسي لجيشها في العراق، على مقربة من الحدود السورية.
خلال السنوات التي أعقب نهاية الحرب على تنظيم الدولة في العراق، برز الصراع الأمريكي الإيراني على النفوذ، وظهر جليا عقب إعادة واشنطن العمل بالعقوبات على طهران إثر انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في أيار/مايو 2018.
استمرت الفصائل باستهداف القوافل اللوجستية الأمريكية بهجمات لم توقع خسائر بشرية حيث تركزت على استخدام العبوات الناسفة ضد شاحنات تنقل المؤن بين القواعد الأمريكية في العراق.
ولازمت عبارة "جماعة الكاتيوشا" الحديث عن الجهة التي تقف خلف الهجمات الصاروخية التي تستهدف قواعد ومعسكرات تضم قوات أمريكية أبرزها قاعدة التاجي شمالي بغداد ومعسكر المطار وقاعدة بلد في صلاح الدين، والقصور الرئاسية وسط الموصل، فضلا عن السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء وشركة "إكسون" النفطية الأمريكية في البصرة.
واعتمدت الفصائل الشيعية على أسماء مليشيات مموهة ورفضت تبني تلك الهجمات بأسماء الصريحة، رغم أنها رحبت بها، ودعت منفذيها إلى التعاون مع "محور المقاومة".
وكان فصيل "أصحاب الكهف" الذي يصفه معهد واشنطن للدراسات بأنه واجهة لفصائل "عصائب أهل الحق، وكتائب سيد والنجباء، وكتائب حزب الله" أبرز الجهات التي تبنت قصف السفارة واستهداف الأرتال الأمريكية.
وذكر
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن "أصحاب الكهف" أكثر جماعات الواجهة استخداما من قبل الميليشيات المدعومة من إيران لإخفاء تورطها في العمليات العسكرية وأكثرها شهرة وترتبط ارتباطا وثيقا بشكل خاص بـ "عصائب أهل الحق" وزعيمها قيس الخزعلي.
وظهرت أسماء أخرى عقب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني في بغداد مطلع عام 2020 مثل "السجيل والمنتقم، والمهندس وقاصم الجبارين وعصبة الثائرين وقبضة المهدي" وغيرها.
في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019، استهدف 15 صاروخا قاعدة "كي وان" في محافظة كركوك، ما أدى إلى مقتل متعهد أمريكي وإصابة 5 آخرين.
وردا على الهجوم ، قصف طائرات أمريكية خمس قواعد "لكتائب حزب الله" في العراق وسوريا، وقتلت 25 من عناصر الميليشيا وجرحت 50.
أواخر كانون الأول/ يناير 2019 هاجم أنصار الفصائل الشيعية السفارة الأمريكية في بغداد واقتحموا باحتها الأمامية بينما أطلقت القوات الأمريكية الغاز المسيل للدموع احتجاجا على قصف مقار الفصائل الشيعية.
وفي الثالث من كانون الثاني/ يناير وبعد أيام من مهاجمة السفارة الأمريكية استهدفت طائرة مسيرة مركبات قرب مطار بغداد ما أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وزعيم الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس برفقة ضباط في الحرس الثوري الإيراني وعناصر من الحشد.
تصاعدت الهجمات ضد القواعد والقوات الأمريكية في العراق عقب مقتل سليماني، كما تواصلت الهجمات الصاروخية ضد سفارة واشنطن في المنطقة الخضراء.
وأصر "الحشد الشعبي" على براءته من قصف السفارة الأمريكية في بغداد أو غيرها من أوجه الوجود العسكري الأجنبي في العراق.
صواريخ سياسية
زادت حالة التوتر بين القوى الشيعية المقربة من إيران وحكومة الكاظمي المقربة من الصدر، من وتيرة تلك الهجمات.
وفشلت حكومة الكاظمي بإيقاف تلك الهجمات كما تعهدت بذلك نهاية عام 2021 بعد انسحاب القوات القتالية التابعة للتحالف الدولي من العراق.
ووصل الخلاف ذروته في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2021 عندما استهدفت طائرة مسيرة طائرة مفخخة مقر إقامته في بغداد.
