حقوق وحريات

منظمة: وفاة معتقل سياسي تحت التعذيب بمصر بعد أيام من حبسه

واصلت قوات الأمن المصرية إقدامها على عمليات قتل المواطنين العُزل - تويتر
قالت منظمة حقوقية مصرية، إن معتقلا سياسيا توفي تحت التعذيب في أحد السجون بمحافظة الاسكندرية الساحلية، بعد نحو 12 يوما من اعتقاله.

"تفاصيل الحادثة"
وبحسب ما وثقته "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن قوات تابعة لأمن الإسكندرية (شمال غرب)  قامت باعتقال المواطن محمود توفيق، تعسفيا في 25 حزيران/ يونيو الماضي، وذلك بعد اقتحام منزله بشارع عز بمنطقة كوم الشقافة كرموز بالإسكندرية، والتعدي عليه بالضرب المبرح، واقتياده لجهة غير معروفة.

وذكرت المنظمة أنه "في أثناء اعتقال توفيق، تحرش أحد أفراد القوة الأمنية بزوجة المواطن المصري، الذي حاول الدفاع عنها، لكن أفراد القوة اعتدوا عليه القوة الأمنية بالضرب المبرح، وقاموا بتكسير محتويات منزله، وإلقاء ما تبقى من أثاث من الدور التاسع".

المنظمة الحقوقية، أكدت أن قوات الأمن أثارت الرعب بالمنطقة الشعبية بالمدينة الثانية من حيث عدد السكان في مصر، وقامت بتهديد السكان وأصحاب المحال التجارية بالاعتداء عليهم حال تدخلهم، فيما استولت على تسجيلات كاميرات المراقبة بالعمارة والمحلات التجارية التي رصدت الواقعة.

وقالت الشبكة؛ إن أسرة المعتقل توفيق، علمت بوفاته الجمعة، ليلقى مصيره قتيلا بعد 12 يوما من اعتقاله بفعل التعذيب، فيما جرى دفنه السبت، بمقابر الأسرة وسط إجراءات أمنية مشددة، وحصار أمني، طوال يومين حول مسكنه.



"سبق وإصرار"
المدير التنفيذي لـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، أحمد العطار، قال لـ"عربي21"؛ إن ما قامت الشبكة برصده وتوثيقه بداية من الاعتقال التعسفي، والتعدي بالضرب المبرح، وإلقاء أثاث المنزل من الدور التاسع، وتهديد الأسرة، وسحب تسجيلات كاميرات المراقبة، "تعد أدلة وبراهين دامغة على جريمة قتل خارج نطاق القانون، مع سبق الإصرار والترصد".

وفي قراءته لملابسات تلك الجريمة ودوافع ارتكابها بهذا الشكل أضاف: "بحسب ما قمنا برصده وتوثيقه السنوات الماضية، فإنه نظرا لغياب المحاسبة والتفتيش وسياسة الإفلات من العقاب، فإن عمليات القبض والاعتقال التعسفي التي تتم دون إذن مسبق من النيابة أو دون حالات التلبس المنصوص عليه قانونيا، صارت ممنهجة".

"بل إن الأمر تعدى الاعتقال، إلى تحطيم محتويات الشقق السكنية، وترويع النساء والأطفال، بل وفي أوقات كثيرة يتم الاستيلاء على أموال ومصوغات ذهبية لا يتم إثباتها بمحضر الشرطة؛ لأنه يتم تلفيق يوم ومكان وتوقيت للشخص غير مكان وتاريخ اعتقاله الحقيقي"، بحسب الحقوقي المصري.

وأكد أنه "بذلك تضيع حقوق المواطنين وسرقتهم علانية"، لافتا إلى أنهم في الشبكة رصدوا بمركز كفر صقر بمحافظة الشرقية، "سرقات وصلت قيمتها 3 ملايين جنيه من ممتلكات معتقلين، منهم أصحاب شركات ومحال تجارية".

وعن التهمة الموجهة لتوفيق، قال العطار: "عادة يتم توجيه تهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل، فهي العناصر الثلاثة الأساسية بعمليات التحقيق مع المعتقلين، وهي بحسب معلوماتنا من الاتهامات لتوفيق، الذي عُرض على النيابة خلال اليوم التالي لاعتقاله".

