دأَبتُ، منذ بضعة أشهر، على تمارين يومية، أقترح على القارئ/ القارئة، أن يجرب/ تجرب أحدها؛ إذا ما وجد/ وجدت، في ما سأقدمه، كمثال، فائدة.
أختار كلمة، ويقع الاختيار في كثير من الأحيان، اعتباطيا، نادرا ما يكون عن سابق تقرير، ثم أبحث عن معانيها، في المعاجم. وفي كل مرة أشعر بسعادة بالغة، سعادة أن أبحث في فنون وعلوم متنوعة، ربما كنت أظنها متنافرة، لكنها في بنية اللغة وواقعها، مترابطة، متداخلة، وعندها أدرك كم أجهل لغتي، لكني أعاود في اليوم التالي، التمرين، والمحاولة، محاولة أن أسابق جهلي، الذي يلحقني، دائما، مع كل اختيار، جديد.
هذه هي الحصيلة الأولى لمعاني تمثيل:
تمثيل: (اسم)
تمثيل : مصدر مَثَّلَ
تَمثيل: (اسم)
استيعاب المعلومات استيعابًا ينظمها في الحياة العقليّة
يُتْقِنُ فَنَّ التَّمْثيلِ الْمَسْرَحِيِّ أَوِ السِّينِمائِيِّ: تَقْديمُ الأدْوارِ، والأداءُ الْمَسْرَحِيُّ
حَضَرَ لِتَمْثيلِ بِلادِهِ في الْمُؤْتَمَرِ: لِيَقومَ مَقامَها وَيَتَكَلَّمَ باِسْمِها
التَّمْثيلُ الدِّبْلوماسِيُّ: الاِنْتِدابُ لإِقامَةِ علاقاتٍ سِياسِيَّةٍ ما بَيْنَ بَلَدَيْنِ
تَساءَلَ عَنْ سَبَبِ التَّمْثيلِ بِعَدُوِّهِ بِهَذا الشَّكْلِ: التَّنْكيلِ بِهِ
(بلاغة) تشبيه صورة مركّبة بأخرى مركّبة
(الفلسفة والتصوُّف) إلحاق جُزَيء بجزيء آخر في حكمه لمعنى مشترك بينهما، ومنه القياس الفقهيّ
(القانون) انتداب شخص مُعيّن للقيام بعمل ما باسم غيره ولحسابه بمقتضى توكيل
التَّمثيل: (الثقافة والفنون) أداء أدوار في عمل مسرحيّ أو سينمائيّ أو تليفزيونيّ
التَّمثيل الغذائيّ: (الأحياء) تحوّل الموادّ الغذائيَّة التي يتناولها الكائنُ الحيّ إلى موادّ يتألّف منها جسمُه، وتعرف هذه العمليّة بالأيض النَّباتي
التَّمثيل النِّسبيّ: (السياسة) محاولة توزيع المقاعد أو المناصب بالنِّسبة إلى القوى السِّياسيّة المتنافسة في البرلمان أو في الحكومة أو في وظائف أخرى
التَّمثيل الضَّوئيّ: عمليّة يقوم بها النَّبات الأخضر مكوِّنًا موادّ كربوهيدراتيّة (نشويّة وسكَّريّة) شريطة وجود البلاستيدات الخضراء (الكلوروفيل) والضَّوء وثاني أكسيد الكربون والماء
تمثيل نسبي: (مصطلحات)
تمثيل بنسبة الأسهم المملوكة. (مالية)
واضح، طبعا، ما قصدت. كلمة تمثيل تضرب في فنون وعلوم شتى: لغة، بلاغة، تثميل، فلسفة، علوم دينية، تصوف، أحياء، سياسة، اقتصاد، قانون.
سأعود، سريعا، إلى كلمتي الأولى: دأَبَ / دأَبَ على / دأَبَ في يَدأَب، دَأْبًا ودَأَبًا ودُءوبًا، فهو دائِب ودَئِب ودَءوب، والمفعول مَدْءوب.
