يعيش آلاف
المعتقلين
في
مصر، عيدا جديدا في
السجون، منذ الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي، ضد
الرئيس الراحل محمد مرسي، 3 تموز/ يوليو 2013، والذي تحل ذكراه العاشرة بعد نحو
أسبوع.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه نحو 1.8 مليار مسلم
في شتى بقاع الأرض ونحو 100 مليون مصري بأداء ومتابعة مناسك الحج ويعيشون فرحة يوم
عرفات وأجواء العيد، تواصل السلطات المصرية حرمان آلاف المعتقلين من تلك المشاعر
والتقاليد الإسلامية.
وفي حديث مع "عربي21"، أشارت أسر ثلاثة من كبار المعتقلين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين ووزراء ومستشاري الرئيس
الراحل محمد مرسي، المعتقلين منذ 10 سنوات، إلى أن المعاناة شديدة عليهم، وعلى
أبنائهم المعتقلين، مع افتقادهم في كل مناسبة دينية أو أسرية.
لعبة العفو
وفي مقابل، حالة الغضب البادية على أسر
المعتقلين واليأس من إفراج نظام السيسي، عنهم، تسير عمليات الإفراج من قبل
"لجنة العفو الرئاسي" عن سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين ببطء شديد،
حيث كانت آخر إفراجاتها عن 30 معتقلا في رمضان الماضي.
ورغم حلول عيد الأضحى المبارك الأربعاء، إلا
أنه تم الإعلان عن إخلاء سبيل دفعة جديدة صغيرة من المعتقلين، الثلاثاء، حيث نشر
عضو لجنة العفو الرئاسي البرلماني طارق الخولي، أسماء 28 مفرجا عنه، عبر
"فيسبوك".
ورغم ما يجري من "حوار وطني"، دعا إليه
السيسي، في نيسان/ إبريل 2022، وبدأ في 3 أيار/ مايو الماضي، فإن المشاركين فيه
من المعارضة المدنية اشترطوا إخلاء سبيل معتقلين سياسيين (لا ينتمون إلى جماعة الإخوان
المسلمين)، إلا أن الأمر يسير ببطء شديد وبشكل مثير للجدل، ولن ينهي أزمة أكثر من
60 ألف معتقل، وفق مراقبين.
وفي أحدت تقاريرها المنشورة في 17 حزيران/ يونيو
الجاري، أكدت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان"، أن لجنة العفو الرئاسي
ساهمت في الإفراج عن نحو 1151 مسجونا منذ بداية عملها في 24 نيسان/ إبريل 2022.
لكن التقرير الحقوقي أوضح أنه في المقابل،
اعتقلت السلطات الأمنية 3666 شخصا، ما يعني اعتقال أكثر من ثلاثة أضعاف العدد الذي تم
إخلاء سبيله، خلال نحو عام من عمل اللجنة.
كذلك كانت آخر تصريحات السيسي، حول المعتقلين
صادمة حيث إنه قال في 14 حزيران/ يونيو الجاري، إن سجنهم يمثل بالنسبة له "إنقاذ
وطن"، زاعما أنه لن يحاسبه عليه أحد سوى الله.
سنوات عجاف
بكلمات قليلة تحدث محمد عارف والد أحمد عارف المتحدث
الأسبق باسم جماعة الإخوان المسلمين المعتقل منذ الانقلاب العسكري، قائلا: "هي 10 أعوام جميعها سنوات عجاف مرت
ليس على المعتقلين والأهالي والأسر فقط بل عجاف على الأمة الإسلامية".
وختم حديثه بالقول: "لعل الله يحدث بعد
ذلك أمرا، وفرجا عاجلا".
السياسي المصري والبرلماني المصري السابق
الدكتور جمال حشمت، وفي تعليقه، قال إن "قائد الانقلاب غير جاد في انفراج
الوضع في مصر".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه
"يراهن على استمرار الاحتقان في المجتمع المصري على كل المستويات، وهي أداته
في البقاء والاستحواذ على إرادة مصر، ومن ينتظر منه عملا مفيدا فقد ضاعت الحقيقة
منه".