وحول إجراءات الدفن للمعتقل الراحل، والتقرير الطبي الصادر عن وفاته، أكد الحقوقي المصري أن "عملية الدفن حسب المعلومات المتوفرة لدينا وقمنا بنشرها، تمت في أضيق الحدود وحضرها عدد قليل من أقاربه، وكان هناك كردون أمني حول مسكن ضحية التعذيب".

وبشأن وجود اتهام من أسرة توفيق، لأسماء بعينها من أفراد وضباط الأمن، أوضح أنه "لم يتم اتهام أحد؛ ولكن على النيابة العامة فتح تحقيق بملابسات القضية، والكشف عن أسماء المتورطين بقتل مواطن تعذيبا، وتقديمهم للقضاء، ووقف سياسة الإفلات من العقاب التي تمارسها السلطات".

الداخلية تنفي
من جهتها، نفت وزارة الداخلية المصرية تعرض توفيق لانتهاكات ووفاته داخل محبسه، وقالت في بيان لها الأحد، إن المعتقل المذكور توفي نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية أثناء تلقيه العلاج بإحدى المستشفيات.

"وضع كارثي"
ووسط تجاهل إعلامي وخفوت حقوقي وإنكار رسمي، تتزايد حالات الوفاة بين المعتقلين المصريين بشكل مضطرد، لتسجل نحو 11 حالة خلال 5 شهور من العام الجاري، لتنضم إلى أكثر من ألف وفاة بالسجون منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013.

وفي العام 2022، لقي 52 سجينا مصرعهم داخل السجون المصرية، إما نتيجة الإهمال الطبي المتعمد أو البرد، أو الوفاة الطبيعية في ظروف احتجاز قاسية، بحسب رصد منظمات حقوقية.

وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013 وحتى اليوم بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، أن "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022".

وتصف "منظمة العفو الدولية" و20 منظمة غير حكومية أخرى الوضع الحقوقي لمصر بأنه "كارثي".
وقالت المنظمة؛ إن مسؤولي السجون بمصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم.

وأكدت المنظمة في تقريرها الصادر 25 كانون الثاني/ يناير 2021، أن قسوة السلطات تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات في أثناء الاحتجاز، كما ألحقت أضرارا لا يمكن علاجها بصحة السجناء.


"دفاع عن العرض"
وفي تعليقه، أكد السياسي المصري عزالدين الكومي، أن "حالة البطش تلك قائمة لتأكد أفراد الأمن بأنهم غير محاسبين على جرائمهم".

وقال لـ"عربي21": "في ظل الصلاحيات الممنوحة لقوات الأمن وعدم محاسبة مرتكبي هذه الجرائم منهم، فهذا أمر طبيعي"، لافتا لجريمة دهس متعمد من ضابط جيش قبل أيام لصيدلانية وأبنائها وزوجها في منطقة مدينتي شرق القاهرة.

ويرى أنها "وتلك الجريمة وما سبقهما دلالة واضحة على أن هناك تغولا من كل مؤسسات الأمن، الجيش والشرطة بجانب القضاء ومن يدور في فلكهم على المصريين لأنهم أمنوا العقوبة، وينظرون للشعب كعبيد وخدم وهم طبقة عليا".

ويعتقد عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا، أن "هذه نظرة الضابط وفرد الأمن عديم الشرف الذي تحرش بسيدة في بيتها في أثناء اعتقال زوجها، وكان جزاؤه القتل تعذيبا لمجرد محاولته الدفاع عن شرفه، بعد الضرب وإلقاء أثاث بيته بالشارع".

وأكد أنهم "في أماكن الاحتجاز المجهولة وأقبية التعذيب المعروفة بأقسام الشرطة ومديريات الأمن نكلوا به، فكيف يدافع عن شرفه وعرضه أمامهم، ولذا فلقد خضع لبرنامج تعذيب ممنهج خلال 12 يوما، ما يجل عن الوصف أدت لوفاته شهيدا".

