ثلاثة
قرارات متتابعة مثيرة للجدل اتخذتها حكومة رئيس النظام
المصري عبدالفتاح السيسي،
وذلك بالسماح بعودة ناشط سياسي للقاهرة رغم أنه طالما انتقد سياساتها، والإفراج عن
رئيس جهاز رقابي سابق بعد 5 سنوات من الحبس، وإخلاء سبيل رجل أعمال شهير ونجله إثر
اعتقال دام نحو عامين.
وفي
مفاجأة مثيرة عاد لمصر الناشط السياسي والخبير الهندسي المعارض من الخارج الدكتور ممدوح
حمزة (76 عاما) مساء الأحد، بعد 3 سنوات و4 أشهر من المغادرة إلى لبنان وألمانيا والمملكة
المتحدة، على خلفية انتقاده نظام السيسي عبر "تويتر". وذلك قبل أن يجري رفع
اسمه من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول في 9 شباط/ فبراير الجاري، بعد أن أجلت
محكمة مصرية في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي إجراءات إعادة محاكمته بتهم نشر أخبار
كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية.
"مرحب
بالمخلصين"
حمزة،
أعلن من صالة كبار الزوار بمطار القاهرة عن وصوله عبر فيديو نشره في صفحته على "فيسبوك"،
معربا عن سعادته بتلك العودة، ومؤكدا أنه عقب وصوله قابل ضابطا مصريا برتبة لواء، قال
له: "مصر ترحب بأولادها المخلصين".
وأضاف
حمزة: "إذا كان هذا هو اتجاه الدولة حاليا، فإننا نسير على الطريق الصحيح"، داعيا
النظام لاستكمال ذلك المسار، مؤكدا أن "هناك مخلصين كثيرين قابلتهم بالخارج وهناك
مخلصون بالسجن".
عودة
حمزة للقاهرة، واستقبال شقيقته ونجلها وزوجها السياسي المصري أسامة الغزالي حرب له
بمطار القاهرة، واستقبال عقيد شرطة له من داخل الطائرة التي أقلته من بيروت ثم لقاء
مسؤول أمني برتبة لواء، مثيرة للجميع.
وذلك
بخاصة أنها تأتي بعد اعتراف حمزة، قبل 20 يوما وتحديدا في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي،
بأنه أخطأ حين شارك بمظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، ضد الرئيس الراحل محمد مرسي.
"خارج
الأسوار"
وفي
السياق، تثار الأنباء على لسان محامين أمس الاثنين، عن إخلاء سبيل رئيس الجهاز المركزي
للمحاسبات المستشار هشام جنينة (69 عاما) بعد انقضاء فترة محكوميته بالسجن 5 سنوات
من محكمة عسكرية بتهمة إذاعة أخبار كاذبة.
واعتقل
جنينة، في أبريل/ نيسان 2018، بتهمة إذاعة أخبار كاذبة بعد تصريح للصحفي الذي جرى اعتقاله
أيضا، معتز ودنان، عن امتلاك رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، الفريق سامي عنان،
لمستندات وصفها بـ"بئر الأسرار".
جنينة،
الذي عينه الرئيس الراحل محمد مرسي، في أيلول/ سبتمبر 2012، على رأس الجهاز الرقابي،
أقاله السيسي، في 28 آذار/ مارس 2016، إثر تصريح مثير لصحيفة "اليوم السابع"،
بأن تكلفة الفساد بمصر خلال عام 2015، بلغت 600 مليار جنيه.
وفي
ملف ثالث، وبالتزامن نشرت الجريدة الرسمية بمصر الأحد الماضي، قرار رفع اسم رجل الأعمال
صاحب شركة "جهينة" صفوان ثابت، (76 عاما) من قوائم المنع من السفر وترقب
الوصول، وذلك بعد الإفراج عنه في 22 كانون الثاني/ يناير الماضي هو ونجله سيف (41 عاما)
بعد اعتقال دام عامين لكليهما.
وجرى
اعتقال ثابت، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، ثم نجله لاحقا بتهم "تمويل الإرهاب"،
فيما أشارت تقارير صحفية وحقوقية إلى مساومات من النظام المصري لثابت، حول شركته.
"دون
مردود"
وفي
قراءته لدلالات سماح النظام في مصر بعودة
ممدوح حمزة بعد الإفراج عن صفوان ثابت ونجله،
وأنباء نهاية فترة سجن هشام جنينة، قال القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية سمير عليش:
"قطعا يريد مصالحة البعض استعدادا لانتخابات الرئاسة في 2024".
