أعاد الرئيس التونسي قيس سعيّد الحديث مجددا عن محاولات اغتيال ومؤامرات تترصد البلاد بالتنسيق مع أطراف خارجية دون ذكر للأسماء، ما أثار جدلا واسعا لدى النخبة السياسية والنشطاء الذين عادة ما يطالبون الرئيس بتقديم ما يدعم كلامه.
وآخر هذه المحاولات، تلك التي كشف عنها سعيّد، مساء الخميس، خلال إشرافه على مجلس الوزراء، حيث أشار إلى "مخططات لاغتيال مسؤولين"، فيما فتحت النيابة العامة تحقيقا على خلفية التصريحات.
وبحسب مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية، قال رئيس البلاد، خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء، إن البعض "وصل به الأمر إلى حد اقتراح تنفيذ عمليات اغتيال بتونس"، دون كشف الجهة المخططة أو الشخصية المستهدفة، محذرا التونسيين من مخططات اغتيالات بالبلاد، بالتواطؤ مع مخابرات أجنبية.
وقال: "لينتبه التونسيون والتونسيات إلى ما يدبر اليوم من قبل بعض الخونة، الذين باعوا ضمائرهم للمخابرات الأجنبية لاغتيال عدد من المسؤولين".
وأوضح سعيّد متوجها بالكلام إلى وزير الداخلية: "تم رصد مكالمة هاتفية تتحدث حتى عن يوم الاغتيال"، مضيفا: "نحن نريد الحرية والعدل لشعبنا، نريد أن نموت موت العظام ولا نتحدّث عن كسر العظام".
وسارعت النيابة العامة، التي ترأسها سعيّد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو الماضي، بفتح تحقيق، الذي يشمل تهمة "تكوين تنظيم إرهابي وتلقي تدريبات، بقصد ارتكاب جريمة إرهابية والتحريض على ذلك واستعمال التراب التونسي لتدريب أشخاص للغرض نفسه"، بحسب بيان رسمي.
ودأب قيس سعيّد، منذ وصوله إلى قصر قرطاج الرئاسي في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019، على التلميح لمحاولات اغتيال تستهدفه، دون أن يكشف تفاصيل أخرى، أو حتى التوجه إلى القضاء التونسي بشأنها.
وفي تعليق، تساءل وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي قائلا: "هل هي محاولة اغتيال جديدة أم إنها كسابقاتها؟".
وفي تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك"، قال المكي: "إذا كنا جادين ونحترم الدولة وكذلك عقول الناس فإن ما صرح به السيد قيس سعيد حول رصد مكالمة هاتفية تتحدث عن اغتيالات و في علاقة بأجهزة أمنية أجنبية على غاية من الخطورة كان يجب ان يسبقه اعتقال للمعنيين وإحالتهم على القضاء وقطع للعلاقات الدبلوماسية مع هذه الجهة الخارجية و ندوة صحفية للأجهزة الأمنية تبين حقيقة الوضع".
بدوره، اعتبر المحلل السياسي عبد الوهاب الهاني تصريحات سعيّد غير مسؤولية داعيا الجهات المعنية إلى إبقاء الرئيس ووزير داخليته "تحت ذمة التحقيق الى غاية ختم الأبحاث، لإنارة الحقيقة وإنارة سبيل العدالة حفظا لأمن التونسيين والتونسيات".
الوفد الأمريكي
ويعيد حديث سعيّد عن مخطط اغتيال إلى الأذهان تصريحاته التي أدلى بها لدى استقباله لوفد من مجلس الشيوخ الأمريكي في 4 أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث قال: "يذهبون إلى الخارج ليشوهوا صورة بلدهم وصورة رئيسهم بل يبحثون عن بعض المنظمات الإرهابية لاغتيال رئيس الجمهورية"، مؤكدا في السياق ذاته أنه استعمل فصلا من الدستور "من أجل حماية الدولة"، على حد تعبيره.
وقبل أيام من استقبال الوفد الأمريكي، اتهم قيس سعيّد أطرافا، لم يسمها كذلك، بالعمل على جلب مرتزقة من الخارج لتنحيته من الحكم بقوة السلاح بهدف إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 25 تموز/ يوليو، تاريخ إعلانه تعطيل عمل مجلس النواب، وإعفاء الحكومة وتفرده بكل الصلاحيات التنفيذية.
واكتفى الرئيس بالقول حينها: "لا نخاف في الحق لوم لائم، ومهما كان الطرف الذي يناور أو يحاول أن يشتري بالأموال بعض المرتزقة الذين يأتون من الخارج"، في وقت انتشرت فيه أخبار، مفادها بأن "عشرات الإرهابيين يستعدون لدخول تونس انطلاقا من قاعدة الوطية في ليبيا"، وهو ما نفاه لاحقا رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة.