دأَب فلانٌ الشَّيءَ/ دأب فلانٌ على الشَّيءِ: لازمه واعتاده دون فتور، استمرّ وواظب عليه.
لكنها تعطي معاني أخرى، فهي، مثلا، تعطي حين تقرن بالناقة، معنى غير متوقعة: دَأبَتِ النَّاقَةُ دُؤُوباً: تَعِبَتْ. ثم، هي تعطي، حين تقرن بالخيمة، معنى آخر: دَأبَ الخَيْمَةَ: نَصَبَهَا.
حريص على أن يكون تمريني سهلا، فلا زلت في البداية، لذلك حين يبرز لي معنى غير متوقع، أبحث عبر أبسط الوسائط، عن معرفة أوضح، قليلا، على أمل أن أمضي عميقا فيما بعد. فحين يقترح محرك البحث تعريفات "ويكيبيديا" أطرقها، ثم أطرق المراجع، التي يذكرها، ثم أبحث عن المصادر، والأصول.
سأكتفي، هنا، بتتبع المعنى الأول "استيعاب المعلومات استيعابًا ينظمها في الحياة العقليّة"، وتبيان الحركة الأولى التي أقوم بها في تمريني، أي معرفة ما تعطيه "الموسوعة الحرة"، ولكني ألفت نظر القارئ/ القارئة، إلى أني لا أكتفي بها، وأقترح أن لا يفعل القارئ/ لا تفعل القارئة، الأمر نفسه.
التمثيل العقلي أو التمثيل المعرفي (بالإنجليزية: Mental representation) هو التمثُّل الرمزي للواقع الخارجي فرضيًا وداخليًا ومعرفيًا. يوجد المصطلح في فلسفة العقل وعلم النفس المعرفي والعلوم العصبية والعلوم الاستعرافية. أو هو عملية عقلية معرفية تستخدم ذلك التمثل الرمزي، "نظام رسمي لإنشاء كيانات أو أنواع معينة صريحة من المعلومات، مع تحديد طريقة فعل ذلك".
التمثيل العقلي هو الصور الذهنية التي يحدثها العقل للأشياء التي لا تستطيع الحواس الإحاطة بها. في الفلسفة المعاصرة، وتحديداً في مجالات ما وراء الطبيعة مثل فلسفة العقل وعلم الوجود، يعد التمثيل الذهني أحد الطرق السائدة لشرح ووصف طبيعة الأفكار والمفاهيم المجردة.
في تمريني، حين أجد مثل هذا الدفق من المعلومات التي تحتاج إلى بحث، وشرح، وتوضيح، ووقت، بالطبع، أجد نفسي وقد تلبستني شخصية سلطان السكري (الابن الأكبر، والفاشل دراسياً، الذي أداها الفنان سعيد صالح، في مسرحية "العيال كبرت"، 1977)، وهو يقول: "كلام كبير يصعب على أمثالي فهمه".
وأسخر من نفسي، وأنتبه إلى أن هذه السخرية، وتذكر سلطان السكري، كامنة، بالضرورة، في الكلمة "تمثيل"، وكأن كثافتها قد توأطت مع ذاكرتي، لتبرز، وتضفي بعض المرح، على تمريني، وأستدرك، عائدا، إلى صديقي، فهو يشير إلي، موضحا:
فلسفة العقل أو فلسفة الذهن هي إحدى فروع الفلسفة التي تهتمّ بدراسة طبيعة العقل والأحداث والوظائف والخصائص الذهنية بالإضافة إلى الوعي وعلاقتهم بأعضاء الجسد وخاصة الدماغ. تعدّ مسألة العقل - الجسد إحدى القضايا الأساسية المتناولة في فلسفة العقل، على الرغم من وجود أمور أخرى تهتم بطبيعة العقل المجرّدة من أيّة علاقة بالجسم، مثل الإجابة عن كيفية الإدراك وطبيعة الحالات العقلية الخاصّة.
