صحافة دولية

كيف أضر الخروج من الاتحاد الأوروبي ببريطانيا؟.. إصلاحات مطلوبة

شكل الخروج من الاتحاد الأوروبي تحديا كبيرا أمام الاقتصاد البريطاني- جيتي
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا، تطرقت فيه للمقابلة التي أجرتها مع عمدة الحي المالي لمدينة لندن، اللورد نيكولاس ليونز، حول وضع المملكة المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي "البريكست".

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نيكولاس ليونز، أينما حل وارتحل حول العالم، يواجه نفس السؤال: ما الذي يحدث في المملكة المتحدة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

وأشارت الصحيفة إلى أن العمدة هو دور غريب، فهذا المنصب موجود منذ ألف عام والسيد ليونز هو العمدة رقم 694، وهو منصب يتم الحصول عليه من خلال انتخابات داخلية سرية للغاية لمجلس "ممثلي مدينة لندن" الذي يعتبر القلب التاريخي للعاصمة البريطانية. وفي الواقع، دوره الحقيقي ليس إدارة المدينة فحسب، بل أن يكون "سفير مركز لندن المالي"، على حد تعبيره.

وأضافت الصحيفة أن اللورد ليونز جال عدة أماكن في العالم. ومرة سافر إلى الولايات المتحدة حيث التقى عدة شخصيات، من بينهم مايكل بلومبرغ، العمدة السابق لمدينة نيويورك ومؤسس شركة "إمبراطورية البيانات المالية" الناشطة في أستراليا والشرق الأوسط، وفي كل مكان يزوره، يواجه نفس وابل الأسئلة: كيف أصبحت المملكة المتحدة، ومعها مدينة لندن، مثارًا للسخرية الدولية؟

ووفقًا لتصريحاته في مقابلة مع مجموعة من الصحفيين الأوروبيين، بما في ذلك صحيفة "لوموند"، يرى السيد ليونز، الذي لا يخفي انزعاجه، أن مدينة لندن كانت صبورة للغاية منذ ذلك التصويت قبل 6 سنوات (تم التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 23 حزيران/يونيو 2016)، وقد حاولنا منح الحكومة فرصة لإثبات وجود فائدة من هذا الانسحاب، مضيفًا أن لندن لم تكن أبدًا من المعجبين بالانسحاب بالبريكست، لأننا كنّا في قلب أهم منطقة تجارية في العالم، وانقلبت علاقتنا فجأة رأسًا على عقب، وشعرنا بقدر كبير من الإحباط.

الأضرار
ولفتت الصحيفة إلى أن  ليونز يأمل أن يكون عام 2023 نقطة تحول؛ حيث أشاد بتوقيع "اتفاقية إطار وندسور" من قبل رئيس الوزراء ريشي سوناك ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والتي حلّت الخلافات حول إيرلندا الشمالية بين لندن وبروكسل، الأمر الذي مكّن في النهاية من استئناف المفاوضات الثنائية حول العديد من القضايا الأخرى.

وحسب ليونز فإن المناخ السياسي قد تغير. فمن ناحية؛ تمت إزاحة أكثر مؤيدي البريكست حماسة بمن فيهم بوريس جونسون؛ ومن ناحية أخرى، فإن المعارضة العمالية بقيادة كير ستارمر، المرشحة للفوز في انتخابات 2024، منفتحة للغاية على الحوار مع أصحاب العمل، لذلك وللمرة الأولى منذ الأزمة المالية الكبرى في 2007-2008، هناك حوار في حزب المحافظين وفي حزب العمال، يضع المدينة في قلب الاقتصاد، حيث يجب أن تكون.