ويرى القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، أنه
"صاحب مهمة؛ وهي إنهاء وجود الإخوان المسلمين، ولأن المهمة أكبر من كل
إمكاناته وكذبه فهو يستمر في التهديد بالرهائن عنده، ويستثمر بقاءهم ليبقى مواجها
لهم كوكيل عن أعداء الأمة ومن اتبعه".
وأضاف: "لقد هوى في مناخ الكراهية
والانتقام والإجرام في حق الأبرياء، والكل يدفع ثمن الدماء البريئة التي أريقت
وتراق في مصر من بعد الانقلاب".
إفراجات صورية
من جانبه، قال الناشط المصري، يحيى موسى، إن
"الأنظمة القمعية في مصر ومنذ 1952، تتبع استراتيجيات متشابهة للسيطرة على
البيئة الداخلية، منها استراتيجية الاستيعاب المؤقت والتنفيس لتفريغ المطالبات
المجتمعية من مضمونها، اعتمادا على الذاكرة القصيرة لعامة الناس والإلهاء بأمور
جانبية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف المتحدث
الأسبق باسم وزارة الصحة المصرية في عهد الرئيس مرسي، أن "السيسي، يدعي أنه
يحكم بالحق الإلهي، وأن الله قد اختاره وأتى به للحكم، وهو وحده من سيحاسبه على
أفعاله أو يغيره من مكانه، ثم يدعو لحوار وطني".
وقال: "الحقيقة، أن الأزمة هي لدى قوى سياسية
تقبل بالتعايش مع هذا العبث والتناقض وتذهب لجلسات مطولة لما يسمى حوارا وطنيا، ليخرج السيسي بعدها متهكما على ما توصلوا إليه وأنه محبط من مستوى الحوار
والنتائج".
موسى، أكد أن "السيسي يعاني من أزمة
اقتصادية خانقة بعد أن اكتشف فشل سياسته المعتمدة على القروض والمشاريع المليارية
غير المنتجة وتأميم الاقتصاد لصالح الجيش، خاصة بعد توقف الدعم الخليجي المفتوح،
حين انتفى السبب المتعلق بوأد الثورات الشعبية والخوف من تصديرها إلى ممالك
وإمارات الخليج".
ويعتقد أن "ما يجري الآن من حوار مزعوم
وإفراجات صورية هي لكسب الوقت حتى تمر انتخابات الرئاسة بأقل ضجيج ممكن، بعدها
سيتم فض هذا المولد الكلامي وتستمر الاستراتيجية القمعية كما كانت وربما أشد".
ويرى أن "الثقة المفرطة لأي ديكتاتور في
ذكائه وقدراته غالبا ما تودي به وبشكل مفاجئ بسبب قرار غبي قد يبدو بسيطا، وفي ظل
التردي الحالي في كافة جوانب الحياة في مصر فإن من السذاجة التصور أن الشعب وبخاصة جيل
الشباب راض عن هذا الوضع أو أنه سيقبل به إلى ما لا نهاية".
قتيل ومعتقل ومطارد
وفي حديثها لـ"عربي21"، قالت عضو لجنة
المرأة في "اتحاد القوى الوطنية المصرية"، الناشطة أسماء مهاب:
"مضى على ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، نحو 13 عاما فيها بذل المصريون
وضحوا بالغالي والنفيس، ثم جاءت ثمار تضحيتهم المتمثلة في أول رئيس مصري مدني
منتخب".
واستدركت: "لكن سرعان ما انقلبت الدبابة
على أحلام المصريين واغتالت جل إنجازاتهم، وخلفت وراءها أشلاء المصريين الذين
كانوا يطالبون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، رافعين راية السلمية؛ لكن لم
يترك العسكر حجرا إلا وقلبه حتى يدعم ركائز ملكه".
وأوضحت أن "المصريين الآن أصبحوا بين قتيل
ومعتقل ومطارد ومنفي أو يصرخ ويئن تحت وطأة الغلاء والانهيار الاقتصادي والصحي
والتعليمي"، مبينة أنه "منذ اللحظة الأولى لحكم السيسي، كان له هدف وحيد (ياأحكمكم ياأقتلكم) وصدق الرجل".
