تقارير

موسوعة القرى الفلسطينية.. مشروع توثيقي لحفظ الهوية وإنعاش الذاكرة

موسوعة علمية توثق للقرى الفلسطينية قبل الاحتلال وبعده
على مدار أكثر من ثلاث سنوات عكف عدد من الباحثين الفلسطينيين والعرب من مختلف أنحاء العالم يجهزون لمشروع ثقافي فلسطيني توثيقي بحثي كبير أطلق مُؤخرا ليكون محط أنظار الشباب والباحثين يربطهم بقراهم وتاريخهم ليصنعوا مستقبلهم بأيدهم.

إنها موسوعة القرى الفلسطينية وهي: مشروع بحثي توثيقي يهدف لتوفير مادة علمية أكاديمية عن القرية الفلسطينية بمختلف جوانبها الاجتماعية، الثقافية، التاريخية والجغرافية على شبكة المعلومات العنكبوتية، بحسب الدكتور محمد عمرو مستشار الموسوعة والعضو المؤسس فيها.

ويروي عمرو لـ"عربي 21" كيف جاءت فكرة تأسيس هذه الموسوعة على مدار هذه السنوات والعمل الشاق ووصل الليل مع النهار وذلك من خلال كتابة بعض الأبحاث عن القرى الفلسطينية حيث تبين لدى فريق العمل الحاجة الماسة لعمل بحثي توثيقي شامل للقرى الفلسطينية الحالية والمدمرة عام 1948م، وكذلك الشعور بالحاجة الماسة لعمل شامل ومنظم وسهل الوصول إليه.

وقال عمرو: "تهدف هذه الموسوعة إلى ربط الفلسطيني بقريته التي هُجِرَ منها وخاصة الجيل الشاب، وتسليط الضوء على المستوى الثقافي والحضاري الذي وصلت إليه القرية الفلسطينية قبل عام 1948م، والتي يزعم الصهاينة أنها كانت أرض بلا شعب، والتأكيد على حق العودة، وإتاحة مادة علمية مرجعية لأبناء القرى وللباحثين والمهتمين".


                                    محمد عمرو مستشار وأحد موسسي الموسوعة

وأوضح أن العمل في هذا المشروع بدأ قبل 3 أعوام، وأطلق في الثامن من آب/ أغسطس من العام 2022م، وذلك من أجل تثبيت الحقائق، وإيصالها إلى من يطلبها بكل مهنية وأمانة علمية وموضوعية وكذلك من أجل إنعاش ذاكرة الأجيال الجديدة من أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين، وجميع الباحثين الراغبين في الوصول إلى الحقيقة، من خلال عرض الحياة الفلسطينية القروية بكل  بتفاصيلها  وعرض النضال الوطني الذي خاضه أبناء هذه القرى الفلسطينية دفاعاً عن أرضهم أمام الهمجية الصهيونية التي استنفرت كافة أداوتها الإجرامية من أجل تطهير القرى الفلسطينية عرقياً، وقتل الشهود على هذا الإجرام أو تهجيرهم من أرضهم وقراهم.

وأكد الناشط الفلسطيني على أن نطاق العمل لتجهيز هذه الموسوعة تركز على توثيق القرية الفلسطينية توثيقاً علمياً معتمداً على باحثين مختصين في ذلك، ومقابلة أعيان من أبناء كل قرية، وإنتاج فيلم قصير لكل قرية ضمن سلسلة حكاية قرية، وبناء منصة إلكترونية موسوعية تحوي مواداً علمية وثقافية تخص كل قرية فلسطينية.

وتحدث عمرو عن أهم المشاكل والعقبات التي واجهتهم في مسيرتهم في إنجاز هذا العمل، قائلا: "العمل الموسوعي صعب وشاق، والإحاطة التامة شبه محالة، فكيف والبحث في قرى أكثر سكانها فارقوا الحياة وهم ينتظرون أجراس العودة، وكثير من القرى مدمرة أو مُزالة، وكذلك بعضها تتعارض روايات أهل القرية وبعض المؤرخين، إضافة لقلة المراجع العلمية الدقيقة، ثم بطء الإنجاز لان بحث القرية الواحدة مع المتطوع قد يستغرق شهرين أو أكثر".

