قبل عشرين عاما، شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما واسعا
على مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، شمال الضفة الغربية، استمر عدة أيام، وأسفر عن
عشرات الشهداء، وخلف دمارا هائلا في البيوت والبنية التحتية.
وجاء الهجوم الإسرائيلي، خلال اجتياح قوات الاحتلال للأراضي
التي كانت خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو، في عملية أطلقت عليها
"السور الواقي" عام 2000، إبان انتفاضة الأقصى.
وانطلقت شرارة الانتفاضة بعد اقتحام أرئيل شارون، زعيم حزب
الليكود الإسرائيلي، المعارض في حينه المسجد الأقصى يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2000.
وصنفت اتفاقية "أوسلو 2" (1995) أراضي الضفة إلى
3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية
إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية
إسرائيلية. وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
واستمر اجتياح جيش الاحتلال للمخيم من 3 حتى 18 نيسان/ أبريل
2002، بمشاركة مروحيات وعشرات الدبابات والجرافات، وفق تقرير أممي.
52 شهيدا
وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن الجيش الإسرائيلي قتل في الهجوم
ما لا يقل عن 52 فلسطينيا، نصفهم تقريبا من المدنيين، في حين قُتل 23 جنديا إسرائيليا.
وبناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 أيار/
مايو 2002، فقد أعد الأمين العام للأمم المتحدة في حينه كوفي عنان، مطلع آب/ أغسطس من نفس
العام تقريرا عن تلك الأحداث.
يقول التقرير إن القتال تميـّز بمرحلتين مستقلتين: الأولى
كانت بين 3 و9 نيسان/ أبريل، في حين استغرقت المرحلة الثانية يومي 10 و11 من الشهر
نفسه.
وأضاف أن معظم الوفيات حدثت على كلا الجانبين في المرحلة
الأولى، في حين أن معظم الأضرار المادية حدثت في المرحلة الثانية.
تسوية المباني بالأرض
وعن الخسائر المادية أفاد التقرير، بتدمير مباني الأمن والهياكل
الأساسية للسلطة الفلسطينية في مدينة جنين.
ووفق التقرير فإنه جرى تدمير 10 في المئة من المخيم تدميراً كاملاً،
ودُكّت مبان وسط مخيم اللاجئين وسويت بالأرض.
وبلغ قُطر المنطقة المستهدفة حوالي 200 متر، ومساحتها السطحية
30 ألف متر مربع، كانت تضم حوالي 100 مبنى دمرت تدميراً كاملاً.
وأضاف أن نحو 100 مبنى تضررت جزئيا، وأن 800 أسرة يقدر عدد
أفرادها بأكثر من 4 آلاف شخص، فقدت المأوى.
ونقل التقرير عن السلطة الفلسطينية أن القوات الإسرائيلية
"قامت أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين بارتكاب أعمال قتل غير مشروعة، واستخدام
دروع بشرية، واستعمال القوة بصورة غير متناسبة، وبعمليات اعتقال وتعذيب تعسفية، ومنع
العلاج والمساعدة الطبية".
وفي سرده لرواية الجيش الإسرائيلي، قال التقرير إن
"القوات الإسرائيلية قامت أولا بتطويق مدينة جنين، وفرضت سيطرتها على مداخل المدينة،
ومخارجها".
دبابات وطائرات وجرافات
ووفق التقرير، فقد شاركت 60 دبابة في الأيام الأولى، إضافة إلى
المروحيات، في حين استُخدمت الجرافات المدرعة لتدمير المنازل والهياكل الأخرى لكي توسع
الممرات داخل المخيم.
وبشأن عدد المدنيين الذين بقوا في المخيم طوال الفترة، فإنه قدرهم
بنحو 4 آلاف شخص.
ووفق رواية الجيش الإسرائيلي للتقرير، فإن جنوده واجهوا
"أكثر من ألف عبوة متفجرة (...) ومئات من القنابل اليدوية، ومئات من الرجال المسلحين".
يقول التقرير أيضا إن الجيش الإسرائيلي "واجه مقاومة
فلسطينية عنيفة" وإن أعنف القتال وقع بين 5 و9 نيسان/ أبريل، ما أسفر عن أكبر
خسائر في الأرواح على كلا الجانبين.