ودعا الكاظمي عقب الهجوم إلى ضبط النفس والهدوء مشيرا إلى أن "الصواريخ الجبانة والطائرات المسيرة الجبانة لا تبني أوطانا ولا تبني مستقبلا".
ولم تتبن أي جهة محاولة اغتيال الكاظمي بالرغم من استمرار الهجمات الصاروخية التي استهدفت المقار الأمريكية في العراق وأعلنت "فصائل الوكالة مسؤوليتها عنها".
وظلت المناطق المحيطة بالمنطقة الخضراء تحت تهديد صواريخ الكاتيوشا التي تستهدف السفارة الأمريكية، إلا أن غالبيتها يسقط في أماكن سكنية.
احتلال أم تحالف؟
يقول الباحث في شؤون الجماعات المسلحة رائد الحامد، "إنه منذ تسمية القيادي في الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني مرشحا لرئاسة الوزراء، تراجعت الهجمات ضد المصالح الأمريكية ومركز القرار في المنطقة الخضراء إلى الصفر في إشارة واضحة إلى أن الهدف من الهجمات السابقة كان إرباك حكومة الكاظمي التي ينظر إليها بأنها حكومة التيار الصدري".
وأضاف في حديث لـ "عربي21”، "قد تكون هذه الهجمات عهد حكومة الكاظمي بايعاز من فيلق القدس الذي يشرف على المجموعات الشيعية المسلحة في إطار التنافس على رضا مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي بين الحرس الثوري ووزارة الأمن والاستخبارات، والتي تشير بعض التقارير إلى ارتباط التيار الصدري بهذه الوزارة، وهو احتمال راجح".
وردا على سؤال عن سبب استخدام الأسماء المموهة أجاب الحامد، "تجنبا لرد الفعل الأمريكي المباشر وتنصلا من المسؤولية أمام الحكومة العراقية، لجأت المجموعات الشيعية المسلحة الكبرى الحليفة لايران مثل عصائب أهل الحق وسيد الشهداء وحركة النجباء وكتائب حزب الله لتنفيذ هجماتها باستخدام أسماء مستعارة أبرزها مجموعة اصحاب الكهف المتخصصة بإطلاق الصواريخ على القواعد الأمريكية، وسرايا اولياء الدم المتخصصة بالهجمات العابرة للحدود والتي استهدفت السعودية أكثر من مرة".
وأورد الحامد، "هذه المجموعات في حقيقتها واجهة للفصائل الكبرى التي لها أجنحة سياسية ممثلة في مجلس النواب ولها أكثر من وزارة مثل العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة التعليم العالي".
وحول مدى خضوع هذه الفصائل لحكومة السوداني قال الحامد، "إن حكومة السوداني حاولت في الأسابيع الأولى من تشكيلها الظهور بمظهر الحكومة المستقلة في قراراتها، لكن في واقعها لم تكن سوى حكومة الإطار التنسيقي الذي يمثل الجناح السياسي للمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لايران حيث يلتزم السوداني بحضور الاجتماعات الدورية التي يعقدها الاطار التنسيقي".
وتابع، "لا تبدو لحكومة السوداني أي قدرة على تبني قرارات خارج إرادة منظومة تلك المجموعات التي يمكن القول إنها اليوم صاحبة القرار الأول حيث تعتبر حكومة السوداني واجهة لإدارة الدولة من قبل قادة المجموعات المسلحة".
وعن احتمالية التصعيد مستقلا أكد الحامد، "عدم وجود معطيات تشير إلى حتمية التصعيد العسكري، لاسيما أن القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وسوريا غير مؤهلة لمواجهة الميليشيات المدعومة من إيران، وهذه المواجهة ليست من أهداف أو مهام تلك القوات التي تعمل بمهمة حصرية هي القضاء على تنظيم الدولة ومنع عودته".
وبين "أن الطرفين لا يرغبان بالمواجهة وليست من مصلحتهما، كما أن إيران التي ترعى هذه الميليشيات باتت تتبنى تحقيق مصالحها بوسائل دبلوماسية عبر الانفتاح العربي والخليجي على طهران، إلى اطمئنان طهران على مستقبل النظام السوري بعد أن أصبحت الحرب في سوريا من الماضي وأن النظام يمتلك زمام المشهد العسكري بشكل كامل وليس ثمة ما يهدد وجوده".