وأضاف: "جاء هذا العمل لأن الحقيقة لا بدّ أن تنجلي، ولأن الظلم لا بدّ إلى زوال، وجاءت هذه الموسوعة لتكون خطوة جادة على طريق كتابة فصول الرواية الفلسطينية الحقيقية، بعيدًا عن كل محاولات التشويه والافتراء، وحتى تبقى فلسطين وقراها ومدنها في قلوب الأجيال وهمهم ولحنهم المفضل".

وعرّف أحد مؤسسي الموسوعة فريق العمل بالقول: "نحن فريق من الشباب العربي والفلسطيني المؤمن بحقه في فلسطين، والمتيقن من العودة قريبا، نقيم في سوريا ولبنان والأردن وأوروبا وفلسطين والخليج، فنحن شباب منتشر على امتداد خريطة اللجوء".

وأضاف: "نقف في صفّ الدفاع عن أرض فلسطين، من خلال الوقوف في وجه الماكينات الإعلامية الإجرامية للاحتلال التي تعمل ليل نهار في سبيل مسح هذا الجزء الذي يحتوي على الحقيقة من ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين من أبناء القرى الفلسطينية".



وقسّم عمرو موسوعة القرى الفلسطينية إلى أربعة أنواع بحسب: أولا قرية حالية: وهي القرية التي يسكنها الفلسطينيون في الداخل المحتل ويكون احتلالها غالبا 15/5/1948م أو القرية الحالية التي يسكنها أهلها شرقي القدس وفي الضفة الغربية وغالباً يكون تاريخ احتلالها 5/6/1967م.

ثانيا قرية مُزالة: وهي القرية التي تمت إزالتها وتغيير معالمها والبناء عليها، وكل قرية لها تاريخ إزالة أو احتلال.

ثالثا قرية مهجرة: وهي القرية التي تم تهجير أهلها وبقاء القرية خالية إلا من آثار سكان أهلها وبقية مبانيهم، حتى لو تم البناء على جزء من اراضي القرية فتم اعتبارها مهجرة، ولها تاريخ تهجير خاص بها.

رابعا: القرى التي هجرت أو دمرت قبل النكبة: وهي القرى التي عمل الانتداب البريطاني على إخراج أهلها منها، وقد تكون أزيلت أو هجرت قبل ذلك يبقي أن أشير أن كثيرا من قرى الضفة الغربية ما زالت تحت البحث والإعداد لذلك لم تنشر بعد، وجاري العمل عليها.



وعن الرسالة المراد إرسالها من خلال هذه الموسوعة قال عمرو: "إن المحتل سرق التراب والماء والهواء، وحطم الشجر والحجر وأراق الدماء، وغير الأسماء؛ واستبدلها بأسماء عبرية مارقة، يحسبون أنهم بتزييف الأماكن والأسماء يمحون ماضيًا وتاريخًا عريقًا للقرى الفلسطينية، ويبنون معالم دولتهم المزعومة المارقة الزائلة، ولا يعلمون أن الذاكرة الفلسطينية حية لا تموت، وأن مشروعًا مثل موسوعة القرى الفلسطينية قادر على فضح هذا الزيف وحفظ الحق لأهله حتى تعود البلاد لأهلها، ويزول الاحتلال".

وأضاف: "ولأن القرية الفلسطينية هي الجذر الذي ينتمي إليه معظم اللاجئين الفلسطينيين، عزمنا نحن في موسوعة القرى الفلسطينية على الوفاء لجذورنا، وحفاظاً على ذكرياتنا؛ فكان هذا المشروع الذي نسعى أن يكون مرجعاً موثوقاً للباحثين".

ومن جهته وصف البرفسور خالد الخالدي، أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية بغزة، ومؤسس والرئيس السابق لمركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني بغزة؛ الموسوعة بأنها موقع ممتاز، ويفيد قضية الشعب الفلسطيني، متقدما بالشكر والتقدير للهيئة المشرفة على هذه الموسوعة القيمة، ومشيد بجهودهم.


