منذ بدء الحياة على وجه هذه الأرض وعلى اتساع مساحاتها
وتنوعها، وُجد الاختلاف بين الخلق كله باختلاف نوعه، بشرا كان أو غير ذلك، ونتيجة
لهذا الاختلاف وُجد الصراع ووجدت المنافسة والحدة في الطبع وشدته، لتنتج عن ذلك
حالات عنف بين البشر وبشكل خاص من يشكلون بمجموعهم أبناء الأمة العربية.
هذا العنف هل كل أسبابه اقتصادية؟ هل لهذا العنف أسباب
أخرى؟ لماذا زاد العنف مع ازدياد معدلات النمو الحضاري والتقدم العلمي؟ اسئلة
كثيرة حول العنف في الوطن العربي تظهر على البال والخاطر؟
العنف
ضد الرفق، ضد اللطف، العنف هو الخشونة وعدم اللين، ونتيجة لوجود هذا المصطلح في
قاموس الحياة فقد نبه إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لضرورة تركه واجتنابه، في
عدة أقول مأثورة عنه.
فعن
جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يحرم
الرفق يحرم الخير كله"، رواه مسلم.
بعد
هذا الشرح والتعريف السريع لمعنى العنف نجد أنه وسيلة سلبية مذمومة منهي عنها لآثارها
المدمرة ونتائجها غير المحمودة على المجتمع، لكن ومع تتبع قصص الواقع الحياتية
المعاشة وما تنقله وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي يكمن السؤال الهام: في الحياة
اليوم الكثير من وسائل الراحة والتسهيل على الناس، لكن العنف وحالاته بازدياد كبير
دون تناقص وبخاصة العنف الأسري، بين الأزواج وبين أفراد العائلة الواحدة على اختلافهم؛
أبناء وبنات أو حتى كبار العمر يلجؤون الى العنف..
صار
العنف ظاهرة مقلقة لكثرة صوره المحزنة الأليمة، فهو لا يعود في أصله إلى اسباب
اقتصادية فقط (كالفقر والعوز وضيق اليد نتيجة البطالة وعدم العمل مثلا)، صار اليوم
لأي سبب، المهم أنه موجود ولم يعد لدى الناس وقت لسماع بعضهم البعض.. فُقد الحوار
والنقاش، فقدت الروية والهدوء والأعصاب المتماسكة، فالكل يريد رأيه فقط حجته فقط وإلا
العنف هو السبيل لأخذ الحق وإثباته.
ما هذا؟
أين نعيش اليوم؟ هل صارت الحياة غابة مظلمة موحشة؟ ولماذا تصير غابة وقد ميز الإنسان
بالعقل عن باقي المخلوقات؟ عنف.. عنف.. عنف.. هو المشهد السائد.. أغلب الناس ذوو
مستوى مادي عادي، يعيش كل بقوته اليومي، وتمشي عجلة الحياة.. ليس الكل غنيا لديه
فائض الأموال، ليس الكل يستحم بالمال فالحياة خلقت في أصلها على الاختلاف، لكن
دوامة العنف لا يخف وهجها، على العكس، فهو يزيد وبين فئات المجتمع كلها، حتى أصحاب
الشهادات العلمية المرموقة يمتلكون حافز العنف.
كثيرة
هي صور العنف في الأمة العربية، أمة الاسلام والقرآن الكريم، وخليفة وصية الرسول
محمد صلى الله عليه وسلم؛ لكنها لم تراع الوصية ولم تحفظها فحادت عنها عملا
وتطبيقا، فصارت لمحات حياتها كئيبة وسمتها الرئيسية العنف بأشكاله المقيتة، حتى
البرامج في التلفاز صارت عنفا واستعراض عضلات لأي شيء. ما هذا؟ أين نحن، أين
الحديقة ذات الياسمين الجميل المعطر؟ هل حلت بدلا عنها أرض الأشواك المؤلمة؟
العنف
اليوم ظاهرة ولم يعد صورا فردية هنا وهناك، فعلى القارئ المختص، وعلى الخبير وعلى
الفاهم العارف، مسؤولية كبيرة اليوم؛ ليس فقط للتنبيه إلى أمور الدين الأساسية، بل
للتنبيه المستمر لهذه الظاهرة البائسة. فالحق لا يعود أبدا بالعنف لأن الإنسان
عاقل يملك ذاكرة تنبهه.. الله موجود دائما فله الحكم قضاء وقدرا، فهذا من مبادئ الإيمان
الصحيح، والقانون الدنيوي أيضا موجود يجب اتباعه والأخذ به، بذلك يقل العنف، ويشعر
صاحب الحق بالقهر الكبير لانتصار الظالم عليه. لكن هل العنف هو الصواب؟ ماذا يستفيد
أو يخسر الطرفان الظالم والمظلوم دنيا وآخرة؟؟
ليس
كل من أحب شيئا حازه بالعنف، فأين مكارم
الأخلاق وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم تطبيقا واتباعا؟ أم أن أمة العرب صارت غريبة غربية في كل شيء، حتى مسار
حياتها كله إما غالبا أو مغلوبا وبالعنف فقط؟
الحياة
رحلة لها بداية ولها نهاية، ومهما انغمس الإنسان في متاعاتها وصورها المادية
ليتذكر بعقله ذلك، ويقرر بعد غضب أن الله موجود وله الحكم والمصير.. دع الخلق
للخالق، بمعنى اعمل الخير قدر استطاعتك ولا تصل إلى مرحلة الفجور في الخصومة ولا
العمى فيها.. فارق إن رأيت خصما سيئا، لكن دع الحكم لله سبحانه.. لا تتوشح بالسواد،
فالحياة فيها النهار حامل النور الجميل، وعلى الأغلب فالعنف لغة كل الأغبياء..
وتبقى تذكرة الحياة مفتوحة، فكن أيها الإنسان من أتباع الأذكياء، من أتباع زهور
الياسمين التي يفوح عطرها للكل دون علو ولا استقواء أو تفرقة.
هي
الحياة رحلة فاحرص على نهايتها وخاتمتها الطيبة السعيدة قدرا واستطاعة.