يقول
المصريون "المضطر يركب الصعب"، ولا أحد
مضطر الآن للخليج مثل الجنرال!
ولهذا ركب طائرة خردة، بدت من شكل الكتابة عليها أنها من
زمن "الجمهورية العربية المتحدة"، وإن كان المكتوب على جدرانها
"جمهورية مصر العربية"، لكنها بدت طائرة قديمة ومتواضعة، في حين أن
الجنرال يملك طائرات حديثة، مزودة بمضادات للصواريخ، لكن الظرف القاهر هو ما كان وراء
هذا الاختيار، في زيارة بدت "أخوية" غير رسمية، تحلل فيها الجنرال من
الملابس الرسمية، وذهب ليتناول السحور مع شقيقه الأصغر محمد بن سلمان!
اللافت أنه لم يلتق بالملك سلمان، ولا يجوز القول إن صحة
الرجل لا تسمح له بذلك، ففي مثل هذه الظروف يقتصر اللقاء على "لقطة"
توزع على وسائل الإعلام، كما كان يحدث لسنوات طويلة في زيارة مبارك للمملكة، حيث كانت
تلتقط له صورة بروتوكولية مع الملك فهد، وكان أيضاً مريضاً، وكان الملك سلمان قد
أصدر قبل ساعات من الزيارة قرارات عدة بتعيين وإعفاء مسؤولين، على نحو كاشف بأن
حالته تسمح ولو بلقاء سريع، لكن الزيارة مع الشقيق الأصغر وليس مع الأب، وهنا نكون
قد وصلنا لبيت القصيد!
زيارة بعد قطيعة:
هي إدارة الهواة للعلاقة مع الخليجيين، وبدلاً من أن يخضع التعامل معهم لقواعد "العلاقات الدولية"، تم الأخذ بنظام إدارة شؤون "الضرائر"، وهي نظرة قديمة لم تتطور، كشف عنها تسريب الرز الشهير، وكيف أن النظرة إلى الخليج أن فيه مالاً وفيراً، وأن "مال الكنزي للنزهي"!
هذه
الزيارة الأخوية الخاطفة، مع شقيقه الأمير محمد بن
سلمان، كانت بعد قطيعة، وتنابز بالألقاب بين إعلاميي البلدين، ومنذ اللحظة الأولى
اجتهدنا في إثبات أن خلافاً وقع وأن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام، وفي
وقت كان الهجوم من طرف واحد بينما كان الطرف السعودي يقول إن الخلاف هو أُمنية إخوانية
لن تتحقق، لكن دخل على خط المعركة إعلاميون مصريون آخرون، لنكون أمام حملة، وهنا
شمر بعض الكتاب السعوديين عن سواعدهم، ليردوا على القصف بقصف، والحال كذلك فلم يعد
هناك إنكار لوجود خلاف بين الطرفين!
القصف من القاهرة كان على عمرو أديب، مقدم البرنامج على
قناة "إم بي سي مصر"
السعودية، ومما قيل إنه يتبني المشروع السعودي
المعادي لمصر، وبشكل لم ينكروا معه وجود خصومة، ثم تطور الإعلان عنها بعدد من اللقاءات
كان آخرها قمة أبو ظبي التي غاب عنها الأمير محمد بن سلمان، وبد أن هناك محوراً
جديداً يتشكل؛ السعودية ليست طرفاً فيه، وبدت رسائل
السيسي الأخيرة من الإمارات عن
نجاح مشروعها أنها رسائل مكايدة للسعوديين. وهي إدارة الهواة للعلاقة مع
الخليجيين، وبدلاً من أن يخضع التعامل معهم لقواعد "العلاقات الدولية"، تم
الأخذ بنظام إدارة شؤون "الضرائر"، وهي نظرة قديمة لم تتطور، كشف عنها
تسريب الرز الشهير، وكيف أن النظرة إلى الخليج أن فيه مالاً وفيراً، وأن "مال
الكنزي للنزهي"!
فلم يعد في قصور الحكم في الخليج، هذا الجيل من الآباء
المؤسسين الذين كان لديهم ضعف تجاه مصر، تأكد في الأخير بحضور الجيش المصري في
معركة تحرير الكويت، وقد لعب السيسي على ذلك، بحديثه الذي بدا مقطوعاً من سياقه،
عن أن الجيش المصري جاهز إذا تعرض أمن الخليج للخطر، وفي حدود "مسافة
السكة"، وكان يعتقد أن بينه وبين هذه المخاطر أمداً طويلاً، لكن حدثت حرب
اليمن، ليتبخر هذا الوعد. ثم إن المملكة العربية السعودية، عادت من جديد إلى مجال
الاستثمار في تركيا، وبدت زاهدة في الاستثمار في مصر، وليست معنية بالتنافس مع
الإمارات في هذا المجال، ولا مشغولة بذلك، وإن كان ولا بد فبشروطها، وهي ترى أن
سعر الجنيه ليس عادلاً، وفي انتظار المزيد من التعويم، ثم ها هي تتقدم خطوة للأمام
بالتقارب مع ايران، فليس هناك خطر على أمنها القومي، يستدعي حضور من لم يسبق له
الحضور من قبل!
