انتقد المفكر والباحث الفرنسي فرانسوا بورغا، العلاقات الفرنسية
المصرية التي جاءت على حساب ملف حقوق الإنسان وقمع الحريات، وذلك بالتزامن مع زيارة
رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي إلى
فرنسا للمشاركة في كل من مؤتمر باريس لدعم المرحلة
الانتقالية في السودان، وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية.
ومنذ مجيئه للسلطة قبل نحو أربع سنوات، ارتبط الرئيس الفرنسي
إيمانويل
ماكرون بعلاقات وطيدة مع السيسي، حرص خلالها على تقديم الدعم لنظامه الاستبدادي
والتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة مقابل مصالح سياسة واقتصادية وأخرى أيديولوجية.
وقال بورغا، وهو مدير الأبحاث في معهد البحوث والدراسات حول
العالم العربي والإسلامي في مدينة آكس أون بروفانس، جنوب فرنسا، إن هناك أسبابا أخرى
غير عقد صفقات السلاح الضخمة تجمع بين الرجلين، على رأسها العداء للتيارات الإسلامية
في بلديهما والتنسيق المشترك في ملفات إقليمية مثل شرق المتوسط وليبيا.
دعم السيسي، هو ورقة رابحة في انتخابات فرنسا الرئاسية المقبلة،
بحسب الأكاديمي الفرنسي؛ بعد مغازلة أصوات المسلمين في 2017، يسعى ماكرون لمخاطبة اليمين
المتشدد وجعل عدائه للإسلام ورقته الرابحة لحملته الانتخابية في 2022.
وقبل أيام من زيارته إلى باريس، أثار عقد صفقة سلاح ضخمة
بين مصر وفرنسا، دهشة بل خيبة أمل لدى المجتمع الحقوقي، وانتقدها بورغا آنذاك في تصريح
خاص لـ"عربي21"، وقال إنها "أحد الأساليب الفرنسية في دعم الأنظمة الاستبدادية".
تاليا نص الحوار:
ما سر دعم ماكرون للسيسي.. ولماذا تجاهل ملف انتهاك حقوق
الإنسان في مصر؟
أنظر إلى التحالف بين السيسي وماكرون، باعتباره نتيجة لسببين
أساسيين:
السبب الأول، هو بسيط أو براغماتي، يتعلق الأمر بالجانب المادي
والرغبة في الربح والتكسب ببيع الأسلحة، في هذه الصفقة الأخيرة هناك سبب داخلي خاص
بفرنسا، إذ يتحدث بعض المراقبين عن أن هذه الصفقة هدفها دعم قطاع تصنيع الطائرات الفرنسية،
خاصة في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الصناعة الفرنسية، نظرا لقوة
المنافسة الأمريكية، في سياق هذا السبب فإن القطاع البنكي الفرنسي، قام بالمشاركة في
الصفقة لدعم استثنائي للصناعة الفرنسية للطائرات.
الدافع الثاني، يتعلق بالطبيعة الأيديولوجية للتحالف بين
النظامين وليست مادية. وعلى هذا الصعيد، يبدو أن لماكرون والسيسي مصلحة مشتركة، وهي
تجريم وشيطنة التيارات الإسلامية في كل من فرنسا ومصر.
هذا يقودنا إلى سؤال آخر، لماذا العداء للتيارات السياسية
الإسلامية؟
خلفية هذا التنسيق بين البلدين، أن السيسي ومعه نادي
"المستبدين بلا حدود" من حكام المنطقة، يعرفون جيدا أن التيار الوحيد الذي
يستطيع أن يستقطب حاليا أغلبية انتخابية، وينازع المستبدين على السلطة هو التيار الإسلامي.
لماذا هذا التحول أو الانقلاب في موقف ماكرون؟ وما علاقة
انتخابات الرئاسة بالأمر؟
من جهته، يعرف ماكرون، أنه إذا أراد أن يتم التصويت له لولاية
رئاسية ثانية، فإن عليه أن يوظف خطاب اليمين المتشدد، وأن يُحمّل كل مشاكل المجتمع
الفرنسي وتوتراته وأزماته للمهاجرين بصفة عامة والمسلمين منهم بصفة خاصة. وأصبحت شيطنة
الإسلاميين في فرنسا الذريعة الأكثر إساءة للمسلمين ككل.
هل نفهم من ذلك أن منح السيسي أعلى وسام شرف في فرنسا يأتي
بسبب موقفه من الإسلام السياسي؟
لما جاء عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا في المرة السابقة، وتم
منحه أعلى وسام شرف تمنحه الجمهورية الفرنسية، وأكد في حواره مع جريدة الفيغارو، محاربته معارضيه من الإسلاميين بصفة عامة، والإخوان المسلمين بصفة خاصة، مبررا
ذلك بأنه لحماية المصالح الفرنسية.
