تتناقل الشعوب تجاربها في الميادين العلميّة والأدبيّة والفلسفيّة والصناعيّة والعسكريّة والتجاريّة وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار تغير الأحوال والظروف بين بلد وآخر.
وتعتبر التجربة الفلسطينيّة من التجارب العريقة والمتميّزة في الوقوف ضدّ القوى الحاقدة، التي تحاول تزوير التاريخ وسحق الإنسان والهويّة، ومن هنا تبرز أهمّيّة تجربة الفلسطينيّين باعتبارها فريدة من حيث المطاولة والتحدّيات وعدم التوازن بين أطراف النزاع.
تعتبر القدرات العسكريّة الإسرائيليّة واحدة من أضخم القدرات في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وكشف موقع "غلوبال فاير بور" الأمريكيّ منتصف أيّار/ مايو 2021 أنّ الجيش الإسرائيليّ يصنّف في المرتبة 20 عالميّا، وفي المرتبة الخامسة بين أقوى جيوش الشرق الأوسط، ويصل إجمالي القوّات العسكريّة إلى 643 ألف جندي، بينهم 465 ألف في الاحتياط. وتضمّ القوّات البرّيّة 1650 دبّابة، وسبعة آلاف و500 مدرّعة، و650 مدفعا ذاتيّ الحركة، و300 مدفع ميدانيّ، و100 راجمة صواريخ، وتتكوّن القوّات الجوّيّة من 595 طائرة حربيّة.
ويتكوّن الأسطول الحربيّ الإسرائيليّ من 65 قطعة بحريّة، بينها خمس غوّاصات، وتصل ميزانيّة الجيش إلى 16 مليارا و600 مليون دولار، مع احتياطي من العملات الأجنبيّة والذهب يصل إلى 113 مليار دولار.
ومع كلّ هذه القدرات الجبّارة، وجدنا أنّ
المقاومة الفلسطينيّة نجحت في دفع قادة إسرائيل لوقف المعركة من طرف واحد بعد أقلّ من أسبوعين، وذلك بسبب القوّة الناريّة الهائلة للمقاومة، وفشل القبّة الحديديّة في مواجهة مسار الكثير من الصواريخ القادمة من غزّة.
هذه الهزيمة الصهيونيّة، ربّما، ستدرس في الأكاديميّات العسكريّة، وذلك لأنّنا نتحدّث عن قطاع (غزّة) محاصر من جميع الجهات، وكلّ ما يدخل إلى القطاع ويخرج منه يكون تحت عين المحتلّ، الذي يمتلك قوّات نظاميّة مدعومة دوليّا، فكيف تحقّق هذا النصر الكبير؟
لقد حقّقت المقاومة الفلسطينيّة جملة من الأهداف الآنية والاستراتيجيّة، ربّما في مقدّمتها تحصين المسجد الأقصى من دنس العابثين، وتثبيت أهالي حيّ الشيخ جرّاح في حصونهم، وتسليط الضوء الدوليّ على قضيّة
فلسطين، وفضح الظلم المستمرّ للمدنيّين العزل سواء على يد المستوطنين، أم عبر الآلة العسكريّة الصهيونيّة، وعرقلة النموّ الاستيطانيّ، وتخريب القطاع السياحيّ، فضلا عن خسائر ماليّة تجاوزت السبعة مليار دولار.
والأهمّ ممّا تقدّم، أنّ المواجهة أظهرت التلاحم العربيّ- الفلسطينيّ، والقدرة الشعبيّة الفلسطينيّة على خوض انتفاضة جديدة يتخوّف منها الصهاينة، بدليل الاستجابة الجماهيرية لتطبيق إضراب الكرامة على مستوى فلسطين، وجميع ما تقدّم أنعش الروح الفلسطينيّة الرافضة للوجود الأجنبيّ رغم كلّ الدعم الخارجيّ للصهاينة، وزعزع أحلام الحالمين بقيام "دولة إسرائيل".
هذه التجربة النضاليّة الفلسطينيّة الناجحة يمكن للعراقيّين أن يستفيدوا منها، وبالذات مع عودة مظاهرات 25 أيّار/ مايو في عدّة مدن، وذلك عبر الآليّات الآتية:
- بداية: هذه الدعوة لا تقترح الحلول العسكريّة في الحالة العراقيّة؛ لأنّ ذلك يعني الحرب الأهليّة، وهذا الخيار ليس في مصلحة
العراق، بل يصبّ في خانة الأعداء.
- بثّ روح الأمل والتحدّي في إمكانيّة التغيير في البلاد، رغم كلّ العوامل الترهيبيّة الموجودة.
- ترتيب مجلس تنسيق (أو قيادة) للتغيير المرتقب يضمّ ممثّلين لجميع القوى المؤثّرة، ويتمّ انتخاب رئيس للمجلس، وتكون القرارات فيه للأغلبيّة.
- دعوة المجتمع الدوليّ للوقوف مع العراقيّين في مرحلة التغيير السلميّ.
- حثّ الجماهير لإضراب عامّ وشامل في عموم المدن التي تسيطر عليها حكومة بغداد.
- الدعوة لمظاهرات سلمية تكون غايتها بناء دولة مدنيّة، وتأكيد محاكمة المجرمين، وإنهاء ملفّ القوى الشرّيرة.
- تحفيز الأنقياء من عناصر الجيش والشرطة للانضمام للمتظاهرين ودعمهم.
- إطلاق حملات إعلاميّة وشعبيّة عبر وسائل الإعلام الوطنيّة ومواقع التواصل الاجتماعيّ؛ لبيان أهمّيّة التضامن الشعبيّ لتغيير الواقع.
- مساهمة الخطباء والعلماء وعموم المثقّفين لتشجيع المواطنين على المشاركة الفاعلة والسلميّة في دعم حركة التغيير.
هذه الخطوات السلميّة وغيرها، يمكنها خلال شهر من الزمان أن تُنهي الحالة القائمة، والمتوقع أن تواجهها الحكومة والقوى الشرّيرة بالقبضة الحديديّة، ومع ذلك تنبغي المطاولة؛ لأنّ الشعوب الحيّة لن تصل لأهدافها دون تضحيات.
هذه الخطوات يمكن أن تؤسّس لمرحلة انتخابيّة برلمانيّة وبإشراف دوليّ، شريطة عدم مشاركة أيّ متورّط بدماء الأبرياء، وساعتها سنكون أمام مرحلة جديدة مليئة بالخير والأمل والسلام.
فمَنْ سيتبنّى هذا المشروع لخلاص العراق؟
twitter.com/dr_jasemj67