سياسة دولية

MEE: عيد ميلاد بيت لحم.. من "أيام الأعجوبة" لشجرة البلاستيك

لويس ميشيل: الآن كل الأشجار تأتي من الصين.. لقد احتل البلاستيك الصيني بلادنا- الأناضول
يتذكر المسنون الفلسطينيون احتفالات أعياد الميلاد في بيت لحم في الماضي حيث كانت أبسط، والزينة كانت تصنع يدوياً، ويتحسرون على احتلال للبضائع الصينية.

ويسلط موقع "ميدل أيست آي" البريطاني، الضوء في تقرير له على التغييرات الكبيرة التي طرأت على احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم التي تضم كنيسة المهد.

وفي ما يلي نص التقرير:

هذه الأيام، كغيرها من مواد الزينة التي تنتشر في البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية، صنعت شجرة عيد الميلاد التي يبلغ ارتفاعها اثني عشر متراً وتنتصب في ساحة المهد في بيت لحم من البلاستيك.

إلا أن فوز عطا الله قمسية تتذكر أنه في طفولتها ذهبت مع والدها إلى جبل أبو غنيم، جنوبي القدس، الذي كانت قمته حينذاك مكسوة بالأشجار الحرجية، والذي غدا الآن موقعاً لمستوطنة إسرائيلية، بحثاً عن غصن مناسب من شجر السرو لتزيين منزل العائلة.

وقالت قمسية، المدرسة السابقة التي تبلغ من العمر تسعين عاماً، في تصريح لموقع "ميدل إيست آي": "كان لعيد الميلاد طعم مختلف، وكان البحث عن شجرة عيد الميلاد جزءاً من الاحتفالية."

وأضافت: "كان والدي معتاداً على الذهاب إلى البرية وكنا نذهب معه، وهناك نقطع غصناً من شجرة صنوبر صغيرة، وما كنا أبداً نقطع شجرة بأسرها."

ما زالت قمسية حاضرة الذهن وتتحدث بحيوية وهي تتذكر كيف كانت أعياد الميلاد في الماضي في مسقط رأسها بيت ساحور. فقد قضت معظم حياتها الطويلة في تلك البلدة الصغيرة جنوب شرقي بيت لحم، حيث يقال إن الملائكة تنزلت على الرعيان لتبشر بميلاد يسوع.

تتذكر قمسية، التي نشأت في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني في أربعينيات القرن الماضي، كيف كانت هي وأشقاؤها يصنعون الزينة بأيديهم ليعلقوها على الشجرة، وكيف كانوا يعدون أكياس الهدايا للأطفال الآخرين في جوارهم، يضعون فيها الكرات الزجاجية والكلمنتينا والكعك المعمول بالجوز واللوز.

"لا كهرباء ولا أضواء"

وقالت: "في ذلك الوقت لم يكن لدينا كهرباء ولا أضواء عيد الميلاد، فكنا نعد كل الزينة يدوياً. كنا نلون أوراق الشجر، ونصنع أشكالاً تمثل الزهور والأسماك، ونقص الورق أشكالاً متعددة، ثم نعلقها على الشجر."

وأضافت: "كانت بيت ساحور فقيرة آنذاك، ولم يكن فيها أي محلات للهدايا والألعاب، إلا أن والدي، الذي كان مدير المدرسة، كان ميسوراً، وكان يذهب بالسيارة إلى القدس ويملؤها بالهدايا والألعاب ويعود بها ليوزعها على الجميع. كان والدي يتيماً في طفولته ولذلك كان الأمر مهماً بالنسبة له."

ولدت قمسية في عام 1932 وأنهت الثانوية العامة في عام 1948 ثم انضمت إلى كلية تأهيل المعلمات في القدس.

إلا أن حياتها المهنية ما لبثت أن تعطلت بسبب حرب 1948، تلك الأحداث التي يطلق عليها الفلسطينيون اسم النكبة ونتج عنها إعلان قيام دولة إسرائيل وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم وأراضيهم على يد القوات اليهودية شبه العسكرية.

كانت كلية المعلمات تقع في المنطقة التي باتت الآن إسرائيل، وتحولت إلى مقر لمركز تحقيق وسجن يعتقل فيه الفلسطينيون يسمى المسكوبية.