                              خالد الخالدي.. أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية بغزة

وأكد الخالدي في حديثه لـ "عربي21" أن "احتواء الموسوعة على كتب وصور ووثائق وفيديوهات ومعلومات مفصلة عن القرى الفلسطينية، وتمكين المهتمين من الوصول إلى هذه المعلومات يفيد جدًّا قضية اللاجئين خاصة والقضية الفلسطينية بشكل عام"..

وقال: "تؤكد هذه الموسوعة للأجيال الحاضرة واللاحقة أنه مهما طال عمر الاحتلال فإن أصحاب الأرض هم الفلسطينيون، فهذه صور بيوتهم، وهذه آثار مدارسهم، وهذه معالم حضارتهم، وهذه صور مزارعهم، وبساتينهم، وهذه معلومات عن قادتهم ومخاتيرهم وشيوخهم وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم وأغانيهم".

وأضاف: "كل هذا يزيد أبناءهم وأحفادهم يقينًا أنهم أصحاب الأرض وأن واجبهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في تحريرها والعودة إليها، ويدفع المنصفين في كل أنحاء العالم لمناصرة القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب الفلسطينيين لرفع الظلم عنهم والعمل على إعادتهم إلى أرضهم".

وأكد الأكاديمي الفلسطيني أن هذا العمل بتفاصيله يحرج مناصري الاحتلال، ويؤكد للعالم أنهم ظالمون، كما يخزي المحتلين ويؤكد لهم دومًا أنهم لصوص، ويدفعهم للهروب كلما زادت ضغوط مقاومة الشعب الفلسطيني لهم، وضغوط مناصري الشعب الفلسطيني عليهم.

واعتبر الكاتب والباحث ناهض زقوت موسوعة القرى الفلسطينية بانها إنجاز وطني لتعزيز ثقافة حق العودة، والعمل على ترسيخ ثقافة الانتماء للأرض في نفوس الأجيال الجديدة، وإبراز أهمية الأرض ومكانتها التاريخية والحضارية.

 وقال زقوت لـ "عربي21": الموسوعة تعمل على تعزيز ثقافة حق العودة، وإبراز الهوية الوطنية الفلسطينية التي يسعى الاحتلال إلى طمس معالمها وتهويد أسماء مدنها وقراها وشوارعها".


                                                 ناهض زقوت.. باحث فلسطيني

واعتبر الموسوعة بأنها شاهد حي على أن الشعب الفلسطيني هُجر من أرضه بقوة السلاح والقتل والإرهاب، ويجب أن يعود إليها مهما طال الزمن او قصر، متسلحًا بكل الطرق والوسائل للدفاع عن حق عودته.

وقال زقوت: "قضية اللاجئين الفلسطينيين هي جوهر القضية الفلسطينية وأصل وجودها، ودون حلها ستبقى القضية قائمة حتى يعود هؤلاء اللاجئين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها، ودون ذلك لا يمكن الادعاء بأن القضية الفلسطينية قد حلت، وأن الصراع قد انتهى".

وأضاف: "منذ ما يزيد عن سبعين عاماً كتب الباحثون والدارسون عشرات الكتب والدراسات حول قضية اللاجئين، وأجريت العديد من المقابلات الاعلامية مع الذين هجروا من أراضيهم، وجميعهم يؤكدون حق عودتهم إلى ديارهم سواء بقوة الارادة والنضال، أو استناداً لقرارات الأمم المتحدة التي تدعو لعودة اللاجئين إلى أراضيهم، وفق الفقرة 11 من القرار 194 لسنة 1948".

وأوضح أن الفعل الثقافي تجاه قضية اللاجئين تطوّر من الكتابة إلى استخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة، التي جعلت العالم قرية صغيرة، وفي متناول اليد، فبضغط زر تصبح المعلومة أمام طالبها بكل سهولة، لذلك استغل الباحثون والمؤسسات المهتمة بقضية اللاجئين هذا الوسائل الإلكترونية الإعلامية في تفعيل قضية اللاجئين وحق العودة، ونشر المواد التي تساهم في تعزيز الثقافة الوطنية كفعل سياسي وأداة استراتيجية فاعلة، لها أثرها الواضح في الحفاظ على الثوابت، وترسيخ المفاهيم، ومنع الانحطاط والهزيمة والضياع.

