تحدث الأمير الحسن بن طلال، ولي العهد الأردني إبان فترة الراحل الملك الحسين، عبر "رسالة" خاطب بها الجمهور الإسرائيلي عبر صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، عن أهمية إطلاق مسيرة سلمية شاملة تقوم على مبدأ حل الدولتين.
وذكرت سمدار بيري معلقة الشؤون العربية، في تعليقها على المقال المذكور، أنها تحدثت مع "محافل رفيعة المستوى في عمان، مقتنعة أن الأمير الحسن بن طلال، الذي هو جزء لا يتجزأ من الأسرة المالكة الأردنية، وعم الملك عبد الله الثاني، ما كان ليبادر لنشر مقال بقلمه في صحيفة إسرائيلية دون ضوء أخضر من الملك عبد الله نفسه".
ونبهت تلك المحافل في ذات الوقت، أن "الملك يواصل مقاطعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورفض مؤخرا الرد على مكالمة هاتفية وصلت من مكتبه".
وأشارت إلى أن "الأمير الحسن (73 عاما)، تحسنت علاقاته في السنوات الثلاث الأخيرة مع الملك عبد الله، وفي صورة نشرت في الشهر الماضي بدا الملك عبد الله، وعمه الأمير الحسن وابنه ولي العهد يتلقون معا التطعيم ضد كورونا".
وأفادت بيري، أن "الأمير الحسن يحرص على إبقاء بابه مفتوحا أمام الإسرائيليين، والحديث في الغالب يدور عن أناس يعرفهم منذ بداية المسيرة السلمية التي كان مشاركا فيها بعمق إلى جانب الملك الراحل الحسين، ومؤخرا عقد لقاء سري مع مجموعة من الإسرائيليين في مواقع أساسية لم يكونوا يعرفونه بشكل شخصي، وبعد أسبوعين أجرى الأمير حديثا آخر، بالزوم، مع خمسة إسرائيليين آخرين، معروفين جيدا في المملكة، وعلى جدول الأعمال كيفية الدفع بالمسيرة السلمية إلى الأمام".
واعتبرت بيري أن "الحسن هو لسان الميزان، بقدر ما، وهو لن يخرج عن الخط الملكي الرسمي، كما يحاول كل الوقت التوجه للجمهور الإسرائيلي من فوق رؤوس السياسيين في القدس"، منوهة أن الأمير حسن يحاول عبر رسالته أن "يفتح كوة جديدة، وأن يقتحم بحذر الطريق المسدود في العلاقات بين الجانبين".
ففي تشرين الأول/أكتوبر القادم ستحل الذكرى الـ 27 للتوقيع على معاهدة السلام بين الأردن والاحتلال، والتي كان يفترض بها أن "تشكل بداية النهاية للنزاع الطويل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتشكل رافعة طريق هامة نحو السلام بين شعوب المنطقة"، بحسب الكاتبة الإسرائيلية التي نوهت إلى أن الاتفاق مع الأردن تضمن مخططا شاملا للأمن المتبادل والتعاون الإقليمي.
سلاح الدمار الشامل
وبحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت" قال ابن طلال: "لشدة الأسف، أدت السيادة الإقليمية بنا إلى اتجاهات أخرى، فحين يخرج التطبيع عن التسويات الثنائية والصفقات التي تقوم على المصالح، فإن لدينا فرصة استثنائية لاقتحام الطريق المسدود والخروج لطريق جديدة هدفها الوصول لسلام شامل في الشرق الأوسط حتى نهاية هذا العقد، وهذا هو السبب الذي وجدت من الصواب أن أتوجه به لقراء "يديعوت" بخاصة وإلى الجمهور الإسرائيلي عامة، فالسلام وإن كان بين حكومات، يبدأ بنا، نحن الناس".
اقرأ أيضا : يديعوت: هكذا تحدث بلينكن عن إسرائيل والقضية الفلسطينية
وأضاف: "نشهد ارتفاعا خطيرا في انتشار السلاح النووي، ففي منطقتنا ثلاث دول ذات قدرة نووية هي؛ باكستان، الهند وإسرائيل، وبلادي الفقيرة توجد في تصنيف دائرة احتمال الخطر، بمعنى؛ في نصف قطر الضرر والدمار لكل مواجهة نووية في الشرق الأوسط، إذا ما نشبت، فالتهديد بالإبادة المتبادلة مؤكد، ولكن يمكن منعها من خلال تبني المعايير الأساس للقانون الدولي (Juscogens)، وبلورة مرجعية أخلاقية مشتركة لتعزيز السلام"، بحسب رأيه.