قالت قمسية: "أغلقت جميع المدارس، ولم تفتح إلا في عام 1950 وحينها بدأت أعلم في مدرسة للأيتام."

وبعد عامين انتقلت إلى مدرسة في بيت لحم، ثم بعد أن تزوجت عادت إلى بيت ساحور لتسير على خطى والدها كمديرة مدرسة.

وأضافت: "حتى حينذاك كانت الأشجار ما تزال طبيعية، وكانت تباع من على ظهر الشاحنات التي تأتي بها من داخل مناطق 1948 (أراضي فلسطين التاريخية التي باتت الآن داخل إسرائيل)."

ولكنها استدركت قائلة: "أما الآن، فتوجد مستوطنة فوق جبل أبو غنيم، وباتت كل أشجارنا مصنوعة من البلاستيك، تستورد من الصين، ولا طعم لها ولا رائحة. لا شيء يعوض رائحة الأشجار الطبيعية."

"أيام جميلة"

يتذكر موريس ميشيل أنه كانت توجد في وقت من الأوقات شجرة صنوبر حقيقية في ساحة المهد، مغروسة بجوار مركز للشرطة كان مقاماً هناك أيام الانتداب البريطاني، في نفس المكان الذي أصبح الآن مقراً لمركز بيت لحم للسلام، وكانت تزين في كل عيد ميلاد.

تحدث ميشيل، وهو مصور متقاعد ولكنه ما زال نشطاً، من داخل الاستديو الخاص به، وقد زينت جوانبه بعناية بمعدات تصوير قديمة، وشرائط سينما، وأجهزة عرض، وأكوام من الشرائح، وكلها تشهد له بشغفه بهذه المهنة التي تعلق بها طوال حياته.

أطلعنا على صندوق آلة تصوير كان يستخدمها والده الذي توفي وله من العمر ستة أشهر فقط. ثم أخرج من مقتنياته صورة يعود تاريخها إلى عام 1930 تظهر فيها شجرة مائلة باتجاه برج ناقوس كنيسة المهد.

وقال في إشارة إلى الفترة ما بين عام 1948 وعام 1967، عندما كانت الضفة الغربية ما تزال تحت الحكم الأردني: "بقيت الشجرة لفترة طويلة، وكان الناس يذهبون لالتقاط الصور أمامها بسبب الزينة التي كانت عليها. وحتى الجيش الأردني كان يعزف مقطوعاته الموسيقية بجوار تلك الشجرة. كانت تلك أياماً جميلة. كان الناس يأتون بأشجار الصنوبر إلى بيوتهم ويزينونها. كان عيد الميلاد أجمل وأبسط، وكنا نشعر فعلاً بالعطلة ونتطلع إليها بشوق."

اجتثت الشجرة عندما هدم مركز الشرطة. ما تزال تتواجد بعض الأشجار في المنطقة المحيطة بساحة المهد، بما في ذلك شجرة صنوبر طويلة أمام مركز السلام، ولكن لا يتم تزيين أي منها هذه الأيام احتفالاً بعيد الميلاد.

"تقليد وثني"

بحسب ما يقوله مازن قمسية، الأستاذ في جامعة بيت لحم ومؤسس ومدير متحف التاريخ الطبيعي في فلسطين، تعود عادة تزيين أشجار عيد الميلاد عند المسيحيين الفلسطينيين إلى عهد الاستعمار البريطاني الذي استمر حتى عام 1948.

ويشير إلى أن التقليد الأوروبي الخاص بالاحتفاء بأشجار عيد الميلاد يمكن تقفي جذوره إلى الأعياد الوثنية التي سبقت المسيحية عندما كانت أشجار الصنوبر تستخدم كعلامة على انقلاب الشتاء.

ويقول مازن، وهو نجل فوز عطا الله قمسية: "فرض البريطانيون تلك التقاليد الغربية والرأسمالية علينا. لم يكن هناك تزيين للأشجار قبل ذلك، وكان عيد الميلاد يتخذ عطلة دينية فحسب."

