قضايا وآراء

لبنان: زيارة تركية وصدمة أممية.. أدوار بالجملة ولا حلول

1300x600
أيام وراء أيام تمر ولا حلول في الأفق.. حكومة ميتة سريريا ولا من يبعث فيها روحا، روحا تُبعث عبر الروح القدس في ترحيل القاضي البيطار أو بتفريغ مضمون بقائه، بمعنى إحالة محاكمة الرؤساء والوزراء إلى مجلس النواب وكف يد البيطار، وفي ذلك إشارة خطيرة للمجتمع الدولي الذي يرقب أمرين ببالغ الأهمية؛ هما تحقيقات المرفأ وما ستسفر عنه ودور السلطة القضائية وتطبيق معايير فصل السلطات بجدية تامة، وإجراء الانتخابات النيابية التي ستتصدر المشهد قريبا، علما أنها دخلت دائرة التجاذب خاصة بعد الطعن المقدم من التيار الوطني الحر بكل التعديلات الطارئة على قانون الانتخاب.

والحق يقال وستترجمه صناديق الاقتراع أن اللبنانيين ربما سيخوضون معركة الانتخابات على جمر نار الجوع والحاجة والتضخم وانفلات الشارع ربما، خاصة بعد رفع الدعم عن الدواء المزمن الذي سيترك ندبه ظاهرا وأليما في صلب حياة الناس كبيرهم وصغيرهم على حد سواء. فلا استطاعة لجلب علبة حليب لطفلٍ صغير ولا قدرة لدفع ثمن دواء الضغط أو السكري، فكيف لو تحدثنا عن دواء مرض السرطان الذي ضرب أرقاما قياسية بالملايين من الليرات التي ما زال سعرها يتدهور؛ والحبل على الجرار في ظل هذا المشهد المعقد.

هذا المشهد ظهر جليا بغياب الحكومة ونومها العميق الممزوج برغبة دولية ببقائها عبر تصريحات أمريكية وفرنسية داعمة، لكنها لا تستطيع أن تخفي الامتعاضة الخليجية السعودية من كل ما يجري على الساحة اللبنانية.

لقد دعم سيد الدبلوماسية الأمريكية حكومة ميقاتي أمام وزير الخارجية القطري، ولكن للأسف قطر غابت عن لبنان في زيارة مقررة، فهل يعكس ذلك امتعاض القطريين من عدم استقالة الوزير قرداحي؟ وإلى متى المراوحة في معالجة الأزمات دون جدوى، والكل يدرك أن البلاد تغرق يوما بعد يوم في شتى أنواع الأزمات المالية والاقتصادية والصحية والاستشفائية التي قد تشكل كارثة في قابل الأيام.

ملفتة كانت زيارة سيد الدبلوماسية التركية ضمن إطار السعي التركي لدعم لبنان في حدود ما تسمح به الساحة اللبنانية، حيث الصراع مفتوح وليس بالسهل، علما أن السيد مولود تشاويش أوغلو كان واضحا في أهداف زيارته للسعي لدعم لبنان في أزمته، على كافة الصعد الصحية والدوائية والعسكرية عبر الجيش اللبناني، ومحاولة جس النبض في تصور لمبادرة مع دول الخليج والتي قد تعتمد على دينامية قطرية في قابل الأيام إذا سمحت الظروف بذلك، لما للموقف من حساسية مع أكثر من طرف.

إن الحديث في الأزمات والانتخابات والتحقيقات يقودنا إلى مسار ملفت ضمن مجموعة تصريحات تؤكد أن الأزمة باقية حتى إجراء الانتخابات وجلاء نتائجها؛ التي ستعكس إما رغبة دولية في بلورة الحل والدعم أو الانكفائة الخطرة، علما أن مفاوضات فيينا بين إيران والأمريكان والأوروبيين ستكون لها قوة في دفع الحلول، ولا ننسى الانتخابات الرئاسية الفرنسية في حسبان الحاسبين، ولكن يبقى المعيار الأساس الإصلاحات التي حتى الساعة لم تسلك طريقها والتي ستكون مفتاح الحلول برمتها، ولكن هل تصلح الحلول مع الطبقة القائمة من السياسيين؟

لقد أتت الإجابة عبر تصريح المبعوث الأممي السيد أوليفييه دي شوتر، حيث قال بوضوح إن مسؤولي الحكومة اللبنانية ليس لديهم أي شعور بضرورة التحرك العاجل أو العزم اللازم لتحمل مسؤولياتهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تسببت بإفقار وحشي للمواطنين في لبنان. وأوضح  دي شوتر، المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، في ختام مهمة استمرت أسبوعين لدراسة الفقر في بلاد الأرز المتعبة: "أنا مندهش جداً من حقيقة أن هذه دولة في طريقها للفشل، إن لم تكن فشلت بالفعل، واحتياجات السكان لم تتم تلبيتها بعد"، وأردف: "إنهم يعيشون في عالم خيالي.. وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل البلاد".

وللتذكير، فقد حذر البنك الدولي مرات عدة من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق في لبنان، منبها إلى "كساد متعمد". ودعنا نضع خطوطا حمراء تحت كلمة متعمد، في غياب إصلاح شامل على وجه السرعة. كذلك فقد دعا البنك الدولي السلطات إلى اتخاذ إجراءات سياسية فعالة، في وقت تشهد فيه البلاد تدهورا في قيمة العملة المحلية وتضاؤل احتياط العملات الأجنبية في المصرف المركزي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

خلاصة القول: لبنان يحتاج إلى "كونسولتو" أطباء من واشنطن إلى باريس مرورا بفيينا ثم بطهران والرياض ودمشق، وطبعا بيروت حيث مربط الفرس، لتغيير عقلية الدولة الفاشلة التي تحدث عنها المسؤول الأممي، وتغيير التجاهل المتعمد لمشكلات وطن على شفير الزوال إذا استمر الحال على ما هو عليه، بحسب سيد الدبلوماسية الفرنسية مرات ومرات. والحل برأي الكثيرين يبدأ بعد الانتخابات ونتائجها، وحتى موعد إجرائها سنبقى نرى أدوارا بالجملة ولا حلول.