وعن
رسائل النظام من المواقف الثلاثة، وإلى من يريد توجيهها، يرى عليش، في حديثه لـ"عربي21"،
أن "مدة حبس جنينة انتهت، والإفراج عن ثابت رسالة للداخل قبل الخارج"، مستدركا:
"ولكن لا أعتقد أن يكون لها مردود محسوس، فالثقة تدمرت بمؤسسة العدالة".
"دروس
للمعارضة والسلطة"
وفي
رؤيته أكد السياسي المصري ورئيس حزب "الخضر" محمد عوض، أن "عودة حمزة،
استرداد لجزء من حقوقه في المواطنة، بعد حكم قضائي برفع اسمه من قوائم الترقب والوصول،
ومن ثم فالموقف الإيجابي للدولة لم يكن السماح لمواطن بالعودة لوطنه، ولكن أنها احترمت
أحكام القضاء".
عوض
أضاف لـ"عربي21" أن "سعادة حمزة لم تكن بلقاء عائلته، وأراها سعادة
المنتصر بمعركة المبادئ والانتماء الوطني، هي درس لكل رجالات السياسة، بأن الوطن له
قيمته ويستحق التمسك به والذود عنه رغم التضحيات".
وتابع:
"وإن ظن بعض الساسة بأنه من الحكمة التزام المواءمات مع أنظمة الحكم غير الديمقراطية
في صفقات الأمان مقابل الاستسلام، فهي أسوأ صور الصفقات السياسية، وأحد مؤشرات التجارة
بالمبادئ، وذلك درس موجه للمعارضة".
وأكد
أن "الدرس الموجه للسلطة، أن تعي ما لم تكن تعيه من أن القهر بدولة ما لن يقبل
به المجتمع الدولي، احتراما لمبادئ حقوق الإنسان أو للإجهاض المبكر لما يصيب المجتمع
الدولي من أضرار نتيجة الحكم غير الرشيد".
ويرى
أنه، "من أجل هذا يمارس المجتمع الدولي الضغوط وفرض العزلة الدولية علي هذه الأنظمة
والتي حتما تؤدي لسقوطها"، مشيرا لاحتمال أن يكون "هذا ما بدأت سلطة مصر
استيعابه، فكان سلوكها بعدم التعسف بتنفيذ حكما قضائيا لصالح حمزة".
"مؤشر
ضعيف"
ورغم
ذلك يعتقد عوض، أن "عودة حمزة، ليست إلا مؤشرا ضعيفا على احترام حقوق الإنسان،
فما زال هناك آلاف السياسيين الذين لا يستطيعون العودة لوطنهم تحسبا من العصف بهم".
وأوضح
أنه "لا تعليق لي حتى اللحظة على عودته، انتظارا لسلوك السلطة تجاه باقي المصريين
بالخارج، وفي ضوء ذلك يمكن الحديث عن جدية السلطة وانتهاجها احترام حقوق الإنسان، وفتح
آفاق الحريات السياسية للجميع، أم لا".
ولا
يظن رئيس حزب الخضر، أن "عودة حمزة، وخروج شخصيات من محبسها أمر مرتبط بانتخابات
2024"، قائلا: "لم نعهد السلطة تأبه لهذه الاجتهادات السياسية، وأعتقد أن
الأمر يتعلق بمحاولة تخفيف ضغوط معارضة الخارج على دول الغرب بشأن تهاونها بملف حقوق
الإنسان".
"جمع
معسكر يوليو"
من جانبه
قال الإعلامي المعارض ورئيس رابطة الإعلاميين المصريين بالخارج الدكتور حمزة زوبع:
"لا اختلاف على أن السيسي في ورطة، ويريد إعادة لم شمل معسكر 3 يوليو، وفعلها
بالانتخابات السابقة، ولم يتعلم من أيدوه من قبل".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أضاف" "ولا أعتقد أن السيسي، سيمنح أحدا من حوارييه
أو مؤيديه شيئا، ولو أراد لفعل من قبل، ولكنه لم يفعل فلماذا يفعل الآن؟".
وعن
تأثير عودة حمزة للقاهرة على المعارضة المصرية، يرى زوبع أن "النظام العسكري لم
ولن يتغير وكذلك معظم من يسمون بالعلمانيين والليبراليين، وعلينا أن نفهم أن خلافهم
مع العسكر ليس مسألة مبدأ ولكن خلاف على التفاصيل".
