ما زالت تداعيات الانقلاب
التونسي على
الديمقراطية لم تظهر كلها بعد، وإن كانت التوقعات المعتادة في الانقلابات هي إزاحة الديمقراطية واعتقال قطاع كبير من النشطاء والنواب والإعلاميين والفاعلين في المشهد العام، فضلا عن فك وتركيب القوى السياسية لتصبح الخريطة على مقاس الديكتاتور الجالس في القصر..
مصر نموذجا من أيام الرئيس محمد نجيب إلى يومنا هذا.
ليس بالضرورة أن يصل الإجرام في تونس إلى مستوى الإجرام العسكري في مصر، فتونس لا يراهن عليها سياسيا ولا جغرافيا ولا ثرواتيا كما يراهن على مصر من الذراع الصهيو-خليجي، أحد أدوات المشروع الغربي الاستعماري. كما أن الحركة الإسلامية في مصر هي رأس الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي السني، لذا كان قطع الرأس هدفا واضحا وبسكين المؤسسة العسكرية، حتى يكون الذبح شرعيا وبالمقاييس التي يتقنها شيوخ السلطان الجائر في كل البلدان.
في هذا الأجواء كانت التساؤلات الحائرة من شباب الحركة الإسلامية والشباب الوطني، بل وكل عاقل ينشد حياة إنسانية كريمة تليق به وبوطنه: ما هو الحل وما المخرج وأين الطريق؟ هل كتب علينا الاستبداد والفساد والقمع؟ خاصة وأن الغرب الاستعماري لم يقبل الإخوان بمنهجهم الوسطي المعتدل، ولم يقبل حركة النهضة ذات التوجه الليبرالي المتسع، أيضا لم يقبل أوردوغان بانحيازه العلماني المنفتح!! فبمن يقبل إذاً؟!
ما زال المشروع الغربي الاستعماري وأدواته في الحكم والنخبة والمعارضة وقطاعات شعبية ليست بالقليلة تروج بما تملك من أدوات ومليارات؛ أن الديمقراطية لا تناسب هذه المنطقة من العالم، والذي يناسب هو نمط المستبد العادل.
ولا يوجد في الكون ما يسمى المستبد العادل كما لا يوجد ما يسمى بالمؤمن الكافر؛ لأن الاستبداد هو قمة هرم الظلم، فمن أين يأتي بالعدل؟!
كما يروجون أن الحركات الإسلامية خاصة الإخوان لا تصلح للحكم، رغم إرادة الشعوب المختارة لها، بزعم أنها لا تملك الخبرة ولا الكفاءات ولا العلم ولا المعلومات! في واقع يشهد بتدني قيمة وقامة من يحكم أو من يسيطر على مقاليد الحكم لمستوى يلمس القاع.
كما يروجون أن الحركة الإسلامية والمعارضة الوطنية تسعى للسيطرة والهيمنة وأن تحكم وحدها دون شراكة الآخرين، وأنها تستأثر بالحكم دون الانتفاع بخبرة وتاريخ السياسيين!! في الوقت الذي تشير فيه الأرقام والإحصاءات من المناصب والمقاعد والوزارات إلى أن نسبة
الإسلاميين في شغل المناصب تكاد تكون هامشية في مصر وتونس سواء بسواء.
أيضاً يروجون لأخونة الدولة كذبا وزورا، وعندما تمت عسكرتها بالكامل لم ينطق أحد بكلمة، بل قال بعضهم لقد عرفنا كلمة السر في الإنجاز "الكاب"، يقصد العسكر.
في الحقيقة ترويج هذه الشائعات هدفه الأساسي كسر إرادة الدعاة والمصلحين، وكبح جماح مشاعر العمل والإنجاز لدى الفاعلين ونشر اليأس في نفوس الملايين. هل من المعقول أن كل التجارب فاشلة وأن كل المعارضة فاسدة؟ هل من المعقول أن كل خيارات الشعوب مهدرة ومؤسساتها المنتخبة لا قيمة لها ومجبرة؟ هل من المعقول أن يحارب العالم الإرهاب وفي نفس الوقت يذبح التجارب السلمية الناعمة؟
خلاصة المشهد هي فرض الإرادة بقوة الشعب وسيادته، فالشعب هو السيد، ومن دونه ليسوا بسادة ولو تسيّدوا بالرصاص والدبابة. الحل، هو المقاومة السلمية وعدم الاستسلام.
ويبقى السؤال الأصعب: بمن نقاوم؟ في ظل بقايا المعارضة المنقسمة؟ وبمن نقاوم في ظل مجتمع متشرذم ومفتت؟ وبمن نقاوم وغالبية الشعب ترى أن لقمة العيش أهم من الحرية والكرامة؟ وبمن نقاوم في ظل نظم عسكرية قاتلة وأجهزة أمنية لا ترعى في إنسان إلاّ ولا ذمة؟ وبمن نقاوم في ظل مجتمع دولي وإقليمي متآمر لا يرانا بشر كباقي البشر؟ وكيف نقاوم؟
وللحديث بقية عن مبادرات المقاومة السلمية، لا المعارضة الوظيفية!!