وواصلت حديثها ساخرة بقولها: "ولكن القتل
وحده غير كاف؛ فتوسع في الاعتقال لجميع أطياف ومختلف أيدلوجيات الشعب المصري، حتى إن الاعتقال طال من كنا نقول عنهم (حزب الكنبة)، أو الفئة التي كانت راضية دائما،
حتى تلك الفئة لم تسلم من الاعتقال".
وأضافت مهاب: "عندما نتدبر الأمر، نتساءل: لماذا كل هذا الطغيان والعنف والشراسة؟ لماذا طوال 10 أعوام وحتى هذه اللحظة
تستمر الاعتقالات لمجرد الاشتباه بأن هذا شخص كان له نشاط سياسي منذ 13 عاما؟".
وتابعت: "الإجابة هي تدعيم ركائز الملك على
جثث المصريين"، موضحة أن "هذه الإجابة تدلنا بوضوح على إجابة سؤال آخر، وهو: لماذا رغم انتهاج سياسة الاعتقال واستمرارها يتم التصريح بالعفو عن بعض
المعتقلين وما شابه؟".
وتواصل الناشطة المصرية رؤيتها مضيفة:
"وهنا نكتشف أن السيسي، لا يخاطب الشعب المصري من الأساس، والخطاب كله للغرب
والمنظمات الحقوقية الدولية، أما المحلية فهي الديكور الذي يجمل وجه النظام الفاسد".
وترى مهاب، أنه "لذلك لا بد من وجود
سيناريوهات لكي يقول السيسي للغرب إنه لا توجد في مصر انتهاكات واعتقالات وقتل، فهو
لا يخاطب الشعب، وكل هذه المصطلحات لإظهار النظام بوجه ديمقراطي عادل".
من جانبها قالت الناشطة المصرية إيمان فريد:
"أخيرا اعترف السيسي، بوجود معتقلين في سجونه"، مشيرة إلى أنه
"أرهق أسرا كانت تحمل الخير لمصر، والآن هي تحمل شنط زيارات المعتقلين
وأكفانهم"، مؤكدة أن "في سجون السيسي، علماء وأطباء ومهندسين".
فريد، أضافت لـ"عربي21": "معظم
من يفرج عنهم السيسي، يموتون بعد بضعة أشهر من خروجهم"، مؤكدة أن
"السيسي يعفو عن معتقلين يعلم أنهم على وشك الموت".
وترى أن "السيسي يتعامل مع المعتقلين
باعتبارهم خصوما سياسيين، وأصبح القمع هو المشروع الوحيد الذي يمتلكه، وما يفعله هو
استهلاك للوقت لإطالة أمد النظام واستمراره".
زيادة الفشل وتفاقم الانتهاكات
وقالت الناشطة المصرية إيمان الجارحي:
"يأتي عيد الأضحى، على آلاف المعتقلين بتوقيت حساس وظروف بالغة التعقيد وكانت
السلطة أطلقت وعودا وعهودا بإطلاق سراح معتقلي الرأي وتكوين لجنة العفو الرئاسي
تزامنا مع ما يسمى بالحوار الوطني، وحركة مدنية وضعت شروطا أولها الإفراج عن
معتقلي الرأي".
وأضافت لـ"عربي21": "رغم ذلك
نجد أعدادا محدودة تم الإفراج عنها، وبدلا من زيادة أعداد المفرج عنهم حدث العكس
وتزداد أعداد المحبوسين احتياطيا الذين لا تشملهم قوائم العفو".
وأكدت أنه "مع اقتراب دعوة السيسي إلى ما تسمى انتخابات الرئاسة تخرج قائمة عن العفو الرئاسي، وتزداد شروط العفو صعوبة على
السياسيين لنجدها لا تتعدى الـ30 معتقلا بينما يقبع الآلاف بالمعتقلات، كما أن المفرج عنهم غالبيتهم من الجنائيين".
وترى الجارحي، أنه "كما أن السيسي، فشل اقتصاديا فإنها تزداد انتهاكات حقوق الإنسان، والتي كان آخرها استشهاد المعتقل علي عباس
بركات، الشهيد رقم 14 من بين المعتقلين خلال النصف الأول من 2023، بسبب الإهمال
الطبي المتعمد".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، نشر متابعون تغريدات
تطالب بالإفراج عن المعتقلين بمناسبة عيد الأضحى، مذكرين بأن أغلبهم يقبع في محبسه
منذ 10 سنوات.