ثم، يشير، إليّ، ثانيا، موضحا:
علم النفس المعرفي، ويعرف أيضاً بعلم النفس الإدراكي، هو مجال فرعي من علم النفس، يقوم باكتشاف العمليات الذهنية الداخلية. حيث يدرس هذا العلم كيف يقوم الناس بالتفكير، والإدراك والتذكر، والتحدث، وحل المشكلات.
وأخيرا، يشير إلى أن:
العلوم العصبية (أو البيولوجيا العصبية) هي دراسة علمية للجهاز العصبي، وفرع متداخل التخصصات لعلم الأحياء، يجمع بين الفريولوجيا العصبية، والتشريح العصبي، والعلوم العصبية الجزيئية، والنماء العصبي، والعلوم العصبية الخلوية والحاسوبية، وعلم النفس، لفهم الخصائص الأساسية والطارئة على العصبونات وشبكاتها الحيوية. وصف إريك كانديل فهم الأساس البيولوجي للتعلم والذاكرة والسلوك والإدراك والوعي بأنه "التحدي النهائي" لعلم الأحياء.
تضع صديقتي (الموسوعة الحرة) كل كلمة تظن أن القارئ المبتدأ، مثلي، يجهلها بلون أزرق، وهو موضوع على رابط يفتح على تعريف لتلك الكلمة، فمثلا وضعت اسم إريك كانديل بلون أزرق، فحين أضغط على الاسم تنفتح نافذة جديدة، تخبرني أنه: عالم أعصاب أمريكي من أصل نمساوي حصل على جائزة نوبل في الطب سنة 2000 بالاشتراك مع مواطنه الأمريكي بول غرينغارد والسويدي أرفيد كارلسون وذلك لأبحاثه عن الأسس الفسيولوجية لاختزان المعلومات في الخلايا العصبية.
وبالمثل الأمر متاح مع الفائزين معه.
أمضي ساعة، يوميا، في فتح نافذة تلو أخرى، كأني في متاهة، مستمتعا، وعلى أمل، أن يفيدني هذا التمرين في التخفف قليلا، من الشعور بالتقصير، والاستعلاء، وهما شعوران متناقضان، لكنهما طبيعيان في بداية أي تمرين جديد.
بقيت فقرة، ضمن تمريني، المثال، وقد وقعت عليها في بحثي، حيث وجدتها في مقال عنوانه "التَّخْييلُ والتَّمثيلُ في الخِطاب الفَلْسَفي"، عبد الرزاق الدواي، منشور في مجلة "أفاق للعلوم" الجزائرية (2004)، حيث يذكر الدواي: إن مؤسس المنطق الصوري، الفيلسوف اليوناني أرسطو، عندما تناول موضوع التَّمْثِيل، في الأخلاق النقوماخية، وكتاب الخِطـَابة، و كتاب الشعر، وحَلَّل بعض النماذج منه، كان في مُعظم الأحيان يرمي من وراء ذلك، إلى التعبير عن فكرة وجود تماثُل وتناسب بين علاقات معينة، شبيه بالتنـاسب الهندسي كما وردت صيـغته عند اقليدس في كتـاب المبادئ. وكان يعرضه في الصيغة التالية: نقول إن هناك تمثيلا عندما تكون علاقة الحد الأول "أ" بالحد الثاني "ب"، هي كنسبة الحد الثالث "ج" إلى الحد الرابع "د". ومن الأمثلة المشهورة التي كان يسوقها:
ـ إن العقل بالنسبة للنفس هو كالعين بالنسبة للجسم؛
ـ إن الأجنحة بالنسبة للطير هي كالخياشيم بالنسبة للأسماك،
ـ إن الشيخوخة بالنسبة للعمُر هي كالمساء بالنسبة إلى النهار.