نشرت
صحيفة "
واشنطن بوست" مقالا للباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات
الخارجية أصلي أيدنطاشباش، تساءلت فيه عن ما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان ارتكب
أكبر خطأ في تاريخه السياسي، مشيرة إلى قرار محكمة تركية يتعلق بإدانة رئيس بلدية إسطنبول
إمام أكرم أوغلو بتهمة الإساءة لمسؤولين رسميين.
وأشارت
الكاتبة إلى أن الرئيس أردوغان يعرف أمرا أو أمرين حول الفوز بالانتخابات، مثلا،
أن أحسن طريقة لتأمين النصر هي الفوز قبل موعد الانتخابات.
ومنتصف
شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أصدرت محكمة في إسطنبول حكما ضد
إمام أوغلو بالسجن
لمدة عامين وسبعة أشهر ومنعه من ممارسة السياسة.
ورأت
الكاتبة أن العمدة الشاب والنشط يمثل تهديدا للرئيس أردوغان الذي تراجعت شعبيته في
وقت تحضر فيه البلاد لانتخابات 2023.
واعتبرت
الكاتبة أن أردوغان طالما تبنى استراتيجية حصيلتها صفر، وأعرب عن استعداد لعمل ما
بيده لتحييد منافسيه. إلا أن محاولته تحييد إمام أوغلو ومنعه من السياسة تأتي
بمخاطر عدة، وربما ارتدت سلبا عليه، لو لعبت المعارضة أوراقها بذكاء.
ولم
ينته السباق بعد، كما أن القرار ضد أوغلو لن يصبح ساري المفعول إلا بعد مصادقة
محكمة الاستئناف عليه. وربما نصحت المعارضة وهي مجموعة من ستة أحزاب للرد على حركة
الرئيس والوقوف وراء إمام أوغلو وربما اختارته كمرشح رئيسي لها.
وشككت
الكاتبة بقانونية قرار حبس إمام أوغلو، معتبرة أن القرار أصدر من سلطات عليا في
تركيا.
وأضافت:
"القضية كابوسية حتى بالمعايير التركية، فعمدة إسطنبول متهم بإهانة القضاء
عندما وصم السلطات التي تقف وراء المناورات بعد انتخابات 2019 المحلية بالحمق".
ولو
قررت المحكمة العليا تثبيت القرار ضد إمام أوغلو فسيرد الرأي العام بغضب، ومن هنا
ربما حصلت المعارضة على ثمرة لمقامرتها. فالناخب التركي طالما عاقب محاولات التدخل
في الانتخابات، ما سيجعل قرار 14 كانون الأول/ ديسمبر نعمة مقنعة للمعارضة لو
أظهرت استعدادا لاتخاذ الخطوات الجريئة.
وبالطبع
فإن لدى أردوغان في كمه تحركات أخرى، ومنع إمام أوغلو واحد منها بهدف تشكيل المجال
السياسي قبل الانتخابات.
وبعد
20 عاما في السلطة وصناعته الكثير من الأعداء، فإن لدى أردوغان الكثير لخسارته.
والتخلص من منافسه هي بداية. وتبنت تركيا قبل فترة "قانون التضليل"
والذي قد يقيد حرية التعبير وتدفق المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه
خطوة أخرى تحمل مخاطر.
ويدير أردوغان لعبة ذكية في مجال الجيوسياسة بطرق يأمل في أن تبقي على سيطرته على السلطة
في تركيا. فمن خلال التمسك بالموقف المحايد بين الغرب وروسيا في الحرب بأوكرانيا
انتفع أردوغان سياسيا واقتصاديا، وهو ما أطلق عليه "سياسة متوازنة".
وتبيع
تركيا طائرات مسيرة لأوكرانيا وساعدت في تأمين اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية،
ولكنها ضاعفت ثلاث مرات من تجارتها مع تركيا، ووصل تدفق المال إلى المصرف المركزي
من مصادر غير معروفة إلى حوالي 28 مليار دولار، ما منع حدوث أزمة ميزان المدفوعات
المتوقعة. وساعد هذا بطريقة أخرى الحكومة في تقديم المساعدات للرأي العام.
ويأمل
أردوغان بموافقة الرئيس فلاديمير بوتين على توغل تركي جديد في سوريا ضد المقاتلين
الأكراد هناك، على أمل إضعاف معنويات الناخبين الأكراد وتثبيطهم عن التصويت
للمعارضة، وخلق جو من الحماسة الوطنية، وبوتين مفتوح على هذا.
ورغم
بقاء أردوغان سيد المناورات، إلا أن هناك إشارات على فقدانه سحره على الناس، ومنح
منافسه الأكبر الفرصة لمواصلة طريقه الذي سار عليه، ففي عام 1998 سجنت محكمة في إسطنبول
عمدتها أردوغان لأنه اختلف مع الحكومة التي عزلته من السلطة وقضى فترة في الحكم.
ولم ينس الناخب التركي التدخل في إرادته وأعاده كرابح في انتخابات عام 2002. وهو
يمنح إمام أوغلو الفرصة للسير في نفس المسار.
وتفوح
من قرار الأسبوع الماضي رائحة القلق ويمكن أن يتحول إلى خطأ كارثي في التقدير
للحكومة التركية، لو استطاعت المعارضة القيام بالخطوات الصحيحة. وسواء ربح أردوغان
أم خسر في 2023 فهذا سيعتمد على وضع منافسيه. وبالطبع تريد غالبية الأتراك
التغيير، فالانتخابات القادمة هي لأردوغان كي يفوز والمعارضة كي تخسر.