وتوقع الكومي، أن يخرج "تقرير الطبيب الشرعي بأنه حدث له انخفاض في الدورة الدموية أو غيبوبة سكر، في تقرير مفبرك، كما يفبركون ولا يقولون إنه نتيجة تعذيب أو معاملة غير لائقة أو غير إنسانية".

"ضائعة حقوقه أو مقتول"
وقال؛ إن "هذا ما يحدث اليوم، ويعطي مزيدا من التغول للأجهزة الأمنية وضباط الجيش وأعضاء القضاء ليرتكبوا الجرائم، وهم يعلمون أنهم خارج المحاسبة، وحتى لو أدينوا، يتم الإفراج عنهم بعفو صحي أو تدخل جهات سيادية".

وأشار إلى قضية ضابط الترحيلات الذي قتل 37 معتقلا من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي، حرقا في "سيارة ترحيلات أبوزعبل" في أب/ أغسطس 2013، وطلب مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، من مساعد وزير الدفاع اللواء ممدوح شاهين، التدخل لدى القاضي لتخفيف الحكم على أحد الضباط، وفق تسريب صوتي في كانون الأول/ ديسمبر 2014.

وتحدث الكومي عن دور القضاء في مثل هذه القضايا، قائلا: "قديما كانت هيئة المحكمة تقول: الحكم بعد المداولة، ولكن اليوم الحكم بعد المكالمة؛ نتيجة لخضوع المحاكم لتدخل جهات سيادية لتوجيه المحكمة في إصدار بعض الأحكام بعنيها، وهذا واقعنا طوال 10 سنوات".

ولفت إلى أن "النتيجة النهائية، تدني بجميع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبالطبع الأمنية؛ فأصبحت هناك حالة من الانفلات الأمني، ومن جرائم الشرطة الموكول لهم حسب الدستور والقانون حماية الأمن والمواطنين، ولكنها تقوم بسحل الشعب وتعذيبه وقتله والقضاء على كرامته وإذلاله".

وختم السياسي المصري، بالقول: "واقعة قتل المواطن المصري الذي توفي تحت التعذيب بقسم الشرطة، لن تكون الحادثة الأخيرة، وتبرر لنا هروب الشباب في عبارات الموت إلى أوروبا، لأنه يعلم أنه ضائعة حقوقه أو مقتول في كل أحواله لو بقي في مصر".

"أرقام وإحصائيات"
ووفق إحصاءات، "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، فهناك 46 مصريا قضوا بالسجون ومقار الاحتجاز عام 2021، ليشهد العام 2020 وفاة 73 سجينا، وقبلهم 40 شخصا عام 2019، و36 بالعام 2018، و80 في 2017، و121 عام 2016، و185 في 2015، و166 عام 2014، و73 في 2013، بإجمالي 820 مصريا خلال تلك الفترة.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وثقت منظمات حقوقية، 1095 حالة وفاة لمعتقلين بالسجون ومقار الاحتجاز المصرية، منذ الانقلاب العسكري عام 2013، نحو 15 بالمئة منهم في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، و85 بالمئة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

ووفق منظمة "كوميتي فور جستس"، كان السبب الأول للوفاة الحرمان من الرعاية الصحية بنسبة تفوق الـ 70 بالمئة، فيما كان التعذيب سبب وفاة 13 بالمئة، كما شكل سوء أوضاع الاحتجاز 2.7 بالمئة.

وفي 2021، وحدها، ووفق إحصاءات منظمة "نحن نسجل"، توفي 60 محتجزا بالسجون ومقار الاحتجاز المصرية، بينهم 52 سجينا سياسيا و8 جنائيين، بينهم 6 أطفال.

وفي 2022، رصدت منظمات حقوقية وفاة 5 مصريين بمراكز ومقار الاحتجاز في تشرين الثاني/ نوفمبر، وتوفى اثنان تشرين الأول/ أكتوبر، و4 في أيلول/ سبتمبر، و6 في آب/ أغسطس، و7 في تموز/ يوليو، وواحد في حزيران/ يونيو، و6 مصريين محتجزين في أيار/ مايو، و3 في نيسان/ إبريل، ومثلهم في شباط/ فبراير، و2 في كانون الثاني/ يناير، ليبلغ العدد نحو 38، بالإضافة إلى وفيات كانون الأول/ ديسمبر.