حقوق وحريات

هكذا تُنهك محاكم الاحتلال عائلات الأسرى الفلسطينيين

سنديانة فلسطين أم يوسف أبو حميد تحمل صورة أبنائها.. شهيد وخمسة أسرى بأحكام مؤبدة

تجلس السيدة الخمسينية أم يوسف أبو حميد على شرفة منزلها الصغير كل يوم؛ تراقب صور أبنائها الخمسة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإلى جانب أحكامهم المؤبدة الخيالية؛ تفرض محاكم الاحتلال تعويضات مالية باهظة عليهم.


ويعتبر هذا الملف مؤرقا لعائلات الأسرى الفلسطينيين التي تعيش معظمها في أوضاع اقتصادية صعبة، كما يحاول الاحتلال أن يعاقبها إضافة إلى الأحكام العالية التي يصدرها على أبنائها.


عقاب جماعي


بعد اعتقال الشاب إسلام أبو حميد قبل عامين؛ أصبحت أم يوسف والدة لخمسة أسرى حكم عليهم جميعا بالسجن المؤبد عدة مرات، حيث تتهمهم قوات الاحتلال بقتل جنود ومستوطنين.


وعلاوة على ذلك فرضت محكمة "عوفر" العسكرية الإسرائيلية تعويضا باهظا على الأسير إسلام بقيمة ٢٥٨ ألف شيكل (٧٨ ألف دولار)؛ وذلك بحجة تعويض أهل الجندي الذي قتله الأسير حين اقتحم الجنود مخيم الأمعري جنوب رام الله عام ٢٠١٨.


وتقول أم يوسف لـ"عربي٢١" إن المحكمة أصدرت حكما بالسجن المؤبد على نجلها إضافة إلى مبلغ ٢٥٨ ألف شيكل تعويضا للجندي القتيل، وهو الأمر الذي تفاجأت به العائلة.


وأوضحت أن هذه القرارات هدفها التأثير على الأسير وعائلته؛ وتكون باسم التعويض لعائلات القتلى من الجنود والمستوطنين، ولكنها تهدف إلى التنغيص على الأسرى.


محكمة الاحتلال كانت فرضت تعويضا ماليا بقيمة ٥٠ ألف شيكل (٢٤ ألف دولار) على ابنها الأسير ناصر والمعتقل منذ عام ٢٠٠٢.


ورأت أبو حميد أن هذه التعويضات لا تفاجئ عائلات الأسرى كونها تعرف طبيعة الاحتلال ومحاولته التضييق عليها بكل وسيلة، لافتة إلى أنه عادة ما يبالغ بها كحكم إضافي على الأسير؛ كما تشترط محاكم الاحتلال دفع هذه المبالغ المالية قبل الإفراج عن الأسير.


وأضافت: "الاحتلال يقتل الشبان والفتية والأطفال على الحواجز كل يوم بدم بارد ولا أحد يحصل على تعويض؛ أما هو فيعتبر أرواح جنوده ومستوطنيه مقدسة ويجب دفع تعويض عنها، فهذا عقاب جماعي لنا كفلسطينيين".


الحاجة أبو حميد هدم الاحتلال منزلها ثلاث مرات؛ الأولى حين اعتقل أبناؤها الأربعة في بداية انتفاضة الأقصى؛ والثانية بعد اعتقال نجلها إسلام عام ٢٠١٨، والثالثة بعد ذلك بأشهر قليلة بزعم محاولة البناء مكان المنزل، وهذا حكم إضافي يسعى من خلاله الاحتلال لتحطيم معنويات عائلات الأسرى.


وأشارت إلى أن الاحتلال لا يقبل عادة الخوض قضائيا في هذه التعويضات مثل قضية هدم المنازل؛ حيث يضعها ضمن دوائر المماطلة بين مختلف المحاكم والتي تستنزف العائلات دون جدوى.


شراء السنوات!


عائلة الأسير سعيد هرماس من بيت لحم عاشت نوعا آخر من التعويضات المالية، حيث حكم الاحتلال عليه بالسجن لمدة ٢٥ عاما.