وأكد زقوت على أن الموسوعة تعمل بما يعزز صمود الأجيال الجديدة في الأرض والدفاع عنها، بدلاً من محاولا الهجرة وترك للأرض، قائلا: "فنحن نطالب بعودة اللاجئين، وأجيالنا الجديدة تحاول أن تهاجر من الأرض/ الوطن، لأنهم فقدوا ثقافة الانتماء للأرض".

وقال الباحث الفلسطيني: "تساهم الثقافة الرقمية في نشر المعلومات أكثر وأوسع من الثقافة المكتوبة، وذلك بفضل الوسائل الحديثة في الاطلاع والقراءة".

وشدد على أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة في تعزيز ثقافة حق العودة، ونشرها على أوسع نطاق، كي تصل إلى العالم أكثر من الكتاب، ويستطيع من خلالها الباحث عن معلومة عن قرى فلسطين المهجرة والمدمرة وتعدادها وسكانها أن يصل إليها بكل سهولة، ويتعرف على ما حل بالشعب الفلسطيني عام 1948، مما يساهم في خلق رأي عام يساند قضية اللاجئين الفلسطينيين، سواء لدى الشعوب أو السياسيين أو صناع القرار في العالم.



وأكد أن الثقافة الرقمية تعزز من إبراز الرواية الفلسطينية للعالم وكشف حقيقة الهجمة العنصرية الاسرائيلية تجاه شعبنا، ونقض روايته عما حدث عام النكبة.

وقال زقوت: "لقد تصفحت عناوين وأقسام الموسوعة، فوجدتها تضم أقساماً عن القرى الفلسطينية، والمكتبة الرقمية، والتقارير، والوسائط المتعددة".

وأضاف: "يقوم على هذا المشروع فريق عمل مكون من ثلاثين باحثاً ومصوراً ومستشاراً من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والسعودية وقطر وأمريكا والسويد وتركيا، فهو مشروع اعلامي توثيقي ضخم يقوم على دراسة معمقة للقرى والمدن الفلسطينية سواء التي ما زالت قائمة بسكانها، أو التي هجر سكانها منها في عام 1948م أو في عام 1967م، وذلك بفعل المجازر والتطهير العرقي الذي ارتكبته المنظمات اليهودية المسلحة بحق الشعب الفلسطيني".

وأشار إلى أن الموسعة تذكر أسماء القرى جميعاً، وتقدم معلومات عن كل قرية من حيث الموقع والمساحة، وسبب تسميتها، مصادر المياه، وسكانها، وعائلات القرية وعشائرها، والحياة الاقتصادية، والثروة الزراعية، والبنية المعمارية للقرية، ومعالمها وآثارها، والمؤسسات والخدمات، والوضع الصحي، والتعليم، والتراث الشعبي، والعادات والتقاليد، وإدارة القرية، والاستيطان في القرية، واحتلال القرية وحالها اليوم.

وقال: "يضاف إلى ذلك خارطة المدن الفلسطينية التي بمجرد الضغط على اسم المدينة ينتقل الموقع إلى المدينة وقراها، وتقديم معلومات عن كل مدينة، وكذلك صور من القرية قديمة وحديثة، ومقاطع فيديو عن القرية، وموقع القرية على خرائط غوغل".

وأضاف: "تشير الموسوعة في أيقوناتها إلى القضايا والتقارير التي رصدتها حول الأزمات والاشكاليات والمواضيع السياسية التي ارتبطت الشعب الفلسطيني. وكذلك تضم مكتبتها الرقمية مجموعة من الكتب والدراسات حول المدن والقرى الفلسطينية، بالإضافة إلى الوثائق والخرائط والتصاميم، والإنفوغراف".