هل تجاوزت فرنسا كل الخطوط الحمر للحرية من خلال دعمها للسيسي؟
في تقديري لا يشكل موقف فرنسا بقيادة ماكرون من الاستبداد
المصري -مع الأسف- أي عنصر جديد، كثيرا ما أحب أن أذكر برسم كاريكاتيري كانت نشرته
جريدة "Le canard enchainé" في حوالي سنة 1995، يظهر طفلا
يسأل الرئيس الفرنسي حينها، جاك شيراك، قائلا: "يا سيادة الرئيس، لماذا نحن في
فرنسا ندعم كل الديكتاتوريات في العالم العربي؟!" فيرد عليه شيراك: "يا صديقي اليافع،
إن شعوب المنطقة العربية لا يريدون تحمل مسؤولية دعم ديكتاتورييهم بعد الآن، فعلى أحدهم
أن يتكلف بذلك الدعم محلهم".
أنتم تعتقدون أن الدعم الفرنسي للأنظمة الديكتاتورية في المنطقة
ليس جديدا؟
هذا التقليد الفرنسي مستمر مع الأسف منذ ذلك الزمان، أقصد
التحالف بين الأنظمة الديكتاتورية العربية والسياسات الخارجية الفرنسية. غير أن أسباب
بنية واستراتيجية هذا التحالف تغيرت عبر الزمان، فبالإضافة إلى الخلفية الاقتصادية،
التي تتعلق بالربح المادي، يوجد الآن بعد أيديولوجي، قوامه التعاون في شيطنة كل ما
يتعلق بتيارات "الإسلام السياسي"، صار يحتل مساحة أوسع ليس في العالم العربي
فقط، لكن أيضا في الساحة السياسية الفرنسية بأكثر مما كان عليه الأمر في العقود السابقة.
ما هو الجديد في تحالف ماكرون-السيسي في هذا الصدد؟
كما قلنا سابقا فالتحالف بين ماكرون والسيسي لا يمثل للأسف
شيئا جديدا، لكن ربما العنصر الجديد الذي شكل تجاوزا لكل الخطوط الحمر، هو قرار وزير
الداخلية الفرنسي دارمانان، بحظر المنظمة غير الحكومية التي كان اسمها "جمعية
محاربة الإسلاموفوبيا في فرنسا"، والتي اضطرت معه الجمعية إلى مغادرة التراب الفرنسي
والانتقال إلى بلجيكا. وهذا كما سبق وكتبت سابقا بمثابة إعلان خروج فرنسا من
دائرة القانون، وانتقال من مرحلة كانت تحارب فيها السلطة الفرنسية الإسلاميين، إلى
محاربة المسلمين الفرنسيين على ترابها بشكل عام.
ماذا عن الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني والمفكرين والحقوقيين
في فرنسا.. هل يتفقون مع سياسة ماكرون في دعم السيسي؟
الجانب المبشر الوحيد في هذا الوضع الفرنسي المأزوم، هو أن
النشطاء الحقوقيين والجمعويين والباحثين القديرين في الأوساط البحثية الجامعية الفرنسية،
بما فيهم أولئك الأكثر خبرة واحترافية، كل تلك الأوساط متمسكة بموقف أكثر موضوعية ونبلاً
في السياق الذي نعيش. غير أن ميزان القوى حاليا ليس لصالح هذه الفئات من المجتمع الأساسية
في النقاش العمومي. في المقابل ربما يؤيد عشرة في المائة فقط من الأوساط البحثية، أو
إن هامشا أقل، هو الذي يؤيد سياسات الرئيس ماكرون.
ماذا عن الإعلام الفرنسي الذي يحظى بتأثير واسع؟
الخطاب الإعلامي في فرنسا والمنتشر في جميع وسائل الإعلام
الكبرى متطرف، ذلك أن الجرائد الورقية والقنوات التلفزية، صارت ملكية لأصوات قريبة أو تنتمي إلى اليمين المتشدد.
فالهامش البحثي المؤيد للسلطة مهم في الظاهر، لأنه قريب
من الرواية التي يريد الإعلام اليميني الفرنسي سماعها والتأكيد عليها. فتحتل هذه الأقلية
تسعين بالمائة من مساحات الإعلام الفرنسي الأكثر متابعة.
هل على الشعب المصري أن يعتمد على نفسه الآن وليس على الغرب؟
أنا مقتنع بشدة ومنذ مدة طويلة أنه ليس من مصلحة المعارضين
العرب والفلسطينيين، وخاصة الإسلاميين منهم، أن ينتظروا أي دعم من الأنظمة الغربية الحالية.