وقدر الأمير، أن الأمر "يتطلب تغييرا فكريا لدى كل الأطراف، والانتقال من وضع العداء إلى الاحترام المتبادل، وينبغي لمثل هذا التغيير أن يأتي من أسفل، من الهامش الاجتماعي والإنساني لكل واحد من الشعوب، والتحدي الذي يقف أمامنا هو نحن أنفسنا؛ فهل توجد لدينا الإرادة للانطلاق في طريق جديد؟".
ونبه إلى أن "إيران والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، يجب أن يقفا على رأس جدول الأعمال، شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب مسيرة تؤدي للأمن والتعاون المتبادل، وهما مبادرتان يتصدرهما الأردن، وكلتاهما في متناول اليد، وكخطوة أولى، علينا أن نعترف بالتغييرات العالمية التي تجري أمام عيوننا".
وأضاف: "مثلما للولايات المتحدة ومراكز القوى الجديدة في آسيا وأفريقيا، الصين واليابان، توجد مصلحة مشتركة، وليس فقط اقتصادية، بل في استقرار إقليمي، وتسوية جديدة وشاملة للشرق الأوسط بلا سلاح نووي، بشراكة وضمانة الأسرة الدولية، وهذه ليست أمرا خياليا، ومثل هذا السيناريو سيسمح بالتوازن لاكتساب وتطوير القدرة النووية لأهداف سلمية، وبين الالتزام بميثاق عدم نشر السلاح النووي للدمار الشامل".
الإنسان في المركز
وذكر أنه في آذار/مارس المقبل، ستحل الذكرى المئة لمؤتمر القاهرة الذي أدى ضمن أمور أخرى إلى إيجاد "دولتي الصغيرة، وبعد ذلك مملكة الأردن"، معتبرا أنه "حان الوقت للعودة والنظر لمنطقتنا - من المغرب وحتى بنغلادش - من زاوية نظر واسعة تشمل كل الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر، تركيا، إيران وبالطبع إسرائيل، عندما تصبح جزءا لا يتجزأ من هذه المنطقة بتعابير الاحترام المتبادل"، وفق قوله.
وأكد أن "السلام تحطم بسبب تدهور المسيرة السلمية الإسرائيلية – الفلسطينية، ومحظور أن نسمح لهذا أن يحصل مرة أخرى"، منوها إلى أن "السلام الذي تحقق مؤخرا بين إسرائيل وأربع دول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) يجب أن يراعي الخلفية الاقتصادية؛ النفط في الخليج، الغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وبالأساس؛ الناس على الأرض".
وأعرب عن أسفه الشديد لأن "الأولية أعطيت حتى الآن لأنابيب النفط والغاز في ظل دحر بلدات المحيط إلى الهوامش وتجاهل احتياجات الناس؛ سواء من ناحية العلاقة بين الماء، الطاقة والمحيط البشري أم من ناحية الصحة والبيئة وأسس كرامة الإنسان، ونتيجة لذلك كان مصير فئات سكانية واسعة أن تعيش بلا مستقبل وأمل، وتراوح في المكان، بينما كل من تبقى يعيش تحت تهديد أمني دائم وفي ظل السيف النووي المسلط".
وقال ابن طلال: "المسؤولية ملقاة على عاتقنا، وإذا لم نستغل الفرصة التي توجد أمامنا، سنكون مذنبين جميعا"، متسائلا: "كيف نقود المنطقة للسلام والازدهار؟ علينا أن نضع الإنسان في المركز، وأن نسمح للجمهور بأخذ المسؤولية عن مستقبلهم من خلال التمكين، الدعم والتشجيع على العمل".
وتابع: "يمكن مثلا؛ استئناف الخطوة لإقامة جمعية مدنية في الشرق الأوسط، كما يمكن استخدام التكنولوجيا العلمية والاتصالات لإطلاق جمعية مدنية افتراضية موازية"، مضيفا: "محظور علينا أن نتجاهل الصورة الأوسع، نحن نشهد في العقد الأخير واقعا من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، عوامله المحركة هي عدم المساواة والفساد، وليس بالذات التطرف العنيف، التطلعات المبالغة والانقسام الديني أو الطائفي".