ويضيف ليونز، المصرفي السابق، قائلًا: "على الرغم من الأضرار التي لحقت في السنوات الأخيرة، بدءًا من التراجع البطيء لسوق الأسهم البريطانية الذي بدأ قبل البريكست بفترة طويلة، تميل الشركات الكبيرة، الواحدة تلو الأخرى، إلى طرح أسهمها للاكتتاب العام في بلدان أخرى، معتقدة أن سوق لندن ليست ديناميكية بما يكفي، مثلما حدث مع شركة "إيه.آر.إم القابضة/أرم هولدينغ"، على سبيل المثال، فهذه الكتلة الإستراتيجية التي تتخذ من كامبريدج مقراً لها، والتي تصمم الرقائق الإلكترونية، أعلنت في 3 آذار/مارس الماضي أنها ستستقر في نيويورك، وهي خسارة فادحة للمملكة المتحدة لأنه غالبًا سيغادر معها الموظفون والملكية الفكرية أيضًا".

ووفقًا للصحيفة، فقد عانت لندن أيضًا على مستوى صناديق المعاشات؛ حيث تمتلك المملكة المتحدة ثاني أكبر نظام لصناديق المعاشات التقاعدية في العالم بعد الولايات المتحدة بقيمة 4000 مليار جنيه إسترليني (4550 مليار يورو)، ونظريًا يجب أن توفر هذه المدخرات الخاصة الضخمة، سوق رأس مال ديناميكي مهم، ولكنْ قواعد وسير عمل صناديق التقاعد هذه تمنع حصول ذلك، ونتيجة لذلك وجدت العديد من صناديق التقاعد نفسها تعاني من خسائر فادحة. ولمنع حدوث ذلك مرة أخرى، تم إدخال قواعد محاسبية جديدة تدفع صناديق التقاعد للاستثمار في السندات الأقل خطورة؛ ففي 2000 كان 17 بالمئة من استثماراتها في هذه المنتجات، واليوم ارتفع إلى 72 بالمائة، وبالتالي فإن الأموال - التي كانت في الغالب في الأسهم البريطانية - غادرت هي الأخرى بورصة لندن.

ضرورة إجراء إصلاحَيْن
ونقلت الصحيفة عن السيد ليونز قوله إن الأمر لا يقتصر على العودة إلى سوق الأسهم، فهو يريد بشكل خاص أن تكون صناديق التقاعد قادرة على استثمار أموالها في البنية التحتية أو الشركات الخاصة. وقد تكون هذه الاستثمارات أكثر خطورة وأقل سيولة، لكنها ضرورية لدينامكية الاقتصاد، سواء لتطوير الشركات من حيث التقنيات الجديدة أو لتمويل التحول البيئي. مضيفًا أنه في الوقت الحالي - مقارنةََ بكندا أو أستراليا أو الولايات المتحدة - فإن الأموال من صناديق التقاعد البريطانية لا تموّل الاقتصاد بنفس الطريقة، وهم ملتزمون تمامًا بإصلاح هذه المشكلة.

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن العمدة يبني آماله على إصلاحَيْن رئيسيَيْن:

الإصلاح الأول
في طور التقدم، يسمى "الملاءة 2"، وهو إجراء يجبر شركات التأمين على تخصيص مبالغ كبيرة من النقد للتعامل مع ضربة محتملة (كارثة طبيعية، على سبيل المثال). ومن خلال السماح باحتجاز أموال أقل بقليل، فإنها تأمل في تحرير 100 مليار جنيه إسترليني من استثمارات البنية التحتية.

الإصلاح الثاني
يتعلق بتجزئة صناديق التقاعد البريطانية، حيث يضم نظام المعاشات 13 مليون تأمين، بمتوسط إدخار 30 ألف جنيه إسترليني، وهو مبلغ غير كافٍ على الإطلاق، ومن أجل زيادته، يأمل ليونز أن يتم إنشاء صندوق نمو كبير في المستقبل، متخصص في الشركات الناشئة، حيث يمكن لكل بريطاني وضع نسبة من مدخراته. حينها من المتوقع أن يصل هذا الصندوق إلى 50 مليار جنيه إسترليني.

وفي حالة تنفيذ هذه الإصلاحات، فإن السيد ليونز يأمل ألا يسأله أحد في غضون سنوات قليلة، المزيد من الأسئلة حول تدهور المملكة المتحدة.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)