يشير التقرير إلى أن "طابع العملية العسكرية في مخيم
جنين للاجئين تغير فعلا بعد 9 نيسان/ أبريل 2002، ففي ذلك اليوم قُتل 13 جنديا إسرائيليا
وجُرح عدد آخر في ما تصفه السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية على السواء بأنه
"كمين خطط له جيدا".
و"قتل الجندي الإسرائيلي الرابع عشر في مكان آخر من
المخيم في ذلك اليوم، ما أوصل خسائر القوات الإسرائيلية في الأرواح خلال العملية في
جنين إلى 23 شخصا"، وفق التقرير.
نساء وأطفال ومسنّون
بين الضحايا
وينقل التقرير عن منظمة الأطباء المناصرين لحقوق الإنسان
أن "الأطفال دون سن الـ15 سنة والنساء والرجال فوق الـ50 سنة كانوا يشكلون نحو 38 بالمئة
من جميع حالات الوفاة المبلّغ عنها".
ويقول التقرير إن الجيش الإسرائيلي منع سيارات الإسعاف وأفراد
الأطقم الطبية من الوصول إلى الجرحى داخل المخيم.
ومن أوجه المعاناة الإنسانية في المخيم والتي ذكرها التقرير
الأممي أن 28 مريضا بالكلى في جنين عجزوا عن الوصول إلى المستشفى لإجراء الغسيل الكلوي.
وفي حينه، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التقرير
ووصفته بـ"المعيب بصورة خطيرة".
وقالت إن التقرير أُعدَّ بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم
المتحدة بعد أن اضطر أمينها العام لحل فريقٍ أممي لتقصي الحقائق، بسبب الاعتراضات الإسرائيلية.
وأشارت إلى أن التقرير "يقتصر إلى حد بعيد على عرض روايات
متضاربة عن الأحداث التي وقعت إبان العمليات العسكرية الإسرائيلية".
جثث متفحمة وإعدامات ميدانية
من جهته، أشار تقرير أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
(غير حكومي) في حينه ورصد أيام الاجتياح، إلى "جثث متفحمة، وأخرى متعفنة تحت الأنقاض"
التقطتها عدسات صحفيين تمكنوا من دخول المخيم خلال حصاره.
وأضاف أن "قوات الاحتلال قامت باقتراف جرائم إعدام ميداني
للعديد من المدنيين الذين رفضوا مغادرة منازلهم، وللمسلحين الفلسطينيين الذين أعلنوا
استسلامهم بعد نفاد ذخيرتهم".
ونقل المركز تصريحات لمنظمة الصليب الأحمر الدولي مفادها
أن "الوضع داخل المخيم يشبه الزلزال".
المخيم إلى الواجهة من جديد
بعد فرار ستة أسرى من سجن جلبوع الإسرائيلي، في أيلول/ سبتمبر
2021، عاد مخيم جنين إلى الواجهة من جديد، بانتشار عشرات المسلحين وإعلانهم الاستعداد
للمواجهة حماية للأسرى الفارين.
وشكّلت الفصائل الفلسطينية ما سمته "غرفة العمليات المشتركة"
في المخيم، وتضم للمرة الأولى منذ سنوات، الأجنحة العسكرية المحسوبة على حركات: التحرير
الوطني "فتح"، والمقاومة الإسلامية "حماس"، و"الجهاد الإسلامي".
لكن بعد أسابيع أعيد اعتقال الأسرى الفارين، ثم بدأت حملة
تصفيات لمسلحين من المخيم، وقتلت قوات الاحتلال سبعة فلسطينيين من سكان المخيم منذ إعادة
اعتقال الأسرى الفارين وحتى 5 نيسان/ أبريل 2022، وفق توثيق مركز المعلومات الوطني
الفلسطيني (حكومي).
ومخيم جنين، واحد من 19 مخيما للاجئين الفلسطينيين في الضفة
الغربية، تديره وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وتأسس المخيم عام 1953 ضمن حدود بلدية جنين، وينحدر أغلب
سكانه من منطقة الكرمل في حيفا وجبال الكرمل، داخل إسرائيل، والتي هجر سكانها خلال
ما يسميها الفلسطينيون "النكبة" عام 1948.
شاهدة عيان: منفذ عملية تل أبيب امتنع عن قتل النساء (فيديو)
الاحتلال يشن حملة اعتقالات بأم الفحم ردا على عملية الخضيرة
الاتحاد الأوروبي: عنف المستوطنين المتزايد يوتر الأجواء