وأضاف: "تجدر الإشارة، إلى أنه بينما قل عدم المساواة في العالم بقي موجودا في الشرق الأوسط، الذي يصنف كمنطقة هي الأكثر إعداما للمساواة في العالم، مسائل ديمغرافية وحكومات فاشلة شددت أكثر فأكثر الغضب الاجتماعي، كما تتصدى المنطقة لأزمة لاجئين، واحدا من كل 3 أشخاص يعيشون في الأردن هو لاجئ، ويقف الأردن أمام معضلة ثلاثية تتمثل بارتفاع عدد اللاجئين الذين يستضيفهم، اللجم المالي في الميزانية والدعم للسكان الضعفاء".
وأشار الأمير، إلى أن "وباء كورونا فاقم الوضع، ونحن لسا وحيدين في هذه المعركة، وشكل الوباء تهديدا على الصحة والاقتصاد في كل دولة، ومن هنا خدمات الطوارئ والصحة يجب أن تقف على رأس سلم الأولويات، وعلى ما يبدو هذا هو اختبار التكافل الأكبر الذي عرفه العالم في أي وقت من الأوقات، وفي هذا الواقع، التعاون بين كل الأطراف لإشفاء منطقتنا ضروري".
ورأى أن "التحدي الآن، هو الانتقال من إدارة الأزمة إلى الانتعاش، إعادة التنظيم والسعي للمرحلة التالية من السلام والتنمية، والأردن جاهز للوقوف في وجه هذا التحدي".
رؤية وأهداف مشتركة
وذكر ابن طلال، أنه يفكر في "اللقاءات بين الرئيس الإسرائيلي الأول حاييم وايزمن، وبين عمل الأمير فيصل الأول، في أعقاب معاهدة "فرساي"، والتي بحثا فيها في رؤيتهما المشتركة؛ اتحاد فيدرالي للدول العربية يعيش فيها اليهود، المسيحيون والمسلمون أبناء الثقافة العربية معا، وكانت هذه رؤية متنورة أيدها جدي الملك عبد الله الأول، وكانت تقوم على أساس أفكار متينة، وكان لها أيضا أساس بنيوي "بينلكوس" (بلجيكيا، هولندا ولوكسمبورغ) المنطقة، كما سماها "أبا إيبان" (وهو السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي أبوبري سوليمون مائير إيبان) في السبعينيات".
وأشار إلى أن "النقطة الأساس، أنه لا يمكن لأي دولة في الشرق الأوسط أن تحل مشاكلها وحدها، علينا أن نعمل معا كي نحقق أهدافنا الإقليمية المشتركة، والبديل هو واقع تتنافس فيه الدول فيما بينها على تعظيم الاستهلاك الداخلي المتزايد نحو استنفاد غير محدود للمقدرات، هذه مأساة ستمس الجميع".
وقدر أن "التعاون في موضوع المياه في المنطقة، هو المكان السليم الذي نبدأ به، ويمكننا أن نستمد الإلهام من أسرة الفحم والفولاذ في أوروبا أو من اتحاد دول جنوب شرق آسيا، ومن المشجع أن نرى أنه رغم المواجهات بين دول جنوب شرق آسيا، ورغم التنوع الكبير والاختلاف بين المنظومات السياسية، تتعاون هذه الدول في وجه التحديات المتبادلة غير القليلة في مجال التجارة، وذلك في الوقت الذي تبلغ فيه التجارة بين الدول العربية أقل من 10 في المئة من عموم نشاطها التجاري".
وبين أن المنطقة العربية "تتميز بخليط من النفط والمقدرات البشرية التي يمكنها أن تساعد في بناء مجتمعات تعددية وحديثة، تشجع إصلاحات سياسية واقتصادية وتقلل عدم المساواة، وعلينا العمل على تعزيز استقرار دول المنطقة، بما في ذلك دولة فلسطين التي تعيش إلى جانب إسرائيل في إطار تسوية تقوم على حل الدولتين، في ظل صلة حزبية وسياسية وتعاون اقتصادي وثيق".
وبحسب رؤية ابن طلال التي تحدث عنها في "يديعوت"، "مثل هذه التسوية السياسية، يجب أن تتضمن تقسيم القدس، في ظل مراعاة الأديان الإبراهيمية (الإسلام واليهودية)، والحفاظ على أمن وسلامة المسجد الأقصى، وتشبيب القيادة الفلسطينية التي تستقر في القدس، عاصمة دولة فلسطين وإسرائيل".
وقال في نهاية رسالته للجمهور الإسرائيلي: "متعدد الجوانب يكمل ثنائي الجانب، وإسرائيل والدول العربية المستعدة لذلك يمكنها أن تبدأ بالمسيرة منذ الآن، كما يمكن لدول أخرى في المنطقة مثل تركيا وإيران، أن تنضم لاحقا"، وقال إن "الوقت حان لبداية جديدة".