اقرأ أيضا: غضب وجدل حول "مؤامرات اغتيال" تحدث عنها الرئيس التونسي
وقبلها، كشف سعيّد، خلال توقيع اتفاقية لصرف مساعدات اجتماعية بتاريخ 20 آب/ أغسطس 2021، مخطط آخر لاغتياله، حيث قال: "بالنسبة إلى الذين يقولون إن مرجعيّتهم هي الإسلام أين هم من الإسلام؟ ومن مقاصد الإسلام؟ كيف يتعرضون لأعراض النساء وأعراض الرجال ويكذبون، وبالنسبة إليهم الكذب من أدوات السياسة، أقول لهم وأعرف ما يدبرون: إني لا أخاف إلا الله رب العالمين ، بالرغم من محاولاتهم اليائسة التي تصل أو يفكرون في الاغتيال، يفكرون في القتل ويفكرون في الدماء".
وبتاريخ 15 حزيران/ يونيو الماضي، أكد رئيس الجمهورية، خلال لقاء جمعه بعدد من رؤساء الحكومات السابقين، بأنه "كان عرضة لمخطط لإزاحته من منصبه بأية طريقة بما في ذلك الاغتيال"، مشددا على أنه "يعي جيدا ما يقول".
الظرف المسموم
وتبقى أشهر روايات قيس سعيّد عن ما أسماها "محاولات اغتياله" تلك التي يعرفها التونسيون بحادثة "الظرف المسموم"، التي انخرطت في سرديتها مؤسسة رئاسة الجمهورية بعد تداول أخبار وصول بريد مشبوه إلى قصر قرطاج، في بداية العام الحالي.
ونشرت الرئاسة التونسية بلاغا رسميا بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 2021 كشفت فيه أن قصر قرطاج تلقى يوم 25 يناير/ كانون الأول، حوالي الساعة الخامسة مساء بريدا خاصا موجها إلى رئيس الجمهورية يتمثل في ظرف لا يحمل اسم المرسل.
ووفق الرواية الرسمية الصادرة عن رئاسة الجمهورية في تونس، قامت مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، وهي الشخصية الأقرب لقيس سعيّد ، بفتح الظرف فوجدته خالياً من أي مكتوب، ولكن بمجرد فتحها للظرف تعكر وضعها الصحي وشعرت بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلي لحاسة البصر وصداع شديد في الرأس، نقلت على إثرها إلى المستشفى العسكري، فيما تم وضع الظرف في آلة تمزيق الأوراق، قبل أن يتقرر توجيهه إلى وزارة الداخلية لإخضاعه للتحاليل اللازمة.
وصادف أن ظهرت نادية عكاشة في صور لاجتماع قيس سعيّد مساء يوم الحادثة، فيما كانت تظهر بصحة جيدة، قبل صدور بلاغ الرئاسة بعد 3 أيام فقط.
ولكن، سرعان ما انتهت قصة "الظرف المسموم" بنهاية نفس الشهر، حيث أعلنت النيابة العامة بتونس أن خلاصة الاختبارات الفنية على الظرف المشبوه بينت عدم احتوائه على أية مواد مشبوهة سامة أو مخدرة أو خطرة أو متفجرة، ما أثار شكوكا في صحة رواية رئاسة الجمهورية.
مؤامرات وقضايا فساد
وفضلا عن رواية الاغتيالات، دأب سعيّد على التلميح لمؤامرات واتهام أطراف داخلية وخارجية بمحاولة إدخال البلاد في الفوضى، دون أن يجرؤ على الكشف عن الجهات المعنية بحديثه، ناهيك عن "قضايا الفساد الثراء غير المشروع وتبييض الأموال وتهديد الفاسدين بالمحاسبة واسترجاع أموال الشعب"، فيما يكاد عدد القضايا التي رفعتها النيابة العامة في هذا السياق لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وزاد الغموض في خطابات قيس سعيّد من خلال سياسته الاتصالية التي اعتمدها منذ توليه رئاسة تونس، حيث اكتفى بالظهور على صفحة الرئاسة في "فيسبوك"، فيما عقد لقاء صحفيا واحدا منذ 2019، بمناسبة مرور مئة يوم على توليه الحكم.
وعادة ما تطالب النخب السياسية والإعلامية قيس سعيّد بالكشف عما يمتلكه من أدلة وبراهين للرأي العام لمعرفة الجهات التي تسعى لاغتياله أو إحالة تلك الملفات على القضاء، لكن الرئيس لا يستجيب، ويبقي الغموض والضبابية على ما هي عليه.
النيابة التونسية تفتح تحقيقا بشأن تصريح سعيّد عن اغتيالات
قيس سعيّد يحذر التونسيين من "مخطط لاغتيال مسؤولين"
أحزاب تونسية ترفض إقحام سعيّد للجيش بالصراعات السياسية