ويضيف: "إلا أن عادة تقديم الهدايا للفقراء كانت موجودة من قبل الانتداب البريطاني. فقد كان والدي يسافر إلى دمشق وبيروت استعداداً لعيد الميلاد. أما اليوم فلم يعد بإمكاننا الوصول حتى إلى القدس. ولكن في الماضي كانت الهدايا بسيطة ومتواضعة، ولم تكن ألعاباً كما هو الحال اليوم."

في متجر للهدايا في بيت لحم يشير لويس ميشيل إلى نسخة مصورة من ورقة تظهر عليها صورتان بالأسود والأبيض لجبل أبو غنيم.

في الأولى، التي تعود إلى عام 1997، تظهر قمة التل الواقع في القدس مكسوة بكثافة بالأشجار. كثير من هذه الأشجار غرست في عهد الحكم البريطاني كجزء من سياسة التحريج التي نجم عنها استبدال الأنواع المحلية من الشجر مثل الزيتون وكروم العنب بمستعمرات من أشجار الصنوبر الأوروبية، الأمر الذي أحدث تغييراً جذرياً في المشهد الطبيعي التقليدي لفلسطين التاريخية بحقولها الزراعية المتجاورة.

استمرت إسرائيل في غرس الأشجار التي نمت على أنقاض القرى والمزارع الفلسطينية التي هدمت منذ عام 1948. تتسم هذه الأشجار بسرعة الاشتعال وقد ارتبطت هذه السمة بالحرائق التي تكررت مؤخراً في مختلف أنحاء إسرائيل وفلسطين.

وأما في الصورة الثانية، والتي تعود إلى عام 2003، فقد اختفت كل الأشجار، وحلت محلها تجمعات من البيوت والشقق البيضاء، والتي تشكل جزءاً من مستوطنة حار حوما التي ما زالت تتمدد وتتوسع. ومثلها مثل جميع المستوطنات المقامة في القدس والضفة الغربية المحتلتين، تعتبر مستوطنة حار حوما في نظر القانون الدولي مستوطنة غير شرعية.

يقول ميشيل، الذي يبلغ من العمر واحداً وستين عاماً: "كانت هناك الكثير من أشجار السرو والصنوبر. وكان جبل أبو غنيم يفاخر بأن فيه أجمل الأشجار في المنطقة، وكانت أشجاره ضخمة لدرجة أنها كانت مخيفة. كنا قبل عام 1967 نمشي بمحاذاة التل إلى أن نصل إلى بوابة دمشق في القدس. ثم بعد الانتفاضة الثانية، قلعوا الأشجار لكي يبنوا محلها مستوطنة حار حوما."

"ذهب السحر"

يعود متجر ميشيل، الذي تملكه العائلة، إلى العام 1918. ويتذكر أنه كان يقضي عيد الميلاد فيه أثناء نشأته بينما كان والده يدير العمل فيه في ستينيات القرن الماضي، حيث يبيع الهدايا التذكارية للسائحين المسيحيين.

وعن ذلك يقول وهو قابض في يده على مسبحة بلاستيكية صنعت في الصين: "ما زلت أذكر أيام الأعجوبة تلك. أما اليوم فقد ذهب السحر، ويأتي الناس إلى هنا فقط من أجل التقاط صور السلفي أمام شجرة مصنوعة من البلاستيك. هذه تكلف 9 شيكلات، وقد بدأ الناس في شرائها بدلاً من تلك المصنوعة من خشب الزيتون وتكلف 35 شيكلا. لقد دمر انفتاح السوق على الصين الإنتاج المحلي."

تسمع كلاماً مشابهاً لما يقوله ميشيل من إيلي شحادة، العمدة السابق لبيت جالا، البلدة الصغيرة التي تقع شمال غرب بيت لحم.

يقول شحادة: "شجرة عيد الميلاد في بيت جالا صناعية، ومن تجربتي في العمل في البلدية، لا توجد شجرة واحدة حقيقية في كل الضفة الغربية. كانت لدى الكنيسة الأرثوذكسية شجرة صنوبر طبيعية يزينونها كل عام إلا أنها ماتت قبل سنوات. والآن كل الأشجار تأتي من الصين، لقد احتل البلاستيك الصيني بلادنا."