انفجرت ضجة كبيرة بعد مرور 29 أيار/ مايو 2022 ضد المقاومة. وقد راحت تلوم المقاومة بسبب عدم تنفيذ تهديدها بشنّ الحرب من قطاع غزة، وعدم التصدي لمسيرة الأعلام الصهيونية، تصديّاً رادعاً. فبدلاً من أن يُقرأ ما جرى في ذلك اليوم باعتباره تراجعاً آخر من قِبَل العدو، وإنجازاً مهماً يضاف إلى رصيد المقاومة، أولاً نتيجة محدودية المسيرة وضبطها لتمر بلا استفزاز، ومن دون أن تحقق هدفها الذي أُعلِن عنه، ويقضي أن تقتحم المسجد الأقصى، وتنتهك حرمة مسجد الصخرة، مما يرسي واقعاً مكانياً في اقتسام باحة المسجد. وثانياً عدم إبراز ما ووجهت به مسيرة الأعلام هذا العام، من مقاومة شعبية واجهتها بالتحدي المقابِل، وبرفع الأعلام الفلسطينية التي لَقَفت ما يأفكون. وهي مواجهة هذا التحدي لأول مرة، عكس ما كان يحدث طوال 55 سنة من مسيرة الأعلام الصهيونية كل عام.
أما السبب الرئيس لهذا الخطأ في التعامل مع ما حدث يوم 29 المذكور، فيرجع إلى لبْس مهم، وهو عدم الربط بين المسيرة، وهدم مسجد الصخرة. وهو الإسقاط المتعمد من قِبَل البعض، وغير المتعمد من قِبَل الأكثرية، لأن ما صدر عن المقاومة من تهديد بالحرب أو تهديد بالتصعيد، وصولاً إلى الحرب، كان قد ربط هذا الرد بمضيّ مسيرة الأعلام إلى المسجد الأقصى، وتنفيذ التهديد، بانتهاك مسجد الصخرة حتى بالهدم.
وهنا لم يُلحظ، أن القرار الصهيوني تراجع عن تنفيذ هذا الهدف الرئيس، لمسيرة الأعلام. وتراجع أيضاً بحصرها في أضيق الحدود التي لا تصل حتى إلى استفزاز الفلسطينيين. بل ووجه أيضاً بمقاومة شعبية مقابِلة لمسيرة الأعلام، أضعفت كثيراً من الهدف الذي ابتغاها. وهو إنقاذ ماء الوجه بعد التراجعات التي قام بها سواء في ما يتعلق باحتفالاته في اعياده هذا العام في شهر نيسان المنصرم. أما الأهم والأخطر من الناحية الاستراتيجية، فتقاعسه عن اقتحام مخيم جينين الذي أفشل عدة محاولات اقتحامية كان من بينها الاقتحام الذي استشهدت في أثنائه شيرين أبو عاقلة.
يخطئ من يظن أن الأجواء التي سبقت يوم 29، واستدعت ما صدر من خطابات، أو تصريحات من بعض القيادات، أو من الغرفة المشتركة، كانت موجهة لمسيرة الأعلام فقط، ومن حيث أتى، ولم تكن مرتبطة بما حملته من اقتحام وإجراءات للمسجد الأقصى. ولهذا سوف يفاجأ إذا ما عاد إلى تلك الأجواء. بل سوف يدهش كم ارتبطت تلك التهديدات، بموضوع المسجد الأقصى.
إن التراجع عن شنّ حرب شاملة من جانب العدو ضد مخيم جنين، كما فعل عام 2002، يهيئ لقواعد اشتباك في الضفة الغربية، لا يستطيع العدو ابتلاعها، إلاّ كمن يتجرّع السم.
من هنا شكل يوم 29 نصراً للشعب الفلسطيني، حين تراجع العدو عن تنفيذ تهديداته، التي كان قد أطلقها قبل أيام، بالنسبة إلى مسيرة الأعلام، وهدفها اقتحام المسجد الأقصى، والاعتداء على مسجد الصخرة في باحته.
هذا ما يجعل ما ساد من "خيبة أمل" حين لم تندلع الحرب في غير محلها. وكانت بسبب اللبْس الذي حدث في عدم الربط بين المسيرة الصهيونية، وهدفها بانتهاك حرمة المسجد الأقصى، وتغيير الواقع المكاني فيه، حين يستهدف مسجد الصخرة بالهدم، كما صدر في التهديدات الصهيونية. وهو ما كان استدعى ردود فعل فصائل المقاومة بالدعوة للرد الحاسم. وهو ما تجاوب معه السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله وقائد المقاومة في لبنان، حيث ربط بين المسيرة، والاعتداء على مسجد الصخرة، بما لا يترك مجالاً لتأويل.
إن إجراء مسيرة أعلام من جانب الكيان الصهيوني، وتهريبها تهريباً لا يستدعي الوصول بالرد عليها بالحرب. وهو ما يمكن أن يتغيّر مستقبلاً، مع خطوة أخرى في تغيير موازين القوى في مصلحة المقاومة، قريباً إن شاء الله. أما في 29 أيار/ مايو هذا العام، لو نفذ تهديد المساس بمسجد الصخرة، أو المسجد الأقصى عموماً، كما لوّح المستوطنون لاستحق الردّ، وصولاً إلى الحرب.
يخطئ من يظن أن الأجواء التي سبقت يوم 29، واستدعت ما صدر من خطابات، أو تصريحات من بعض القيادات، أو من الغرفة المشتركة، كانت موجهة لمسيرة الأعلام فقط، ومن حيث أتى، ولم تكن مرتبطة بما حملته من اقتحام وإجراءات للمسجد الأقصى. ولهذا سوف يفاجأ إذا ما عاد إلى تلك الأجواء. بل سوف يدهش كم ارتبطت تلك التهديدات، بموضوع المسجد الأقصى.
ومن ثم يجب أن يصحح ما حدث من أجواء ما بعد يوم 29 أيار/ مايو العتيد. وذلك ليس فقط لإحقاق الحق وللإنصاف، فحسب، وإنما أيضاً، لعودة قراءة موازين القوى، إذ يجب أن يُلحظ مدى تراجع وضع العدو. وكم أصبحنا في موقع الهجوم. ولكن المحسوب جيداً، والذي في مكانه، وفي يومه المناسب "حفراً وتنزيلاً" كما يقال.
وبكلمة، حدث لَبْس ما كان يجب أن يحدث. لا قبل 29 أيار/ مايو ولا بعده. هذا بالنسبة لمن هم في عداد الحريصين على المقاومة، أما الذين يصيدون في الماء العكر، ففالج لا تعالج.
هل تحول تركيا دون انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو؟