وقالت زوجته لـ"عربي٢١" إن محامي الأسير تمكن من التوصل لصفقة مع نيابة الاحتلال التي أوصلت الحكم إلى ١٨ عاما مع دفع تعويض مالي عن كل عام تمت إزالته؛ بقيمة عشرة آلاف شيكل.


وأضافت بأن الحكم بعد المفاوضات وصل إلى ١٥ عاما وتعويض مالي يزيد على ٥٠ ألف شيكل؛ وحين حاول المحامي تخفيض المزيد من الحكم بدأ الاحتلال يطلب ٢٥ ألف شيكل عن كل عام.


وتابعت: "هنا كنا في خيار قاسٍ؛ فكان من الصعب علينا تجميع المبلغ ولكن في المقابل كانت أي سنة تحذف من الحكم مهمة، وفي النهاية قررنا دفع المبلغ المطلوب مقابل أن يصبح الحكم ١٤ عاما، ومررنا بظروف قاسية لجمع المبلغ فاضطررنا لبيع ممتلكات لنا واقتراض جزء منه من معارفنا".


وأشارت إلى أن المؤسسات الرسمية لا تتحمل دفع تكاليف هذه التعويضات وبالتالي تبقى عائلة الأسير وحيدة أمام هذه القرارات الجائرة.


وأضافت: "لدى عائلة الأسير لا تهم كل أموال الدنيا أمام تخفيض الحكم وقرب حريته، فكل شيء يهون مقابل ذلك..".


وتسجل هيئة شؤون الأسرى شهريا فرض محاكم الاحتلال غرامات مالية وتعويضات باهظة على الأسرى تقدر بأكثر من 60 ألف شيكل شهريا مجتمعة، ولكن هذه التعويضات تسقط بشكل كامل عن الأسير الذي يفرج عنه في صفقات تبادل بين المقاومة والاحتلال.


القدس


هذه القرارات الإسرائيلية تسري على كافة الأسرى الفلسطينيين؛ ولكن في القدس المحتلة تحديدا يزيد الاحتلال من حدتها بشكل متعمد ضمن وسائل الضغط على أهالي المدينة.


ويقول رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب لـ"عربي٢١" إن الاحتلال يستهدف الأسرى المقدسيين بملف التعويضات المالية لزيادة الضغط عليهم؛ في ظل الحالة المادية الصعبة لهم والتي نتجت عن استهداف الاحتلال لكل زوايا حياتهم على مدار العقود الماضية.


وأوضح أن القضايا المدنية التي أتاحها القانون الإسرائيلي أعطى فرصة لما يسميه "الشخص المتضرر من الإرهاب الفلسطيني" سواء أصيب بإصابات نفسية أو جسدية أو تعرضت ممتلكاته للاستهداف؛ أن يتوجه للمحاكم الإسرائيلية ويرفع قضية مدنية على الأسير الفلسطيني.


وأشار إلى أن نتيجة هذه القضايا دوما هي إرغام الفلسطينيين على دفع تعويضات للمستوطنين بمبالغ تصل أحيانا إلى مئات آلاف الشواكل، لافتا إلى أن الهدف من هذه السياسة هو بسط السيطرة على القدس وإعطاء فرصة للمستوطنين أن يعيثوا فيها فسادا بشكل أكبر.


وضرب أبو عصب مثالا على هذه التعويضات بقيام أحد المستوطنين بتقديم شكوى ضد مجموعة أطفال مقدسيين بحجة أنهم قاموا بحرق مكب للنفايات قريب من منزل يستولي عليه في البلدة القديمة، وادعى خلال الشكوى أن ذلك دفعه إلى تغيير طلاء جدران المنزل وبوابته وأنه تعرض للخطر.


وبيّن أن الاحتلال فرض على الأطفال السجن الفعلي لمدة تسعة أشهر؛ وحين أفرج عنهم فرض عليهم غرامات مالية بعشرات آلاف الشواكل.


وتابع: "هذه السياسة استنزاف للمقدسيين ومحاولة لابتكار أساليب جديدة تحت اسم الردع من خلال فرض التعويضات إلى جانب الغرامات المالية؛ فالاحتلال يريد أن يوصل رسالة للفلسطينيين بأن كل من يمارس النضال سيدفع ثمنا كبيرا سواء بالسجن أو المال".