ويعتقد
أن "خلاف هؤلاء الرئيسي والمبدئي مع الإسلاميين والإخوان المسلمين تحديدا، وهم
يرون الجنرالات حليفا دائما والإسلاميين عدوا دائما، وبالتالي ما نراه من تصريح بعض
هؤلاء ليس دليلا على توبتهم أو ندمهم على انحيازهم للجنرالات".
ولفت
إلى ما "ذكره ممدوح حمزة قبل شهرين بإعلانه الندم على مشاركته بـ30 يونيو"،
مؤكدا أنه "لم يكن بسبب صحوة ضمير بل مناكفة للنظام، وحين أشار عليه النظام بالعودة
عاد مطمئنا آمنا، بينما ننتظر خروج المستشار جنينة حتى اللحظة".
"لا
تغيير"
الحقوقي
المصري هيثم أبو خليل، قال لـ"عربي21": "بداية إن المستشار هشام جنينة،
حتى الآن لم يخرج، وقضى محكوميته كاملة بزيادة يوم".
ويرى
أن "ما حدث مع صفوان ثابت ونجله كقوة اقتصادية، ورفعهم من قائمة الكيانات الإرهابية
وعودة سيف صفوان لمنصبه فورا بالشركة، هو إجراء اقتصادي لإنقاذ ما تبقى من استثمارات
بالبلاد، خاصة أن موضوع ثابت أثر بشكل كبير في ملف الاستثمار".
وأضاف: "هم يرون أن المستثمرين يهربون، ولا أحد يريد الاستثمار، فيحاولون الآن تبيان أن هناك
حالة جديدة"، متوقعا "الإفراج لاحقا عن رجال أعمال من الذي حدث لهم تأميم
كبير مثل رجب السويركي، وحتى رجل الأعمال حسن راتب، لتهدئة الأمور".
وعن
عودة، ممدوح حمزة، قال إنه "ليس المعارض الذي يتخيله المعارضون لأنه في الداخل
بأسلوب وفي الخارج بآخر، وعودته كعودة المخرج خالد يوسف، الذي لم يقدم أي دور معارض،
والهدف إظهار أن هناك حالة جديدة، وتغطية على فشل الحوار الوطني الذي لم يتم رغم إطلاقه
قبل نحو عام".
ويعتقد
أبو خليل أنه "لا تغيير في سياسات النظام ولا في تعامله مع المعارضة"، ملمحا
إلى أنه "لا علاقة للأمر بالاستعداد لانتخابات 2024، لأنه سيحدث كما حدث في
2014 و2018 مسرحيات بالاستعانة بشخصيات مثل حمدين صباحي وموسى مصطفى".
وأكد
أنه من "المفروض أن يصالح النظام الداخل قبل الخارج، ويُفرج عن عشرات الآلاف من
المعتقلين ومن النساء وآخرهم منال عجرمة".
"ماذا
قال مصريون؟"
الأحداث
الثلاثة، من عودة ممدوح حمزة، والإفراج عن صفوان ثابت، وأنباء الإفراج هشام جنينة،
لاقت اهتماما واسعا من المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتباينا في وجهات النظر
بشأنها.
البعض
تمنى أن تكون انفراجة حقيقية وعودة من النظام عن أخطائه السابقة ومعاملته الأمنية مع
المعارضين، وتقبل الرأي الآخر ومقدمة للإفراج عن المعتقلين بالسجون المصرية منذ العام
2013.
لكن
آخرين رأوا أنها حيلة ذكية لتجميل وجه النظام أمام العالم لدعم ملف الاستثمار بالإفراج
عن رجل أعمال، وغلق ملف الانتقادات الحقوقية للقاهرة، بعودة حمزة الناشط صاحب التأثير
محليا ودوليا.
رأي
ثالث يرى أن حمزة تسرع بعودته، وأنه لن يستطيع الحديث مجددا، وأنه وقع بالفخ ودخل مصيدة
النظام، وأن نهايته قد تكون المعتقل أو الإقامة الجبرية، مشيرين إلى اختفاء الناشط وائل
غنيم عن الساحة منذ عودته في أيلول/ سبتمبر الماضي بنفس طريقة حمزة.
ورأى
البعض أن النظام المصري تعرض لضغوط للإفراج عن صفوان ثابت، والسماح بعودة ممدوح حمزة،
مشككين في أن يكون الإفراج لأسباب قانونية أو سياسية.
وعبر
صفحتها على "تويتر"، تساءلت الكاتبة الصحفية مي عزام، قائلة: "ما المعايير
التي يضعها النظام ليكون نفس الشخص مرة خائنا وعميلا، وعلى قوائم الإرهاب، ومهددا، ثم
يصبح مواطنا مخلصا مرحبا به؟".