لم يعد أحد ينكر أن هناك خصومة بين الجانبين، وبعد المصالحة فإن الحاكم في مصر يحرص على أن تكون الزيارة الأولى من الطرف الآخر، كما حدث مع قطر، ولم يزر تركيا إلى الآن في انتظار أن يبدأ أردوغان، لاستخدام هذا في التسويق الداخلي لقوة الجنرال، لكن هذا الشرط لم يتم العمل بها لعودة المياه لمجاريها مع المملكة، فكانت زيارة المضطر الذي ركب الصعب، ليتناول سحوره مع شقيقه الأصغر محمد بن سلمان
لقد بدأ التلويح بعدم تسليم تيران وصنافير، وهي جزر صارت
سعودية بموجب قرار البرلمان المصري، ولا يمكن لأهل الحكم في مصر أن يجادلوا في ذلك
إذا تم اللجوء إلى أي مستوى للتحكيم الدولي، لكن السعودية لم تر في الأمر ما يمكن
به إجبارها على شيء، لأن هناك طرفاً آخر هو المهم للحكم المصري في عملية التنازل،
وهو إسرائيل، ومن ثم فالتسليم مسألة وقت، والمناورات لن تستمر للأبد!
الزيارة الأولى:
المهم في هذا كله أنه لم يعد أحد ينكر أن هناك خصومة بين
الجانبين، وبعد المصالحة فإن الحاكم في مصر يحرص على أن تكون الزيارة الأولى من
الطرف الآخر، كما حدث مع قطر، ولم يزر تركيا إلى الآن في انتظار أن يبدأ أردوغان،
لاستخدام هذا في التسويق الداخلي لقوة الجنرال، لكن هذا الشرط لم يتم العمل بها
لعودة المياه لمجاريها مع المملكة، فكانت زيارة المضطر الذي ركب الصعب، ليتناول
سحوره مع شقيقه الأصغر محمد بن سلمان، ومع أن الزيارة لم تبدأ بالملك فكان ينبغي
للبداية بعد القطيعة أن تبدأ من الأصغر إلى الأكبر!
مهما قيل عن أخوية الزيارة فإن لغة الجسد تفيد أنها ليست
كذلك، وذلك بالمقارنة بجلسات أخوية سابقة كان "البساط فيها أحمدي" بحسب
المثل المصري، ولم يكن كذلك في لقاء السحور الأخوي، فقد تعكر صفو الأمير بهذا
التطاول من جانب إعلاميين يدرك تماماً أنهم لا يتحركون من تلقاء أنفسهم، لنصل إلى
درس مفيد!
لقد ولى زمان كان فيه عبد الناصر على رأس السلطة في مصر،
وهو صاحب كاريزما، وحضور، وشعبية تفوق شعبية الحكام العرب كافة في عقر ديارهم، وتنطلق
من مصر إذاعة صوت العرب، التي تُسمع من المحيط إلى الخليج، والتي يمكن تسليطها على
حاكم ما في الخليج أو غيره فتهز مركزه، وتضرب هيبته!
ولى زمان كان فيه عبد الناصر على رأس السلطة في مصر، وهو صاحب كاريزما، وحضور، وشعبية تفوق شعبية الحكام العرب كافة في عقر ديارهم، وتنطلق من مصر إذاعة صوت العرب، التي تُسمع من المحيط إلى الخليج، والتي يمكن تسليطها على حاكم ما في الخليج أو غيره فتهز مركزه، وتضرب هيبته!
الإعلاميون المصريون الموالون للنظام ليسوا في كفاءة
الإعلاميين في عهد عبد الناصر، أو حتى في عهد مبارك، ولهذا هم يذهبون للخوض في
الأعراض، وإلى أسلوب خناقات الشوارع، وفعلوا الأولى والثانية مع قطر، لكنهم فعلوا
الثانية مع السعودية، فلم يخوضوا في عِرض ولم يتطاولوا على مقام!
بيد أن الخليج الآن اختلف، فعلى مدى سنوات طويلة يؤسس إعلامه،
بينما انهار الإعلام المصري في السنوات العشر الأخيرة بشكل مذهل، وفضلا عن هذا
فالحاكم ليس هو عبد الناصر، والجيل الحالي من حكام الخليج ليس كجيل الآباء
المؤسسين، فما الذي يدفعه لقبول هذا الابتزاز؟!
لقد اندفع عدد من الكتاب السعوديين ليعاملوا القوم
بالمثل، وإذا كان أهل الحكم في القاهرة يعتمدون على الذباب الإلكتروني، فالمواطنون
في السعودية دافعوا عن أنفسهم، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة!
فكان لا بد من اللجوء إلى الحيلة الأخرى، فالظروف
الاقتصادية في مصر ضاغطة، وإذا كان رعاة الانقلاب الخليجيون قد توقفوا عن تقديم
المساعدات، فلا بد من نواة تسند الزير، فإن كانت قروضاً فلا بأس، وإن كانت
استثمارات، فنصف العمى ولا العمى كله!
وكانت هذه الحيلة، فهذه الزيارة الأخوية للشقيق الأصغر،
لعل المياه تعود إلى مجاريها، لكن هناك ما تهشم بالهجوم والمناورات لن تصلحه
بيانات تفتقد للروح عن السعادة باللقاء الأخوي.
السؤال الأهم: هل سيسلم تيران وصنافير، أم سيذهب من جديد
إلى المناورة، مما يزيد من الشعور بعدم الارتياح في التعامل معه؟!
في النهاية ستسلم تيران وصنافير، لكنها ستكون علاقات
الحد الأدنى من الجانب السعودي.
فما في القلب في القلب!
twitter.com/selimazouz1